مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

كتب وقراءات



الكــتاب: سيمفونية الموتى
المؤلف: عباس معروفي
المترجم: أحمد موسى
الناشــر: منشورات المتوسط، روما، 2018.

يعد النقاد هذه الرواية واحدة من أفضل عشر روايات في تاريخ الرواية الإيرانية، بل صنفت على أنها النسخة الإيرانية لرواية (الصخب والعنف) لفوكنر. فسيمفونية الموتى هي التوثيق العميق لمعاناة المثقف الإيراني في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد، تمتد من قبل الحرب العالمية الثانية إلى الأعوام التي تلتها.  في الوقت الذي كان (آيدين) (شاعر شاب يصطدم بهيمنة الأب التقليدي الذي يحاول أن يفرض عليه نمط حياة متقاطع تماماً مع تطلعات الشاعر) يخطط فيه لاستثمار المال، الذي ادخره على مدار العامين الأخيرين، في السفر لطهران لاستكمال تحصيله الدراسي، يصدم بما قرأه في الصحيفة: خبر موت شقيقته (آيدا) متأثرة بالجروح البليغة التي أصابتها إثر انتحارها حرقاً. بعد عام من الحادثة يموت الأب إثر نوبة قلبية، لكنه يوصي أن توزع جميع ثروته مناصفة بين آيدين وشقيقه أورهان، وهو ما سيجعل الصراع بين الشقيقين يبلغ ذروته، فمن أجل أن يستولي أورهان على الثروة يدس السم في طعام آيدين ويصيبه جراء ذلك بالجنون. ولكن هل حقاً أن لآيدين بنت اسمها إلميرا تبلغ من العمر خمس عشرة سنة؟ وهل بذلك يكون نسل أورخاني قد امتدّ إلى فتاة بعيدة وغريبة وشقراء تدعى إلميرا، في حين أن أورهان نفسه عقيم، لا يريد ولا يقبل بأن ينتقل ميراث الأب إلى فتاة لا يُعرف من أين جاءت؟ الرواية جاءت في 384 صفحة من القطع الوسط.



الكــتاب: الأعمال الكاملة
المؤلف: عمر أبو ريشة
الناشــر: الهيئة السورية العامة للكتاب، دمشق، 2018.
إن رسالة الشعر التي أطلقها عمر أبو ريشة كانت بعضاً من الحياة وهمومها وأحلامها، وجماليات تتناغم وتردد أصداءها العيون والكلمات، وقد سجلت طاقاته الإبداعية حضورها في عقود ستة تتابعت، واتخذت المنبر وأوراق الكتب والصحف ووسائل الاتصال طريقاً، وستكون فاعلة في مستقبل تقرأ فيه الأجيال أشعارها، وهذا هو الجناح الآخر الذي به يخفق الخلود، فلا تطوى الصفحات مع دوران الأزمنة. هكذا يبدو الشاعر وقد أقام بنيانه الذي لمعت فيه بارقة الموهبة، وتعالت بالمعرفة والتجربة والحب للوطن والإنسان.
تقدم وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب إلى القراء الأعمال الكاملة للشاعر محققة بصورة علمية منهجية، وقد اشتملت على ما تضمنته دواوينه وما نُشر في الصحف والمجلات، وما حفظته كتب درست بعض نتاجه أو سجلت وقائع تتصل به، وقد جمعت أعماله الدرامية كاملة لأول مرة في مجلد واحد، وهكذا نحقق متعة القراءة، ونتيح المجال للباحثين أن يتتبعوا القضايا التاريخية والنقدية وهم أمام أوسع مدى للإنتاج الشعري الذي كان موزعاً وغائبة أطراف منه.



الكــتاب: نقد العقل الزنجي
المؤلف: أشيل مبيمبي
المترجم: طواهري ميلود
الناشــر: دار الروافد الثقافية- ناشرون، 2018.

