مدينة غدامس هي عبارة عن واحة نخيل تقع في جنوب غرب ليبيا ويحدها من جهة الشمال البلاد التونسية وغرباً الجزائر، ولقد اشتهرت منذ القدم باسم لؤلؤة الصحراء وهي تعد واحدة من أعرق المدن التاريخية الأفريقية، وهي أيضاً تعد أبرز معلم تاريخي يجسد روعة الهندسة المعمارية الصحراوية.
ولقد لعبت مدينة غدامس قديماً دوراً تجارياً مهماً نظراً لموقعها الإستراتيجي حيث كانت تمثل محطة رئيسة على طريق القوافل التجارية المارة جنوب الصحراء الكبرى والتي كانت تنزل فيها للراحة والتزود بالماء والمؤونة ولقد عرفت هذه المدينة ازدهاراً اقتصادياً وتوسعاً عمرانياً كبيراً، كما تضاعف عدد سكانها.
لقد كانت غدامس قديماً من أشهر المدن الواقعة على خط التجارة الرابط بين شمال الصحراء الكبرى وجنوبها، وكان لها علاقات تجارية مزدهرة مع عدة مدن وبخاصة مع مدينة تمبكتو في مالي، ولقد دخل الإسلام إلى مدينة غدامس في سنة 44 هجرية، وكان ذلك على يد القائد الفاتح عقبة بن عامر الفهري وهي مازالت إلى اليوم تحتفظ بعدد كبير من قبور الصحابة الفاتحين لها.
واليوم تنقسم مدينة غدامس إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي المدينة العتيقة حيث السور والجامع وغابة النخيل، والمدينة الحديثة حيث تنتصب المباني المستحدثة، وأما في وسطها فتوجد (عين الفرس) وهي العين التاريخية التي كانت سبباً في نشأت هذه المدينة وتطورها.
و لعل من أهم الشواهد الأثرية التي توجد اليوم بهذه المدينة نجد (تمسمودين) وهي عبارة بقايا معابد رومانية قديمة وتوجد بقربها بعض القصور والمعابد والحصون المهجورة ومنها خاصة قصر (الغول) في الجهة الشمالية وقصر (بن عمير) وقصر (مقدول) إضافة إلى القلعة العثمانية التي خصص جزء منها في السنوات الأخيرة لإقامة متحف غدامس، وكما تمثل (عين الفرس) ذات الشهرة التاريخية القديمة وبحيرة (مجزم) ومنطقة (الرملة) أحد أهم المعالم السياحية في هذه المدينة.
وتعد «عين الفرس» بمدينة غدامس من أهم معالمها التاريخية على الإطلاق وهي تمثل النواة الأولى في نشأة هذه المدينة، وكانت تمثل الينبوع الوحيد الذي جعل هذه المدينة تنشأ وتستمر في الحياة. ولقد أولى سكان هذه المدينة اهتماماً كبيراً بها حيث أقاموا لها نظاماً دقيقاً من أجل التحكم في مياهها وتوزيعها، حيث تمكن الأهالي من استغلال ماء تلك العين وذلك من خلال مد شبكة محكمة من السواقي والقنوات، ولقد توزع استعمال مياهها بين الاستخدام اليومي في المنازل وري غابات النخيل وبساتين العنب.
ويوجد «قصر مقدول» في الجهة الغربية من سور المدينة وهو أثر روماني قديم وشكله دائري وله عدة أبواب منها باب خفي، كما توجد العديد من الحصون القديمة في مدينة غدامس وذلك لتأمينها من الهجمات الخارجية وتنتشر فيها كذلك الدوامس والكهوف القديمة المنحوتة تحت الأرض.
ولقد قام العديد من الجغرافيين والرحالة العرب بزيارة هذه المدينة وتحدثوا عنها في مؤلفاتهم وكتبهم، وكانت تشتهر قديماً بالجلد الغدامسي.
وأما البيوت في مدينة غدامس فكان لها بنية نموذجية مميزة فقد تم تشييدها بشكل عمودي ويتم استخدام الطابق الأرضي لتخزين المواد الأساسية، وأما الطابق الأول فهو لسكن العائلة وخصص السطح المفتوح للنساء؛ إذ تسمح الممرات التي تربط أسطح البيوت ببعضها البعض بتنقل النساء بكل حرية، كما تتوافر المدينة على شبكة من الممرات تحت الأرض تسمح بتنقل الأهالي.
ولقد بلغت مدينة غدامس ذروة ازدهارها وتوسعها في القرن الثامن عشر ميلادي وكما كانت تمثل نقطة عبور مهمة للقوافل التي كانت تجوب الصحراء وكانت مركزاً نشطاً للتجارة بين حواضر القارة الأفريقية، وقد احتلها الإيطاليون سنة 1924 وأخضعوها لسلطتهم حتى اندحارهم منها في سنة 1940 ودخول القوات الفرنسية إليها، وظل الفرنسيون في مدينة غدامس إلى حدود سنة 1955.
إن مدينة غدامس القديمة تعد من الأمثلة المعمارية الصحراوية القليلة التي توجد في ليبيا والتي تعتبر نموذجاً للمدينة الإسلامية التقليدية والتي قاومت تقلبات الزمن واستطاعت أن تحافظ على طابعها المعماري الأصيل المستمد من التراث العربي والإسلامي، وهي مدينة محاطة بأكملها بسور كبير تتخلله العديد من البوابات، وهي اليوم مدينة صغيرة تقع بالقرب من بستان نخيل كبير، وأبرز ما يميزها هي مجموعة المباني الأثرية القديمة التي ظلت شاهدة على التاريخ العريق لهذه المدينة.
ولقد اعتبرت منظمة اليونسكو مدينة غدامس الأثرية بأنها ثالث أقدم مدينة أثرية في العالم، كما قامت في سنة 1986 بتصنيفها مدينة تاريخية ومحمية من قبلها.