تبوأت السينما الإيرانية مكانة ضمن المهرجانات العالمية وحازت أفلامها على جوائز في مهرجانات مثل كان والأوسكار، رغم كل المصاعب التي يواجهها صناع الأفلام المقيمون في إيران من اعتقال ومنع من عرض الأفلام، عدا عن الرقابة اللصيقة التي تفرضها السلطات الإيرانية على نوعية الأفلام ومحتواها بشكل عام، وحتى منع المخرجين من السفر لخارج إيران بغرض حضور المهرجانات والمناسبات السينمائية العالمية. نورد هنا على سبيل المثال لا الحصر مسيرة عدد من السينمائيين الإيرانيين:
كيوان كريمي
كيوان كريمي من مواليد 1985 من أصول كردية ولد في مدينة بانه، تخرج في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة طهران. من أفلامه: طبل إنتاج 2016، مغامرة شخصين متزوجين إنتاج 2013، كتابة في المدينة إنتاج 2016، الحدود المكسورة إنتاج 2012.
المخرج الإيراني الشاب كيوان كريمي قام بإخراج فيلم وثائقي عن الرسومات (الغرافيتي) والكتابات السياسية في الوقت الحاضر والتي كُتبت على الجدران إبان ثورة الخامنئي في إيران في سبيعنات القرن الماضي، تعبيراً عن رفضهم للحالة السياسية للبلاد، اُعتقل من قبل الحرس الثوري الإيراني عندما قام المخرج المذكور بنشر الفيديو الدعائي لفيلمه في العام 2013 وحكم عليه في العام 2015 بالسجن ست سنوات بتهمة الدعاية ضد نظام الحكم في إيران وازدراء القيم المقدسة ليخفف الحكم بعد الطعن لعام واحد وجَلده.
كتب الكاتب والناقد السينمائي البلجيكي راؤول فانيخيم عن فيلم (كتابة في المدينة) لكريمي قائلاً: (إلى كيوان كريمي، الجدران مرآة، مرآة المنزل، المدينة والعالم، الجدران انعكاس لكل شكل وصيغة تماماً كشكل الغيوم في صدر السماء، لقد تعلمنا أن ننظر في المرآة لنرى ما لم نستطع أن نبصره قَبلاً، حرية الكتابة على الجدران تكسر جدران السجون، عندما يكشف النقاب عن الواقع تصبح الأحلام واقعاً).
يقول المخرج كريمي في بداية فيلمه الوثائقي: (الجدران مواقع للنقد، تكبر مع المدن وتنادي على الوجوه والأسماء والكتابات، المتمكنة منها والركيكة، الشعارات والقصائد والأناشيد، نقرأ ما كُتب على الجدران ونستشرف ما هي أحلام المواطنين، ونعلم من هم سادَتُهم، مع كل الاحترام لهؤلاء الذين يفكرون بتغيير الأمر الواقع، ما الذي حقاً يفكرون به؟).
ويكمل قائلاً: (ندرك أن الناس المستائين من الأمر الواقع يخرجون من أماكنهم الخفية، ويكتبون في الظلام كتابات تتوجه للمستقبل وتدير ظهرها للماضي).
وفي سؤال صحفي له: ما هي أكبر مخاوفك؟
يجيب كريمي:
التجاهل والحماقة!!
جعفر بناهي
المخرج الإيراني جعفر بناهي ثبّتت محكمة استئناف إيرانية الحكم عليه بالسجن ست سنوات وبمنعه من إخراج الأفلام طوال عشرين عاماً، ومن السفر وإجراء المقابلات الصحفية بتهمة القيام بأنشطة تؤثر سلباً على الأمن القومي والترويج ضد نظام الحكم في إيران، جاء قرار المحكمة بعد إخراجه فيلماً حول الاضطرابات التي حدثت في إيران بعد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في حزيران/ يونيو 2009.