لقد كان الزنجي الوحيد من بين كافة البشر الذي صير لحمه سلعة. زد إلى ذلك أن الزنجية والعرق لم يكونا إلا شيئاً واحداً في مخيال المجتمعات الأوروبية، حيث شكلا معاً منذ القرن الثامن عشر قبواً غير معترف به، وغالباً منكر، انتشر انطلاقاً منه المشروع المعرفي الحديث -لكن أيضاً مشروع الحكم- ذلك ما يجعلنا نتساءل عن ما إذا كان تراجع أوروبا إلى مصاف مقاطعة بسيطة من هذا العالم وزوال العنصرية سيؤشر على تحلل إحدى دولها الكبرى ألا وهو الزنجي؟ أو بالعكس بعد ذوبان هذه الصورة التاريخية ألن نتحول جميعنا إلى زنوج العنصرية الجديدة التي تصنعها على مستوى الكوكب السياسات الليبرالية الجديدة والأمنية وحروب الاحتلال الجديدة والسلب وممارسات خلق المناطق؟
في هذه الباكورة التأليفية العلمية والمعادية للأيقونات يبدأ أشيل مبيمبي تفكيراً نقدياً لا مناص منه للإجابة عن السؤال الرئيس حول عالمنا الحاضر: كيف يمكن النظر إلى الاختلاف والحياة، إلى الشبيه وغير المتشابه؟
أشيل مبيمبي أستاذ التاريخ والعلوم السياسية وفيلسوف بجامعة فيفاترسراند في جوهانسبرج (أفريقيا الجنوبية). ومنظر للفكر ما بعد الكولونيالي. وجمالاً نقول إن اهتماماته الرئيسة تتمثل في تاريخ أفريقيا والسياسة الأفريقية والعلوم الاجتماعية.
نقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية طواهري ميلود أستاذ علم الاجتماع بجامعة تلمسان الجزائر.



الكــتاب: عتبات العنف
المؤلف: محمد بن سعد الدكان
الناشــر: المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2017.

يتناول هذا الكتاب البُنية اللسانية لخطاب العنف، ممثَّلاً بخطاب تنظيم داعش الإرهابي المتطرِّف، هذا الخطاب الذي وسمَ نفسه بخطاب التوحش، من خلال الكشف عن أول مداخله، وهي (العتبات)، وقراءة تشكلات العنف والإرهاب من خلال هذا الباب المهم من أبواب خطاب العنف، في معالجة لغوية، ومصاحبة بحثية معاصرة له، قبل أن تخمد النار، ويخبو الوهج، وتنتهي حفلة الألعاب الدموية المدمِّرة لهذا الخطاب، وتأخذ الأشياء مكانها الطبيعي.
لقد ترك هذا التنظيم بعنفه وتطرفه وإرهابه على بحيرات الفكر السياسي والإستراتيجي والأمني والدبلوماسي والأيديولوجي أكثر من دائرة، وأثار على سطح المعالَجات بأشكالها أكثر من بقعة وعلامة استفهام، بيد أن هذا البحث في مباحثه الثلاثة يهدف إلى الكشف عن حالة خاملة ومهمَلة، ولكنها مؤثِّرة ومركزية في النظر إلى هذا التنظيم، وذلك من خلال مقاربة نشأة الإرهاب عبر لغة الإعلان عن قيامه، ونشوء فروعه في العالم، وتياراته وأحزابه وتنظيماته، على لسان المنتمين إلى هذا التنظيم في بياناتهم وإعلاناتهم وخطبهم، وإذا كان تحليل ثمرة الجوز يعني كسرها بتعبير هيغل، فإن ثمرة الجوز هنا، التي تنهض المقاربة نحو كسرها وتفكيكها والنظر فيها، هي تلك الإعلانات والبيانات التي يعلِن من خلالها هذا التنظيم انطلاق دولته، أو قيام فرع من فروعه هنا أو هناك، في أي بقعة بريئة من بقاع هذا العالم.



الديوان: أوراق على رصيف الذاكرة
الشاعر: عبدالرزاق عبدالواحد
الناشــر: وزارة الثقافة والإعلام العراقية، بغداد، 1970.

