مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

أرتيمسيا جنتيلشي.. الفنانة التي اقتحمت قلعة الفن الذكوري

عشرون عاماً مضت على إطلاق شركة بيرميرا هيور الفيلم الدرامي/الرومانسي الفرنسي (Artemisia) في 10 سبتمبر للعام 1997م للمخرج أجنيس ميريت، والذي يدور حول قصة حياة الفنانة الإيطالية أرتيمسيا جنتيلشي والتي قامت بتمثيل دورها في الفيلم الممثلة فالنتينا سيرفي، ومعها كل من ميشال سيرو، مانوجليفشكي، زيتجاروتيال، إيمانويلي ديفوس، فريديريك بيبرو، بريجيت كاتيلون.. وآخرون. وعند مشاهدتي للفيلم وقفت على أمور كثيرة يهتم بها الفنان التشكيلي، وأجاد الإشارة إليها صناع الفيلم، من حيث تنفيذ اللوحات بتلك الدقة التي تخالها النقل الحرفي من الطبيعة، ويعود ذلك لبعض التقنيات التي كانت تستخدم في ذلك الوقت للضوء والظل، ومنها إيطار القياسات بالأسلاك والخيمة، وإحضار ممثلين يرتدون نفس الثياب، ويقفون أمام الفنان، المهم هو أنني تعرفت على حياة تلك الفنانة التي اقتحمت عالم الذكور، ونالها ما نالها من إساءة لشرفها وسمعتها وعقابها بتحطيم عظام أصابعها. إنها أرتميسيا نبتة الشيح التي وضعت اسماً كبيراً في عالم الإبداع التشكيلي.
ولدت الفنانة أرتيمسيا جنتيلشي في 8 يوليو عام 1593م، وأرتيمسيا هي ابنة الفنان أورازيو جنتيلشي من زوجته  برادينتيا مونوتون، كانت ابنتهم الوحيدة، وقد اهتم والدها بتعليمها فنون الرسم وهي صغيرة، وقام بتدريبها وتقديمها لكبار الفنانين المعروفين في روما، حتى أصبحت الفنانة الأكثر أهمية لامتيازها في أداء عملها وحرصها على أصالة أعمالها. وأرتيمسيا التي تعتبر أكثر الفنانين إنجازاً بعد كارافاجيو، توفت والدتها وهي في الثانية عشرة من عمرها.
كانت أرتيمسيا جنتيلشي أول امرأة تصبح عضواً في أكاديمية دي آرتي دي ديسينو في فلورنسا، ولها عملاء دوليون، وكانت أول امرأة في تاريخ الفن تكلف بعمل في إنجلترا، حيث رسمت بدعوة من الملك.
تخصصت في رسم صور النساء القويات والمعاناة من الأساطير، والرموز، وضحايا الإنجيل، والانتحار، والمحاربين. كانت معروفة بكونها قادرة على أن تصور الشكل الأنثوي وترسمه بشكل مقنع، في أي مكان بين عراة وملابس كاملة. تشتهر أيضاً بمهاراتها وموهبتها في التعامل مع اللون، سواء بشكل عام داخل التكوين في الخلفيات والعمق أيضاً. توفيت عام 1653م.
معظم الكتابات التي تناولت تجربة أرتيمسيا بدأت بالقول عنها في ديباجة التعريف بها: إنها كانت امرأة ترسم في القرن السابع عشر، وأنها تعرضت للاغتصاب عندما كانت شابة من قبل أجوستينو تاسي، وشاركت في مقاضاة مغتصبها، وأن تلك الحادثة، وتلك القضية قد طغت لفترة طويلة على إنجازاتها كفنانة، وأصبحت لسنوات عديدة حالة للتأمل الفضولي للكيفية التي سمحت لسيدة باختراق عالم الرجال والمنافسة على أعمالهم، ولم تنزوي مثل العديد من النساء الأخريات في عصرها، ممن تم استبعادهن من التدريب المهني في أستوديوهات الفنانين الناجحين، غير أنها تعتبر اليوم واحدة من أكثر الرسامين تقدمية وتعبيرية من جيلها.
وبخلاف التدريب الفني الجيد التي حصلت عليه منذ الطفولة، كان لديها القليل من التعليم، ولم تدرس بشكل منتظم، أي أنها لم تتعلم القراءة والكتابة حتى صارت راشدة، ومع ذلك كانت نابغة جداً في التصور للحالة الفنية والتعبير بها. في الوقت الذي كانت في السابعة عشرة من عمرها، أنتجت واحدة من الأعمال التي اشتهرت بها، من خلال تفسيرها المذهل لسوزانا والشيوخ (1610م).