صوَّر بناهي فيلماً وثائقياً ليوم من انتظاره لقرار محاكمته تحت عنوان (هذا ليس فيلماً). يبدأ الفيلم بعبارة بصوت المخرج (لقد مُنع من صناعة اي فيلم لمدة عشرين عاماً، أو من كتابة سيناريو أي فيلم، أو إجراء أية مقابلة صحفية أو تلفزيونية، على كل حال المَنع لم يشمل عليه إخبار قصته).
استطاع بناهي تهريب فيلمه لمهرجان على ذاكرة إلكترونية مخبأة في قطعة حلوة حسب صحيفة الغارديان البريطانية.
حاز الفيلم على أكثر من ثمان جوائز عالمية منها جائزة مهرجان دبي السينمائي في العام 2011.
وحازت أفلامه على جوائز عدة في مهرجان كان السينمائي مثل فيلمه البالون الأبيض عام 1995.
استطاع جعفر بناهي تهريب أفلامه لخارج إيران وعرضها هناك لتحصد جوائز عالمية عديدة وربما كان لقضية سجنه ووضعه تحت الإقامة الجبرية دورٌ بسيط في وصوله إلى العالمية، جعفر بناهي يحاكي الواقع الإيراني اليومي المعاش من وقائع يتعرض لها المواطن هناك مثل فيلمه تاكسي طهران، واستطاع أيضاً كسر قاعدة الأدوات الاحترافية التي يستلزمها صناعة فيلم سينمائي ناجح حيث تمكن من إخراج وإنهاء فيلمه (هذا ليس فيلماً) أثناء إقامته الجبرية وانتظاره لصدور حكم المحكمة في قضيته.
قدم بناهي فيلم (الذهب القرمزي) (2003)، وهو فيلم مستوحى من قصة حقيقية رواها لبناهي المخرج الإيراني الراحل عباس كيارستمي، وقد منح كيارستمي لبناهي حقوق الإخراج مقابل أن يكتب كيارستمي نص السيناريو، الفيلم يتحدث عن حياة رجل فقير يعمل كعامل لتوصيل البيتزا لكنه يضطر لسرقة محل مجوهرات ليفشل في السرقة، لتعود أحداث الفيلم للخلف لعرض الأسباب التي أدت بالرجل لمحاولة السرقة، حاز على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي، في حين طلبت السلطات الإيرانية من المخرج إلغاء عدة مشاهد للحصول على الموافقة وهو ما رفضه المخرج ليمنع الفيلم من العرض داخل إيران.
من أفلامه: الامتحان الأخير (قصير) إنتاج عام 1992، الستارة المغلقة إنتاج عام 2013، تاكسي طهران إنتاج عام 2015.
عباس كيارستمي
المخرج الإيراني عباس كيارستمي أيقونة السينما الإيرانية، كان كيارستمي بالإضافة إلى أنه مخرج للأفلام الروائية الطويلة والوثائقية، كاتباً للسيناريو والشعر ومنتجاً للأفلام ومصوراً ضوئياً، عمل في مجال صناعة الأفلام منذ عام 1970، عمل في أكثر من 40 فيلماً سينمائياً ونجح في لفت الانتباه بعدة أفلام منها (طعم الكرز) و(سوف تحملنا الريح). تتميز أكثر أفلامه بكثافة الحوار واعتمد في حواراته على الأدب الفارسي (الإيراني) الغزير بالفلسفة والتصوف، ولا تخلو أفلامه من نقد لاذع للسلطات المتعاقبة على حكم إيران حيث يحاول في معظم أفلامه إظهار البؤس والفقر المدقع الذي يعاني منه الإيرانيون، مثلاً في فيلمه (أطفال السماء) تتمحور قصة الفيلم في إضاعة بطل الفيلم (علي) لحذاء شقيقته زهرة بعد رحلة عناء لإصلاح الحذاء، لتنتقل أحداث الفيلم ذلك لوصف المصاعب التي تواجه علي في مصارحة والده المغلوب على أمره والذي لا يملك ثمن حذاء جديد لطفلته زهرة، يتناوب علي وشقيقته زهرة على ارتداء ذات الحذاء ليخرج علي مسرعاً من المدرسة لتسليم حذائه لشقيقته لتنطلق هي بحذاء شقيقها نحو المدرسة، تعاني زهرة من التأخر المتكرر على المدرسة بسبب انتظارها لعلي، وهكذا ينتقل كيارستمي من نقطة بسيطة جداً وصغيرة للوهلة الأولى ليبني عليها نقداً مبطناً وخفياً وهو أصعب أنواع النقد السياسي وهو موجه بشكل مباشر للسلطة للبلاد
تتميز أفلام كيارستمي بالتكثيف البصري الممتع للطبيعة الإيرانية، وتراتبية للأحداث وتشويق منقطع النظير الأمر الذي أوصله لنيل جائزته الأولى في مهرجان كان عن فيلم (طعم الكرز) عام 1997.