يتكون هذا الديوان، من سبع وأربعين قصيدة، ويعد الديوان الثالث للشاعر، وهي على التوالي: شيء لم أفقده، مصرع إنسان، فقر في نيسان، وتر وليد، خطاب إلى بيرمكرون، حكاية عن البدء والمنتهى، ما يحضر في الغياب، الخوف والرجال، الحذر، القمقم، نداء في مقبرة، اعتذار، يا خال عوف، براءة، وقتلت في أعماقي شيئاً، الرئة الملتهبة، رسالة إلى صديق، اعتداد، بغداد، منابت الضوء، في أعقاب العاصفة، حين يألو الملح كل شيء، لحظة انكسار، من ظلمة العراق، حنين إلى الأحجار المنسية، النار والطيبة الصامدة، أمومة، موعد للقاء، وقفة حب للجواهري، باريس وجنين الثورة، ناعور الدم، ما يعقد اللسان، حلم طفل، مقدمة قصيدة، تطلع في المرآة، أغنية حزينة، النعاس الأبدي، بعد الصحو، الخطيئة الأولى، ولكن، النسغ، يوماً ما، على حافة الصحو، تاسيه، لن ترجعي ما كان، مراجعة لخطأ قديم، رسالة حب من موسكو، رسالة حب من ناجيكستان، المغضبة.
يقول هذا الشاعر، بأن (الشعر موقف من الحياة ومن العالم، وبالتالي يتخذ هذا الموقف وسيلة تعبير هي الكلمة والحرف، ويتحدد أسلوبه وتكنيكه ومفهومه وموقفه عموماً).
وعن مرجعياته الشعرية يقول: (عايشت المتنبي وأنا طالب في الإعدادية، وحفظت ما يقارب أكثر من نصف ديوانه، بعد ذلك الجواهري في نفس خط المتنبي، ورومانسية السياب في وقته لعبت دوراً كبيراً علينا نحن الشباب الذين عايشناه، وهناك مزيج من تأثيرات أخرى كإلياس أبي شبكة، لكن أكثر من أثر علينا نحن الشعراء الشباب هي المعايشة الشخصية بيننا، في فترتنا، وشعراء الجيل الذي سبقنا قليلاً. الواقع أننا كنا في ذلك الوقت مرحلتين متقاربتين جداً: مجموعة كان يشكلها السياب وبلند الحيدري وأكرم الوتري ورشيد يس وحسين مردان، ومجموعة أخرى يشكلها البياتي وعبدالملك نوري وفؤاد التكرلي.. وآخرون، ونتيجة هذه المعايشة، وهذا الاحتكاك والالتقاء اليومي معهم؛ تكون جيل يمثلنا أنا وسعدي يوسف وزهير أحمد وكاظم التميمي وموسى النقدي).
ومن قصائده:
 نحن لا نزرع حقداً
نحن لا نسقي دماء
نحن لا نحرث بالنار صدور الأبرياء
نحن قوم بسطاء
عندما يقسم كل ببنيه
إننا لا نستفز الشر
أنا نتقيه
نحن قوم بسطاء..
ولد في بغداد، ونشر أولى قصائده عام 1946 تخرج في دار المعلمين العالية قسم اللغة العربية (1952)، وعمل في التدريس بين (1953 - 1970)، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة والإعلام، وعمل في مؤسساتها سكرتيراً ثم رئيس تحير مجلة الأقلام، فمديراً في المركز الفولكلوري، ثم مديراً لمعهد الدراسات الموسيقية، فعميداً لمعهد الوثائقيين العرب، وعين مديراً عاماً للمكتبة الوطنية، ثم مديراً عاماً لثقافة الأطفال، فمستشاراً ثقافياً لوزارة الثقافة والإعلام.
الأعمال الشعرية: لعنة الشيطان (1950)، طيبة (1956)، النشيد العظيم (1959)، أوراق على رصيف الذاكرة (1969)، خيمة على مشارف الأربعين (1971)، الخيمة الثانية (1975)، سلاماً يا مياه الأرض (1984)، هو الذي رأى (1986)، يا سيد المشرقين يا وطني (1988)، الأعمال الشعرية (1991). ثم استأنف دواوينه الشعرية: يا صبر أيوب (1993)، قصائد في الحب والموت (1993)، أنسكلوبيديا الحب (2003)، قمر في شواطي العمارة (2005)، في مواسم التعب (2006)، 120 قصيدة حب (2007)، ديوان القصائد (2008)، يا نائي الدار (2009)، المربديات (2013)، ما لم تروه شهرزاد: من قصص السندباد (2014)، الديوان العربي (2015).
الأعمال المسرحية: الحر الرياحي (1982)، ملحمة الصوت (2008)، زبيبة والملك (2009).



