تحتفظ ذاكرة كبار السن اليمنيون بالتغاريد والأناشيد الخاصة بوداع واستقبال حجاج بيت الله وهي أبيات شعرية لا تلتزم بنوع معين من النظم وإنما تحرص على البوح بمشاعر صادقة ممن ينتظر الغائب. وهذه التغاريد تمحوها وسائل التواصل والنقل الحديثة وتجعلها مجرد كلمات متفرقه وأجزاء متوزعة بين عدد كبير من القدامى الذين يغادرون الحياة وهي بحوزتهم، ما أدى إلى ظهور محاولات توثيق للموروث الشفوي عبر كتب قليلة ومهرجانات نادرة الحدوث كالمهرجان الذي أقيم منذ سنوات في بيت الموروث الشعبي، وبعناء تم جمع من يحفظون أجزاء كثيرة من اللوحة المتفرقة بين جيل لم يتبق منه الكثير. ويدور معظم ما تم توثيقه حول الرحلة والانتظار والخشية من أي مكروه قد يصيب المسافر ويشكل ذلك حواراً بين الحاج وأقاربه وبين الأهل وحمام مكة وصولاً إلى الحوار مع المدرهة المقامة في فناء المنزل. ومن بين هذا الموروث هذه التغاريد التي تعد المدرهة طرفاً فيها:
يا لمن ذي المدرهة - وصوتها شجاني. وصوتها شجى الجبال – ورعد الودياني. ثم يتجه الخطاب مباشرة إلى المدرهة: يا مدرهة سيرى سواء - لا ترخي الحبال. فوقك ثقيل غالي. وتحين لحظة الحديث مع حمام مكة: يا حمامة عرفة - حومي وحومي واعرفي لنا حجنا. هو طويل خضراني - واعرفي لنا وزرته هي كلها بيضاني. واعرفي لنا عصيته - هي شوحط ورماني.
وتذهب التغريدة إلى من سيحمل نبأ قدوم الحاج من مكة:
يا مبشر بالحجيج - بشارتك بشاره. بشارتك صفا اليمن - وتلحقه شرارة.
ويوصي أحد الأبيات من يعملون على تقديم القهوة في منى أن يقدموها للجميع:
أو. .. يا مقهوي في منى قم قهوي الحجاج. قم الحجاج جميع قاصي وداني. ولقم الدله عسل وبخر الصياني.. (الأواني المستخدمة لشرب القهوة). هنيت للحجاج جميع حين عيدهم بمكة. حين عيدهم وسط الحرم وشاربين من زمزم. ويظهر عدم الاهتمام بالقافية أو الوزن أو وضع ما يردد تحت أي قالب معين أو تحت أي اسم لقائل فهي متداولة عند الجميع وتنتقل من الأرياف إلى المدن أو العكس وتتداخل فيما بينها أحياناً نظراً لعدم توثيقها ولوحدت موضوعها الأساسي.