يتحدث فيلم طعم الكرز عن محنة رجل يتجول في سيارته في ضواحي مدينة طهران وخارجها في المناطق الريفية، الرجل يود الانتحار ولكنه يبحث في نفس الوقت عن شخص ما ليدفنه بطريقة مناسبة بعد انتحاره مقابل مبلغ مادي، يقابل العديد من الشخصيات منهم مجند كردي شاب ورجل تركي الأصل له تجربة سابقة مع الانتحار. المميز في الفيلم أن ما يقارب من 90 بالمئة من مشاهد الفيلم تجري داخل سيارة الرجل الذي يود الانتحار.
حاز عباس كيارستمي على ما يقارب الـ 30 جائزة عن مجمل أفلامه السينمائية. وفي مقالة منشورة تحت عنوان (كيارستمي، الظل الطويل) في صحيفة الإيكونومست لصحفي يدعى بروس بيرو كتب قائلاً: (كيارستمي ضيف الشرف الذي كان هناك في حفلة غداء في السفارة الإيطالية لعرض فيلمه الأخير (بطاقات) تجاهل الأحاديث السياسية، كل اهتمامه كان منصبّاً حول ظل كأس ماء وضع أمامه على طاولة العشاء، لقد كان يحمل الكأس ويحركها يحملها ثم يضعها على الطاولة مجدداً، يا له من ظلٍّ جميل قالها كيارستمي الذي كان يرتدي نظاراته الشمسية، قالها كيارستمي لا على التعيين أي أنه لم يوجِّه حديثه إلى شخص محدد، من ثم أضاف كيارستمي هل سبق لأحدكم أن رأى ظلاً كهذا، في طهران، روما والقدس، الشمس الحارة والهواء الجاف يرسمان شفقاً مُذهلاً في الصيف، الكأس كان بطول بضعة إنشات ولكن ظله كان مرتسماً كأسطوانة على عشب حديقة السفير المشذَّب بطول أسطوانة لعشرة أقدام، بعدها بسنوات قرأت مقولة للرسام الفرنسي ديغاس المقولة ذكرتني بما قاله كيارستمي حول ظل الكأس).
يقول ديغاس: (الفن ليس هو ما تراه، بل ما تجعله مرئياً للآخرين) كيارستمي وجد الإلهام واستنبض أفكاره من الأماكن والأشياء التي لم يعيرها الآخرون أي اهتمام.
من أفلامه: طعم الكرز إنتاج عام 1997، أين منزل الصديق إنتاج عام 1987، سوف تحملنا الريح إنتاج 1999.