قالت الجغرافيا
ذكر صفات أهل الأقاليم المنحرفة والمعتدلة

ظهر علم الجغرافيا، منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري الثامن الميلادي، واستكمل عبر باب اصطلح بعلم المسالك، أو علم الخرط، ووصف الممالك، حتى القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي، واغتنى بعلوم وآداب متعددة، مثل: اللغة والرحلة، وبلغ ذروته في المعاجم والموسوعات، وركز على ما يدعى بأطلس العالم العربي- الإسلامي. هنا نقتطف من المتون ما يشهد على ما كان وما زال.
وقيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لكعب الأحبار: صف لي ما تعلم من أخلاق أهل البلاد المحمودة والمذمومة غالباً. فقال: يا أمير المؤمنين أربعة لا تعرف في أربعة: السخاء في الروم والوفاء في الترك، والشجاعة في القبط، والغم في السودان.
وطلب النجدة الشام، فقالت الفتنة: وأنا معك. وطلب الإيمان اليمن فقال الحياء: وأنا معك. وطلب الغنى والخصب مصر فقال الذل: وأنا معكما.
قال يا أمير المؤمنين وقسمت القساوة عشرة أجزاء تسعة منها في الترك وواحد في الناس، وقسم الحذق عشرة أجزاء تسعة منها في العرب وواحد في الناس، وقسم البخل عشرة أجزاء تسعة في الهنود، وواحد في الناس، وقسم الحقد عشرة أجزاء تسعة في العرب وواحد في الناس، وقسم الكبر عشرة أجزاء تسعة في الروم وواحد في الناس، وقسم الطرب عشرة أجزاء تسعة أجزاء في الهنود وواحد في الناس. وقيل حكي عن الحجاج أنه قال: أهل اليمن أهل سمع وطاعة ولزوم جماعة، عرب استنبطوا، وأهل البحرين نبط استعربوا، وأهل اليمامة أهل جفاء وخلاف آراء، وأهل فارس أهل بأس شديد وعز عتيد، وأهل العراق أبحث عن صغيرة وأضيع لكبيرة، وأهل الجزيرة أشجع الناس، وأهل الشام أطوعهم لمخلوق، وأهل مصر عبيد لمن غلب وأكيس الناس صغاراً وأجهلهم كباراً، وأهل الحجاز أحبهم للمعارف وأسرعهم إلى فتنة، والله أعلم.
وسئل الجاحظ عن البقاع التي رآها وطباع أهلها وأخلاقهم فقال:
الهند بحرها در، وجبالها ياقوت، وشجرها عود، وورقها عطر، ولأهل الهند الفكر والوهم والحدس والظن والبخل والحيلة والشعبذة.
وكرمان ماؤها وشل، وثمرها دفل، وعدوها بطل، وأهلها غفّل عمَّل.
وخراسان ماؤها جامد، وعدوها جاهد، وأهلها ما بين عالم وقائد ذي كبر ومعاند.
وعمان حرها شديد، وصيدها عتيد، وأهلها ما بين قائم وحصيد، لا ينفكون عن قتيل أو شريد.
والبحرين كناسة بين المصريين، وأهلها زجاجة بين حجرين.
والبصرة ماؤها سبخ، وحرسها صلح، مأوى كل تاجر وطريق كل عابر، وأهلها أهل شقاق ونفاق ومكر وسوء أخلاق.
والكوفة ارتفعت عن حر البحرين، وسفلت عن برد الشام، وأهلها أهل وفاء وخفاء مع جفاء.
والشام عروس بين نساء جلوس، وأهلها ذوو عيشة راضية، وقلوب صافية مع طباع جافية، ولا يخفى منهم خافية
ومصر عواؤها راكد، وحرها متزايد، تطول بها الأعمار، وتسود بها الأبشار، وأهلها جهلة هزلة، أذكياء ولا عقل، وفطن أغبياء.
ولكل أمة فضائل ورذائل ومحاسن ومساوئ وكمال ونقص، إذ الخيرات والشرور والفضائل والنقائص مضافة على جميع الخلائق، ولا تخلو كل فرقة وطائفة ممن وصفوا بالحلم والعقل وأوصاف الكمال من جاهل خال من الأدب داخل في الرعاع والهمج، ولا الموصوفون بالشجاعة من جبان جاهل طياش بخيل غني، فالحكم للأغلب في كل أمة وكل طائفة والله أعلم.



كتاب (نخبة الطهر في عجائب البر والبحر) لشمس الدين الدمشقي أو شيخ الربوة (654 - 727هـ الموافق 1256 - 1327م).

الديوان: قلق السعي إلى المكانة.. الشعور بالرضا أو المهانة
المؤلف: آلان دو بوتون
المترجم: محمد عبد النبي
الناشــر: دار التنوير، بيروت - القاهرة - تونس، 2018.