وعدد لوحاتها التي نجت على الرغم من إهمالها كتجربة رائدة بقي أربع وثلاثون فقط، من مجموعة أكبر بكثير عن إنتاج معاصريها من الذكور، وكثير من لوحاتها لم يُنسب إليها إلا مؤخراً. نالت المديح والثناء على حد سواء من قبل الرأي النقدي المعاصر، المعترف بها على أنها عبقرية، ولكن ينظر إليها على أنها وحشية؛ لأنها كانت امرأة تمارس موهبة خلاقة يعتقد أنها خلقت للذكور حصراً. منذ ذلك الحين، على حد تعبير ماري د.جارارد: (عانت من إهمال علمي يكاد لا يخطر على البال بالنسبة لفنان من عيارها).
وحينما رسم والدها أورازيو لوحات جدارية مع الفنان الفلورنسي أجوستينو تاسي، طلب منه شرح وتعليم المنظور لابنته إثر استخدامه للخيام الدرامية (الضوء والظل) على الرسم الخاص به، ولكن خلال هذه الدروس، قام أجوستينو تاسي باغتصاب الأرتيميسيا البالغة من العمر 18 عاماً، ووعد بالزواج منها قريباً، وواصلت الاستجابة لطلباته الجنسية، عندما اكتشف والدها تلك العلاقة عام 1612م، تم القبض على تاسي بتهمة الاغتصاب، واندفعت الأرتيميسيا ووالدها إلى تقديم قضية اغتصاب شهيرة بدعوى الإصابة والضرر وبصورة ملحوظة، حصلت على دعاية كبيرة ودمرت سمعتها. أدين بسببها أجوستينو تاسي، ولكن أطلق سراحه من قبل القاضي، الذي أمر أيضاً أن يتم تعذيب أرتميسيا كوسيلة لإثبات صدقها، سجلات المحاكمة لا تزال متاحة اليوم.
بقيت نصوص محاكمة الاغتصاب التي استمرت سبعة أشهر. وفقاً لأرتيميسيا، حاول تاسي، بمساعدة أصدقائه من العائلة، أن تكون وحيدة معه مراراً وتكراراً، واغتصبها عندما نجح أخيراً بالانفراد بها في غرفة نومها.
حاول استرضاءها بعد ذلك بالوعد بالزواج منها، واستطاع الوصول إلى غرفة نومها أكثر من مرة بعد وعده لها بالزواج، ولكنه لم يفِ الوعد بالزواج الفعلي. وقد اتبعت المحاكمة بين الاتهام والدفاع نمطاً مألوفاً حتى اليوم: فقد اتُهمت بأنها لم تكن عذراء في وقت الاغتصاب ولأن لديها العديد من العشاق، وتم فحصها من قبل القابلات لتحديد ما إذا كانت (قد فضت) مؤخراً أو لفترة طويلة.
ربما أشد فظاظة بالنسبة لفنانة مثل أرتيميسيا جنتيلشي، قول تاسي إن مهاراتها كانت ضعيفة للغاية لدرجة أنه كان عليه أن يعلمها قواعد المنظور، وكان يفعل ذلك في اليوم الذي زعمت فيه أنه اغتصبها. كما نفى تاسي عن نفسه وجود علاقات جنسية معها، وأحضر العديد من الشهود ليشهدوا أنها كانت (عاهرة لا تشبع). كي تدحض شهاداتهم دعوى أورازيو (الذي جلب دعوى ضد الحنث باليمين)، وأيدت اتهامات أرتميسيا ضد تاسي من قبل صديق سابق له الذي روى رغبة تاسي التي لا تشبع وأحاديثه الجنسية عن أرتيميسيا. وكان تاسي قد سجن في وقت سابق بتهمة زنا المحارم مع شقيقة زوجته، واتهم بترتيب قتل زوجته. وقد أدين في النهاية بتهمة اغتصاب جنتيلشي. عمل لمدة أقل من عام في السجن، ثم تمت دعوته مرة أخرى إلى عائلة جنتيليتشي من قبل أورازيو.
لم ترَ أرتميسيا أغوستينو مرة أخرى، وبعد شهر من انتهاء المحاكمة، أخطرت بيترو ستياتيسي ابن أحد الجيران أنها غادرت روما من أجل شرفها الذي تلوث بالقضية، أنجبت ابنة وعلمتها الرسم.
وتشهد لوحات أرتيميسيا جنتيلشي على عبقريتها وتفردها كرسامة.
تظهر أعمالها في متاحف مرموقة مثل متحف اللوفر في باريس ومتحف المتروبوليتان للفن في نيويورك.
ومن أعمالها الشهيرة داخل المتاحف:
العذراء والطفل 1609
مادونا والطفل 1609
امرأة العزف على العود 1609  
سوزانا والشيوخ 1610
Judith Beheading Holofernes V.I
1612
جوديث وMaidservant -
 1612-1613
Judith Slaying Holofernes V.II) -
 c.1620
رمزية الميل - 1615-1616
بورتريه ذاتي مع العود - 1615-1617
The Penitent Magdalen - 1617-1620
لوكريشيا -  1621

ذو صلة