أصغر فرهادي
يعتبر أصغر فرهادي من المخرجين الإيرانيين الشباب والبارزين على الساحة العالمية، حصل على جائزة الأوسكار عن فيلمه الانفصال، تدور أحداث الفيلم عن شخصين متزوجين يقعان أمام خيار إما الانفصال أو السفر معاً إلى خارج البلاد ليبدؤوا حياتهم من جديد، يرفض الزوج خيار السفر إلى دولة أخرى للعيش فيها لأن عليه الاهتمام بوالده الذي يعاني من مرض الزهايمر، تقول له زوجته إن والدكَ لم يعد يتذكر أو يعلم أنكَ ابنه فيرد الزوج (لكني ما زلت أتذكر وأعلم أنه أبي) تذهب الزوجة إلى منزل والديها تمهيداً لسفرها، وتترك ابنتها الوحيدة مع والدها وجدها فيضطر الأب لاستئجار مربية تعمل لديهم للاهتمام بالجد العجوز، لكن عراكاً يحدث بين المربية والزوج بسبب ربض المربية للمسن إلى السرير وتركه في المنزل وحيداً يدفعها الزوج فتقع وتأتي المصيبة وتصل الأحداث الذروة عندما تعلم المربية أن جنينها أجهض بسبب تعثرها من دفعة الزوج لها، وينشأ بين العائلتين عداء ورفع دعوة قتل على الزوج، تنتهي المحكمة بمصالحة بين الطرفين ودفع الزوج مبلغاً مالياً للمربية كتعويض وديةً لطفلها المُجهض، لكن الزوج يشترط عليها أن تقسم على القرآن الكريم بأنه هو من قتل طفلها أو أن الطفل مات بسبب دفعته تلك، لكن المربية ترفض ذلك ليكتشف الجميع أنها كانت مؤامرة محاكة منها لنيل بعض المال لتخليص زوجها من ديونه، وأن الطفل مات لأن سيارة صدمتها، عندما خرج والد الزوج من المنزل دون أن يعي أين يذهب، لتخرج المربية في إثره لإعادته، المشهد الأخير من الفيلم مربك ومحير ويفتح باب التساؤلات كما في كل أفلام أصغر فرهادي، حيث يذهب الزوجان اللذان يودان الانفصال إلى القاضي لإتمام معاملة الطلاق، القاضي يسأل ابنتهما مع من تودين أن تبقي مع والدكِ أو والدتكِ؟ تتلعثم الفتاة فيخبر القاضي الوالدين بالخروج من القاعة لترك فرصة تفكير وحرية للفتاة لتقر للقاضي، لكن الفيلم ينتهي بخروج الوالدين من قاعة المحكمة لتبقى التساؤلات مفتوحة.
يلجأ أصغر فرهادي إلى هذه التقنية التي لا تروق للكثيرين للفت الانتباه وإثارة ما يمكن إثارته. أفلام أصغر فرهادي تشابه الأفلام الإيرانية من حيث محدودية أماكن التصوير وقلة تنقل الكاميرا من مكان إلى آخر أو من مدينة إلى أخرى، ففي فيلمه الانفصال المسرح الرئيس للفيلم هو منزل الزوجين.
يقول فرهادي في إحدى مقابلاته: (السينما واحدة من أكثر الظواهر غير المتوقعة في المجتمع الإيراني، بالمقارنة مع الضغوط التي يعيشها الشعب الإيراني فلا شيء يمكن أن يقاوم مثل السينما والفن، لأن الوضع كان سيحتم القضاء عليه بشكل أو بآخر).
لأن أفلام أصغر فرهادي نادراً ما تحتوي على مواضيع سياسية مباشرة، بهذه السياسة في أفلامه تجنب الصراع مع الحكومات الإيرانية، وزارة الثقافة الإيرانية منعته من تصوير الأفلام في إيران لفترة قصيرة في العام 2010 لأنه صرح بمناصرته للمخرج الإيراني جعفر بناهي المعارض للنظام الإيراني، بعد المنع بشهر واحد أعلنت السلطات الإيرانية بأن فرهادي قدم اعتذاره وعاود لإكمال تصوير فيلمه الانفصال.
من أفلامه: الانفصال إنتاج عام 2011 حائز على جائزة الأوسكار، البائع إنتاج عام 2016 حائز على جائزة الأوسكار، حول إيلي إنتاج عام 2009.