محتويات الكتاب، من فصلين، الأول الأسباب، وهي: افتقاد الحب، الغطرسة، التطلع، الكفاءة، الاعتماد. والثاني الحلول، وهي: الفلسفة، الفن، السياسة، الدين، البوهيمية.
يحدد الكتاب الفكرة الأساسية من موضوعه، وهي (يمكن القول إن حياة كل شخص بالغ تحكمها وتحددها قصتا حب كبيرتان. الأولى: قصة سعينا وراء الحب الجنسي، وهي قصة معروفة وواضحة المعالم وتشكل أهواؤها المتقلبة قوام الموسيقى والأدب، وهي مقبولة ومحتفى بها اجتماعياً. أما الثانية: فهي قصة سعينا وراء حب الناس لنا، وهي حكاية مخجلة وأشد سرية).
ويجادل، بكثير من الثقة المفرطة، حيال نوعيات معينة من البشر، ذوي طموحات مرتبطة بمواهب، غالباً لا على مستوى الفرد العادي، فيرى أن (الدافع المهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء على درجات السلم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطاً بما نراكمه من سلع مادية أو ما نحوزه من سلطة، بقدر ما يرتبط بمقدار الحب الذي نتطلع لأن نتلقاه نتيجة للمكانة العالية. فمن الممكن تثمين كل من المال، والشهرة، والنفوذ بوصفها شارات رمزية للحب، ووسائل للحصول عليه، وليس كأهداف في حد ذاتها).
يضع من ضمن الأسباب الأساسية لمسألة اكتساب المكانة، وربما فقدانها، الاعتماد، ويقارن ما بين أزمنة مختلفة، فيذكر، في المجتمعات التقليدية القديمة، (ظل اكتساب المكانة العالية صعباً إلى حد بعيد، غير أن فقدانها لم يكن أقل صعوبة، وهو ما كان مريحاً لمن يملكونها)، بينما (تطلعت المجتمعات الحديثة إلى هدف عظيم هو أن تقلب هذه المعادلة على وجهها الآخر، وأن تتخلص من جميع الاعتبارات الموروثة، سواء تلك التي تمنح الامتيازات لبعض الناس أو التي تحرم منها البعض الآخر، بغرض أن تقوم نزلة المرء على منجزه الفردي وحسب- والذي أصبح معناه المنجز المالي أساساً).
ويلخص تلك الاعتمادات على النحو التالي: الاعتماد على الموهبة المتقلبة، الاعتماد على الحظ، الاعتماد على صاحب العمل، الاعتماد على ربحية صاحب العمل، الاعتماد على الاقتصاد العالمي.
وينتقل إلى القسم الثاني من الكتاب، ليتجاوز الأسباب المذكورة، افتقاد الحب، الغطرسة، التطلع، الكفاءة، الاعتماد. نحو الحلول، ومن أولها الفلسفة التي من ضمن مواضيعها (القلق) فهي رصدت أنه (يوحي طويلاً بعض الناجحين المؤرقين، قد يكون الشخص القلق هو الأقدر على البقاء في هذا العالم).
وذلك بأن مشاعر القلق تسعى إلى الأمان الذي بدوره دافع إلى تطوير مهارات البقاء وإيجاد الحلول. كما أن الدراسات الفلسفية تتجه إلى تثمين (اتباع العلامات الداخلية لوعينا وضمائرنا، وليس الإشارات الخارجية للاستحسان أو الاستهجان).
كثير من النصائح خادعة، وكثير من الشهرة لا يوثق بها.
ومن ثاني الحلول، الفن، الذي يعد دواءً فعالاً لأعمق المخاوف والمصاعب التي يجابهها الإنسان على هذه الأرض.
يحاول دوبوتون مناقشة عبارة (أن كل عمل فني عظيم يتسم صراحة بالرغبة في إزاحة الخطأ الإنساني، وتجاوز اضطراب البشر ومحو معاناتهم) أي أن الحياة ظاهرة تحتاج إلى النقد، وذلك لأن البشر، كمخلوقات قاصرة طريدة الفردوس، عرضة لمخاطر دائمة، مثل خطر عبادة آلهة باطلة، أو العجز عن فهم المرء لنفسه، وإساءة تأويل سلوك الأشخاص الآخرين، وسيطرة القلق والرغبات عليهم بصورة هدامة، وسقوط النفس ضحية للتفاهة والضلال.
ويلتقط دوبوتون مسألة ملفتة في تفسير الفشل والنجاح عبر حل البوهيمية، بأنه يمكن أن يكون النجاح باطلاً!. إذ سيكون من الصعب نجاح الأفضل أو الأكثر حكمة في أي مجتمع، وربما يكون من نصيب من لا يستحق.



الروايـة: بنات إبراهيم: الفكر النسوي في اليهودية والمسيحية والإسلام
المحرران: إيفون يزبك- جون اسبوزيتو
المترجمان: عمرو بسيوني- هشام سمير
الناشــر: ابن النديم- دار الروافد، الجزائر- بيروت، 2018.

