مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

الافتتاحية

على امتداد سياق الحضارة الإنسانية في إطارها الاتصالي؛ مرت البشرية بتحولات بنائية تراكمية متعاقبة، تشكلت عبرها معالم الأبنية الحضارية في مختلف مراحلها. إذ كانت البداية - بصورة عامة - بعصر الحضارة الزراعية التي كانت فيها عضلات الحيوان امتداداً لعضلات الإنسان في الانتقال والتواصل والتنقل ونحوها، تلاه عصر الحضارة الصناعية الذي حلت فيه الآلة لتكون امتداداً لعضلات الإنسان، فظهرت الآلات البخارية والقطارات والسيارات ونحوها. ثم حلت بعدها حضارة ما بعد العصر الصناعي الذي أصبحت فيه وسائل الاتصال الجماهيري امتداداً لحواس الإنسان (التلفاز امتداد للعين، والراديو امتداد للأذن، ونحوهما..)
واليوم تعيش البشرية عصر  الحضارة أو موجتها الرابعة التي أصبحت فيها وسائل الاتصال الإلكتروني القائم على منصة الإنترنت بمختلف تطبيقاتها؛ امتداداً لانفعالات الإنسان ووجدانه ومشاعره وعواطفه وأحاسيسه.
يعنينا من هذه التوطئة المقتضبة استحضار السمات الرئيسة في هذه المراحل الحضارية في الإطار الاتصالي التواصلي، ويبرز عبر هذا التتبع السريع ضمور سمة في مرحلة ما في مقابل بروز سمة أخرى في المرحلة التي تليها. ففي مرحلة الحضارة التي سادت فيها وسائل الاتصال الجماهيري مثل الصحف والمجلات والإذاعات والتلفاز ؛ كانت أداة الكتابة والتدوين هي السمة الرئيسة. أما في عصرنا الحالي عصر الاتصال الإلكتروني بدا وكأن الكتابة والتدوين بوصفهما فعلاً اتصالياً أخذا يتقلصان ويذبلان أمام طغيان الحالة الشفاهية الإلكترونية الجديدة التي عاظمتها منصة الإنترنت بتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الشخصي، حيث باتت التغريدة الانفعالية والصورة الومضية ومقاطع الفيديو القصيرة فعلاً شفاهياً إلكترونياً جديداً، وهذا مدار نقاشنا واستفهامنا الذي نطرحه في هذا العدد، متسائلين عن شكل هذا التحول من أداة الكتابة والتدوين إلى العودة إلى أداة الشفاهية الجديدة بأدواتها الجديدة، يشاركنا نخبة متخصصة من مختلف أقطار وطننا العربي الكبير.
***
ونحن نستقبل عامنا الهجري الجديد؛ تؤكد مجلتكم «المجلة العربية» اعتزازها بكم كتاباً وقراءً ومتابعين ومحبين، مستهلين هذا العام المبارك بحول الله بجملة من المشاريع والبرامج الثقافية في سياق أدائنا الثقافي عبر خطة تحريرية متجددة، فيما يختص بمضامين المجلة وأبوابها وموضوعاتها وقضاياها. كما نطالعكم بإذن الله بمشروعات تأليفية وكتابية تشمل الموسوعات والترجمات.
سائلين الله الكريم أن يمنحنا التوفيق، وأن يمن على أوطاننا وشعوبنا العربية بالخير والاستقرار والأمان والنماء.
وكل عام وأنتم بخير..

ذو صلة