مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

خالد البسام.. رحيل جزء من التاريخ

فقدت الأوساط الثقافية العربية أديباً ومؤرخاً كرس حياته للثقافة والبحث، وبالذات فيما يتعلق بتاريخ الجزيرة العربية والخليج، حيث نعت وزارة الثقافة البحرينية الروائي والمؤرخ خالد حمد سليمان الحمد البسام، الذي انتقل إلى رحمة الله، تاركاً خلفه ذاكرة أدبية جميلة وسيرة وهبها للكتابة، وقالت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، (إن “البسام” كرس أجمل إبداعاته وأعماله كواحد من أبرز الأدباء المعاصرين، التي تمثل أحد أركان مملكة البحرين).
وُلد خالد البسام في 18 نوفمبر 1956، درس اللغة الإنجليزية في جامعة أكسفورد في بريطانيا، والفرنسية في جامعة فيشي بفرنسا، كرس وقته في دراسات تاريخ البحرين والجزيرة العربية مستنداً على الوثائق والبحوث في المكتبة البريطانية ودار الكتب المصرية. 
عمل في مجال الصحافة محرراً وكاتباً لأغلب الصحف الخليجية، وترأس صحيفة “هنا البحرين”، وفاز بالمركز الأول في استفتاء كُتاب الأعمدة المفضلين في الصحافة المحلية في يوليو 1999.
أصدر البسام مجموعة كبيرة من المؤلفات في تاريخ البحرين والخليج منها: تلك الأيام، رجال في جزائر اللؤلؤ، القوافل، خليج الحكايا، مرفأ الذكريات، صدمة الاحتكاك، بريد القلب، بساتين، عزف على السطور، حكايات من البحرين، نسوان زمان، يا زمان الخليج. وأصدر روايتين، الأولى بعنوان “لا يوجد مصور في عنيزة”، والثانية «مدرس ظفار»، وحصل كتاباه “خليج الحكايات” العام 1993 و“صدمة الاحتكاك” العام 1998 على شهادة أكثر الكتب انتشاراً في بريطانيا بحسب تقييم الصحف العربية في لندن. 
قام خالد البسام بإنجاز مشروع تاريخ رواد الصحافة البحرينية المتكون من خمسة كتب بتكليف من وزارة الإعلام البحرينية، وتم تكريمه كمبدع من قبل مجلس التعاون، وكرمته إثنينية عبدالمقصود خوجة.
يصف الدارسون لمسيرته الثقافية بأن في كتاباته، يختلط تأريخ المنطقة بتأريخه العائلي والشخصي، حيث لم يمنع اهتمامه بتاريخ الخليج، من التأريخ لإرثه العائلي، حيث تعد أسرته من الأسر النجدية التي ارتحلت من القصيم وتحديداً عنيزة إلى الزبير والبحرين، وقد وضح ذلك في كتابه “النجدي الطيب” الذي يرصد قصة هجرة جده من نجد إلى البحرين، وقد تميز بتقديم الرواية المستقاة من التاريخ القريب مثل “أيوجد مصور في عنيزة” و“مدرس ظفار”. 
تحدث عنه الشاعر قاسم حداد في مدونته قائلاً: (خالد البسام، على هيامه بالتوثيق والتأريخ، فإنه يفعل ذلك بهدوء كبير، وبعيداً عن الضجيج، ودون أي ادعاء. ربما لأنه يفعل كل ذلك بدافع ذاتي يجعله سعيداً لما يفعل. ففي عمل مثل هذا يشعر خالد أنه يحقق شيئاً يحبه، شيئاً يتصل بالجانب الآخر من المشهد الذي يعتني به التاريخ الرسمي التقليدي، المتزمت. ذلك التاريخ الذي لا يتوقف عند التفاصيل، في حين أن اجتهادات علمية كثيرة تؤكد يوماً بعد يوم أن ثمة تفاصيل في السياق التاريخي ربما كان لها تأثير خاص لا ينبغي الاستهانة به).
إن التفاصيل التي يستحضرها الكاتب ويعيد بها تركيب المشهد التاريخي الحديث، من شأنها أن تدرب سليقة جيل جديد من الشباب لكي يستعيد الثقة بنفسه، ويشعر أن ما يفعله الآن، وإن كان بمعزل “أو معزولاً” عن السياق الرسمي أو الإعلامي، فإنه يشكل لبنة أساسية في بناء المستقبل.
لقد أسهم هذا الكتاب في وضع البحرين في سياقها العربي، مؤكداً أنها لم تكن في يوم من الأيام مجتمعاً مغلقاً أمام العالم، وهي أيضاً لم تكن مقطوعة عن روح النهضة العربية الحديثة بشتى تجلياتها. 
في تقديرنا أن خالد البسام في مثل هذا الكتاب إنما يستحضر العناصر والحوادث والشخصيات التاريخية ويقدمها بحجومها الطبيعية، في واقعها ذاك، دون مبالغات أو تزييف، وهو عندما يحافظ على هذه الميزة سوف ينجو من التطلبات الإعلامية التي يجري نصبها كأشراك أمام مثل هذه الاجتهادات.
ذو صلة