محتويات هذا الكتاب، من ثلاثة فصول، بعد مقدمة: النساء، والدين والتمكين، الأول: الاستقرار عند بئر لحي رئي، ويتكون من أقسام تالية: أبنية وقيود، السلطة وخبث التأويل، الكتاب المقدس والتقليد. وأما الثاني، سماع صوت حنة التحدي النسوي اليهودي وتجديد الطقوس، وقسمه: طقس الشفاء من الاعتداء الجنسي، والثالث: تأثير النسوية على المسيحية، ومن أقسامه: الرسامة، والتفكيك اللاهوتي وإعادة البناء، التفكيك النصي وإعادة البناء، قراءة نسوية للكتاب المقدس: وشتي، قراءة نسوية إيكولوجية (بيئية): الأتان، وينتهي بملخص واستنتاجات.
تقدم الباحثة أمي جيل ليفين، ملاحظاتها، بأن النصوص المقدسة والتقاليد، التي تخص المعبد اليهودي والكنيسة المسيحية، تصاحبه، مع الأسف سوء معرفة بالمصادر الإسلامية، وأن النصوص المعتمدة للكنيسة والمعبد، تتوالى زيادات في النص غير ملحوظة أو محذوفات، نقص المخطوطات، واختلاف التفسيرات عبر القرون.
وأنه انفصلت التحليلات النسوية عن التحليلات الماركسية إلى حد ما عندما حاولت الأخيرة أن تصنف النساء كطبقة. والتفرقة بين الأنثى والذكر باعتبارها عارضاً تاريخياً وثقافياً، واعتماداً على المجتمع والظروف، فإن التكوين السائد قد لا يكون الرجل/ المرأة، لكن بالأحرى، اليهودي/ الوثني، الغربي/ الشرقي، المخلص/ الهالك، من يملك/ من يفقد.
وأما ليلى جال بيرنير فتطلق أمنية، بعيد الأمل، بأن يأتي وقت -سريعاً- في زمننا، يكون فيه كل موسم وكل غاية تحت السماء في حياة المرأة والرجل اليهود، موجوداً داخل التقليد اليهودي المتطور. أن يأتي -سريعاً- في زمننا، وقت لا تعود فيه مواسم حياة المرأة اليهودية صامتة، ولا تكون أكثر اللحظات عمقاً في تجارب حياتنا غائبة عن الخيرة الشعائرية للشعب اليهودي.
وأما أليس ل. لافي، فتتناول وضع الرسامة والتعليم اللاهوتي، وترى أنه بقدر اختلاف النسويات المسيحيات، فإن الأغلبية ملتزمون بالعمل على مستقبل يتضمن فكره اللاهوتي مشاركة القيادة من النساء، والأقليات، والمضطهدين في أي مجتمع كانوا، ملتزمون بالعمل على مستقبل مشاركة السلطة فيه ممكنة، والعلاقات الهرمية فيه يمكن أن تستبدل بعلاقات التبادل المبنية على الاحترام العميق للإنسان والترابط الكوني.
وأما هبة أبو غديري التي تتناول في المجتمع الأمريكي المسلم مسألة تطور الفكر الديني لديهم، باعتبارهم مواطنين، سواء من أصول مهاجرة أو أمريكية، فيتوجب أن يصوغوا إسلاماً مقبولاً لأسلوب حياة أمريكي، فالأكثر كونه غير مقبول، فإن الأفكار الثقافية التي تأتي إلى الولايات المتحدة من دول مسلمة مختلفة تنحى جانباً. في سياق مثل هذا، يكون فيه المسلمون أقلية تحت حكم علماني، ليست المرأة المسلمة قادرة على تطوير وتفعيل أفكارها في الإسلام فحسب، بل لديها حرية إعادة تصديرها إلى الدول المسلمة لإحداث تغيير حتى في المجتمعات.
وأما أميرة الأزهري سنبل، فهي تلحظ في دراستها، آخر دراسة، بأن قضية المسؤولية طرحت في سورة النساء، وأدت كثير من التفاسير إلى فهمها بطريقة خاطئة، إذ إن تفسير القرآن الكريم وضع من قبل رجال، ولم تؤهل مفسرات. وهذا ما دعا إلى انعدام تفهم احتياجات المرأة عبر عصور مختلفة، ضمن تاريخ الإسلام. وأن ذلك أضر في تفهم الطرفين لإمكانياتهما واحتياجاتهما التي تتغير عبر مجالات اجتماعية واقتصادية وسياسية.
وأن هذا ما يجعل الكثير من الناقدين والمحللين عرضة إلى الاحتقان تجاه التفسير الذي لا يمكن أن يكون كاملاً ولا شاملاً لكل المسلمين في كل مكان، أو حتى في الفترة الزمنية نفسها.



