كيف افتتح هذا الكتاب بمقدمته؟، لنر (لم تلق الموسيقى العربية قدراً منصفاً من حسن التصنيف والتأريخ حتى في أوج مجد الحضارة أو في ذروة نهضة الموسيقى العربية. فقد كانت ولا تزال محط عبث أهل التصنيف من مؤرخين ومختصين في الموسيقى ونقدها. فعلى الرغم من مراحل النهضة التي مر بها هذا النظام الموسيقي المقامي منذ مرحلة نشأته عبر تجميع مختلف التقاليد الموسيقية المقامية في نظام موسيقي واحد عام في العصر الأموي ثم ازدهاره في العصر العباسي، فإن ما تلا ذلك وضع هذا التقليد الشريف الفصيح تحت أيدي من جعلوه محل تسلية، واختلاق للقصص تارة أخرى، وتحريم وازدراء تارات كثيرة. والنتيجة صورة مشوهة لحضارة يبدو أنه يصعب علينا في عصرنا هذا حتى التعرف على أوقات أفراحها وأتراحها).
أمام هذا الاستفتاح يمكن أن نقول الآتي: إن التأليف العربي في حقل (التاريخ الثقافي)، فرع السماع وفنون الصوت والنغم والآلة أو الأداء والقول والحركة، اتخذ مسارات ثلاثة في الحضارة العربية لأكثر من ألفي عام، الأول: في حقل التراجم (أو السير الذاتية) والأخبار مثاله: القيان للجاحظ (ت. 868م)، واللهو والملاهي لابن خرداذبة (ت. 912م)، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (ت. 967م)، والثاني: في حقل الفنون الأدائية والقولية والحركية في السفائن والمَعْلمات مثل (دار الطراز في صناعة الموشحات) لابن سناء الملك (ت. 1212م)، العاطل الحالي والمرخص الغالي لصَفِيِّ الدينِ الحِلِّي (ت. 1349م)، والثالث في حقل النظرية والأصول عند الكندي (ت. 873م)، وصفي الدين الأرموي (ت. 1294م) وأولاد موسى بن شاكر.
وقد تسنى للسماع العربي، أو الغناء العربي سيان، مؤلفات مصدرية ومرجعية في القرن العشرين، بدراسة نظرياتها ومخطوطاتها وأعلامها وأقلياتها وقوالبها وآلاتها سواء من باحثين عرب أو أجانب، ومنها، العمدة (الموسيقى العربية حتى القرن الثالث عشر الميلادي) (1929م) لهنري فارمر (الترجمة، حسين نصار 1956م، جرجيس فتح الله المحامي، 1972م)، والموسوعة الرباعية (الموسيقى العربية) (1930 - 1959م) لرودولف ديرلانجي (الترجمة، محمد الأسعد قريعة، 2008 - 2009م)، والموسوعة الخماسية (السماع عند العرب) (1969 - 1976م) لمجدي العقيلي، وكتب القوالب مثل (من كنوزنا: الموشحات الأندلسية) (1955م) لفؤاد رجائي ونديم الدرويش، و(المقام العراقي) (1961م) لهاشم الرجب، و(تراثنا الموسيقي: الموشحات والأدوار) (1963م) لإبراهيم شفيق و(الأغاني التونسية) (1967م) للصادق الرزقي، وموسوعة (من التراث الجزائري: الموشحات والأزجال) (1972م) لجلول يلس والحفناوي أمقران، و(الأغاني الكويتية) (1975م) ليوسف دوخي، وبيبلوغرافيا المطبوع والمخطوط مثل (رائد الموسيقى العربية) (1964م) لعبدالحميد العلوجي، وكتب الأقليات (يهود الجزائر) (1994م) لفوزي سعد الله و(الزار: من التراث الشعبي البحريني) (2005م) لجاسم بن حربان، والسيرة الذاتية والمذكرات إحداها مصدر هذا الكتاب..إلخ.
ينطلق مؤلفا هذا الكتاب، من (المضمر الذهاني)، بين أوهام العاملين في حقل الغناء والعزف، وبين منجز مؤرخيها ونقادها أي: حفظتها ومدوّنيها..
ويحتوي الكتاب على المقدمة، والقسم الأول الحياة الاجتماعية والفنية، والقسم الثاني فنه وأسلوبه وثقافته، والقسم الثالث نماذج تحليلية، والقسم الرابع، أمير الكمان السراني، ومراجع وملاحق.
وقد بني الكتاب في مادته، على (مذكرات أمير الكمان سامي الشوا) (1966م) لفؤاد القصاص التي صدرت في جزء واحد. ومواد صحفية ملتقطة من مجلات مصرية ولبنانية (1934 - 1959م)، فأعيد تخطيطها ومزجها بالأخبار الصحفية، وختم بقوائم أعماله، وإن تساءلنا، ماذا يعني أن نلعن كل ما سبق؟، فإنه ينتهي القارئ إلى تساؤلات بينها: ألم يكن في العرب سواه عازف كمان؟!.
الناشر: دار الساقي، 2015