مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

رمضان الذي نفتقد

لرمضان في كل بلاد الإسلام خصوصية مميزة، ولكل بلد عاداتها وتقاليدها في استقبال هذا الشهر الفضيل، وتعتبره جزءاً من موروثها الشعبي، لكن للأسف بدأت تلك العادات والتقاليد الرمضانية تتلاشى مع مرور الوقت.
رمضان القديم في ذاكرتي يشبه الحكاية التي يسردها الحكواتي في إحدى ليالي رمضان، كان لاستقبال رمضان نكهة خاصة، ومذاق مميز، وكان لعاداتنا طابع اجتماعي فريد، رُسم رمضان بذاكرتي بالزينة والأضواء والقناديل والأهلة المضيئة وكأن الدنيا ترتدي حلة جديدة فرحاً بقدوم رمضان.
ومع التطور والحداثة أصبح الفرد منشغلاً بالأجهزة الإلكترونية، كأن يقضي يومه على صفحات الإنترنت بدلاً من قضائه بالعبادة، والصلاة، وينسى أن هذا الشهر للعبادة، وللأسف فهذا الوضع يزداد سوءاً مع تطور التكنولوجيا، وحبذا لو أننا نحتفظ بموروثاتنا الشعبية وعاداتنا وتقاليدنا الرمضانية التي تبهج النفس.
أتذكر نكهة رمضان حين كانت أمهاتنا تمهد لنا الصيام في طفولتنا المبكرة بـ(صومة العصفورة)، بأن نصوم نصف اليوم، وهذا كان دافعاً لنا بأن نتعلم الصبر. الصيام الأول كان شاقاً بعض الشيء، لكن التعب والعطش والجوع كلها تختفي قبل حلول الأذان بساعة أو اثنتين، حيث كنا نترقب حركات عقارب الساعة بعينين ذابلتين، وكنا نحمل أطباق الطعام الشهي إلى بيوت الجيران قبل حلول أذان المغرب، وهذه العادة تجسد مبدأ التكافل الاجتماعي بصورة جميلة.
وما يميز رمضان هو جمعة الأسرة معاً، حول مائدة الطعام الشهي والأدعية الرمضانية والتسبيح، بعد الفطور نركض بنشاط فقدناه طيلة اليوم في اللعب والغناء بأغان تختص بهذا الشهر الفضيل غير آبهين للوقت.
يرتبط شهر رمضان بذاكرتنا بالجمعة مع الأهل، والأقارب حول مائدة الطعام، وفي الأماسي والسهرات الرمضانية، وهذا ما نفتقده في الغربة مع اختلاف العادات والتقاليد الرمضانية غير التي اعتدنا عليها ونشتاقها في بلد غير بلدنا، هناك ذكريات منحوتة فينا تحمل رائحة زقاق حينا وشوارعنا والشوق للجو العام في بلادنا وللأهل والأقارب، لكن الغربة تحفز المسلم على التمسك أكثر بالعبادة وبالعادات والتقاليد التي تمتاز بها بلده.
لشهر رمضان ذكريات جميلة لن يكررها الزمن رُسمت     بالبساطة والحب والأمل لتطلع يوم جديد، ذكريات غسلنا مرها بحلاوة الأناشيد والتهاليل في هذا الشهر الفضيل، هناك حنين لرؤية الزينة والقناديل احتفالاً بشهر رمضان الكريم واللعب في شوارع حينا وانتظار حلويات رمضان التي اعتدتها من يدي والدتي كل أشهر رمضان التي مضت أصبحت نقشاً في الذاكرة نحن لتفاصيلها.
ويبدو أن رمضان أيضاً تأثر بلوثة الحداثة والعولمة، فلم يعد قائماً كما كان سابقاً على الطقوس والأجواء العفوية، على فطرة الإنسان في التآخي مع جارهِ، ورحمه، وفي مد يد العون للمحتاج، رمضان الآن هو شهر خالٍ من روحانيات الإسلام إذ يفتقد في أجوائه إلى الألفة والحميمية والدفء. والأسرة الكبيرة والواسعة لم تعد كذلك، فهي اليوم في شتاتٍ عن بعضها، لأنها تفرقت بسبب السفر والبحث عن لقمة العيش.
ويبدو أن رمضان الذي يغيب عنه المسحراتي، والجدات، وسهرات السمر المعتدلة في كل شيء، لن يعود في عقاربه إلى الوراء، إلى الزمن الجميل، وإنما هو يجرد من جمالياته لصالح موجة كاسحة من الثورة التقنية والحداثة والعصرنة. 
وفي الختام، أود أن أشير، إلى ضرورة أن نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا وتاريخنا في استقبال هذا الشهر الفضيل، خوفاً من أن تمحى وتطمر، وتصبح بلا أهمية وتترك في صندوق النسيان، هذا الشهر شهر العبادة والمغفرة والرحمة وتعلم الصبر وتعلم صلة الرحم، والكثير من المقومات الدينية التي أتمنى ألا نتجاهلها حتى إن غفلنا عنها في الأيام العادية فعلينا ألا ننساها في هذا الشهر الفضيل.
ذو صلة