أنثروبولوجية خارج المكان
ثريا التركي


بعض الخطوط على الرمال تمحى..
وبعض الرسوم لا تمحى..
وثريا التركي سليلة أسماء نساء عظيمات من نجد، من مدينة عنيزة، من إقليم القصيم، شاهدات على أزمنة وأمكنة، شاعرات ومحسنات وفارسات وسيدات أعمال ومناضلات ومبدعات في الأدب والفن. فمن نورة الهطلاني إلى موضي البسام ومزنة المطرودي ولولوة العرفج وصولاً إلى عائشة المانع وهدى الرشيد ولبنى العليان وسناء الخراز.
اختارتها الحقول المعرفية حين قالت: (لقد درست الأدب العربي، وكنت أتمنى أن أعمل شيئاً مفيداً لي ولوطني (المملكة العربية السعودية)، شيئاً جديداً ومختلفاً خاصاً بالإنسان وسلوكياته؛ ولكن الصدفة لعبت دوراً كبيراً في حياتي، فقد غيرت اتجاهي تماماً بدون تخطيط مسبق، حيث وجدت نفسي مستمرة في دراستي وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأتابع دراستي).
وحين سفرها فتاة من نجد للدراسة تقول: (بعد نقاش طويل اقتنعت الأسرة في النهاية وسافرت بمفردي إلى العالم الغريب إلى كاليفورنيا).
وحين تخصصت في شؤون الأسرة في الجزيرة العربية، درست تاريخ المرأة السعودية، فأجملت نظرتها بأنها (تساهم في كل المجالات دون تحديد مجال معين تؤدي دورها فيه طالما تملك من الكفاءة ما يمكنها أن تحافظ على التوازن بين اختياراتها، وحالياً يجب أن تعمل في المجال المفتوح أمامها والمتوافر لها... وهي على درجة عالية من الكفاءة... واليوم لم يعد عمل المرأة مجرد مساهمة أو ترفيه أو كسر أوقات الفراغ؛ بل أصبح حاجه ملحة لكي تستمر الحياة، فمرتب الرجل لم يعد يكفي لسد احتياجات الأسرة، حيث تعتمد أسر كثيرة على مرتب الرجل والمرأة معاً... وأنا لدي قناعة بأن المرأة السعودية تحب عملها جداً ويمكنها حتى أن تتفوق على الرجل وتحتاج فقط للفرصة التي تثبت فيها قدراتها).
وتجولت بين مدينتين على مدى ثلاثة عقود حين اختارت مدينة عنيزة بوصفها حاضرة نجدية مقابل جدة بوصفها حاضرة حجازية، تناولت فيهما تلك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على مستوى الأسرة والنساء في تلكما المدينتين.
وقادت مجموعة بحث، متخذة من العمل الأنثروبولوجي، طريقاً لتغطية مجتمعات خارج الجزيرة العربية، فكان مجتمع مرسى مطروح في مصر نموذجها، كما أنها عملت على نساء مصريات في أبحاث أخرى.
ثريا التركي أستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ عام 1977. حصلت على بكالوريوس الأدب العربي من الجامعة الأمريكية في القاهرة، والماجستير في (الأنثروبيولوجي) من الجامعة نفسها، ثم الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في بيركلي عام 1973. وعملت أستاذة زائرة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة (1974 - 1976)، وبجامعة الملك سعود (1982 - 1984).
وقد كانت زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة نورث وسترن (1973 - 1977)، وجامعة هارفارد (1973-1974)، وجامعة بنسلفانيا (ربيع 1984)، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (الربيع والصيف 1992 وصيف 1993) وجامعة جورج تاون (الربيع وصيف 1995).
الأعمال البحثية: خصصتها عن العلوم الاجتماعية في الجامعات الخليجية، ورواية المرأة السعودية (ليلى الجهني، زينب حفني)، والأسرة في الجزيرة العربية، والعنيزيات (نساء مدينة عنيزة في منطقة القصيم)، والمرأة العربية والربيع العربي، ونشرت في دوريات عربية وإنجليزية.
الكتب: المرأة في السعودية: الأيديولوجيا وممارستها النخبوية، الإنجليزية (1986)، عنيزة: التنمية والتغيير في مدينة نجدية عربية، الإنجليزية (1989) العربية (1991)، في وطني أبحث: المرأة العربية في بحوث العلوم الاجتماعية الإنجليزية (1988) العربية (1993)، النساء العربيات في العشرينات (2003)، أهل مطروح: البدو والمستوطنون والذين يقضون العطلات الإنجليزية (1998) العربية (2005)، هكذا تكلمت النساء (2006)، جدة أم الرخا والشدة (2006).



حسين الواد
 1948 - 2018
جسارة النقد وسخرية السرد

أحمد الواصل: الرياض
(إذا كانت مأساتنا أن ليس لنا في التحضر تاريخ، فإن أملنا الوحيد في انعدام هذا التاريخ أيضاً)
أطلق أستاذنا الجليل الواد هذه العبارة في مقالة (قضيتنا أن ليس لنا تاريخ) (1 مارس 1970، مجلة الفكر)، أشبهت بياناً، يعرض بصوته جيلاً تونسياً، أو عربياً، ورأى أن توالي الثقافات على بلد نتيجة حضارات عدة، الأمازيغية والرومانية والعربية، ويطلق تساؤلاً عن الدور الممكن أن يلعب في الزمان والمكان.
بدأ بالسرد، حين أسس مع مجموعة حركة (الطليعة) (1969 - 1971) وكتب قصصاً قصيرة، توالى نشرها في عامين، في مجلة الفكر (1969 - 1970)، وهي على التوالي: (امرأة صغيرة (1969)، لقاء مع الهامش (1970)، لأني ما انتفعت أن أبالي (1970)، الفردوس الملعون (1970)، غرام في العالم الثالث (1970)).
أخذته الدراسة الأكاديمية، والأبحاث النقدية، إلى نظريات الأدب والتاريخ، فأعاد قراءة تحقيب الأدب العربي، ونظرية التلقي أعاد بها قراءة الشعر العربي في القرون الوسيطة.
على أنه ألصقت به في الوسط الأكاديمي التونسي تهمة الحداثة، وأدت إلى حرمانه في الاختبارات الشفوية في مناظرة التبريز عام 1973 إلا أن ذلك لم يثنه من المحاولة لتخطي المصاعب. درس المعري في رسالة الماجستير، والمتنبي في رسالة الدكتوراه.
حمل الأدب العربي في عصوره المشرقة على نظريات جديدة، ولم يقع رهيناً لها. كما تابع دروس النقد مع طلابه، عازلاً بين (النقد المخزي) الذي قاد إلى الجهل والتعصب مقابل (النقد النزيه) الذي يذهب بالتأمل والتفسير.
على توالي الدراسات والمحاضرات والكتب النقدية لم يدخر وسعاً في استعادة حلم السرد، فيقول: (ظل الإبداع هاجساً متمكّناً. بدأت (روائح المدينة) في الانكتاب سنة 2000. لم تكن لي نية نشرها. كتبتها دون أي تقيّد خارج الهاجس الفني. السرد الروائي فنّ أولاً وثانياً وثالثاً. وقرّاؤنا لا يحسنون قراءة الأعمال الروائية يبحثون فيها عن المضمون الفكري وكأن السارد حكيم أو صاحب نظريات وأطروحات).
وهذا حدا به إلى إصدار أولى رواياته ذات الأجزاء الثلاثة، ويهجس بنصوص سردية لم تكتمل حتى وفاته في مدينة الرياض، حسين الواد مواليد المكنين (ولاية المنستير- شرق تونس) حصل على شهادة دكتوراه الدولة في اللغة العربية وآدابها عام 1987 من الجامعة التونسية. شغل منصب عميد لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة القيروان، ومنصب مدير معهد بورقيبة للغات الحية بتونس، ومنصب أمين عام للجنة الوطنية التونسية لدى اليونسكو والألكسو والإيسيسكو. وحاضر في جامعة الملك سعود.
الأعمال النقدية: 1972: البنية القصصية في رسالة الغفران، 1979: في تأريخ الأدب: مفاهيم ومناهج، 1982: في مناهج الدراسات الأدبية، 1987: المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب: تلقي القدامى لشعره، 1991: مدخل إلى شعر المتنبي.1992: تدور على غير أسمائها: نظر في شعر بشار بن بُرد، 1999: اللغة الشعر في ديوان أبي تمام، 2001: جمالية الأنا في شعر الأعشى الكبير، 2004: شيء من الأدب واللغة، 2009: نظر في الشعر القديم، 2011: حرباء النقد وتطبيقاتها على شعر التجديد في العصر العباسي.
الأعمال الروائية: (روائح المدينة) 2010، (سعادته السيد الوزير) دخلت القائمة النهائية القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2012، (روائح المدينة 2: الغربان) 2015.
الجوائز: 2011: الكومار الذهبي للرواية العربية عن رواية روائح المدينة، 2018: جائزة توفيق بكار التقديرية عن مجمل أعماله.

ذو صلة