مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

رحيل محمد العثيم.. الإعلامي الشامل والمسرحي اللامع

شكل الراحل محمد العثيم (1948 - 2018م) خلال الخمسين عاماً الماضية ظاهرة ثقافية وفنية وفكرية متفردة في سماء الإبداع والفن بالمملكة العربية السعودية، فهو الإعلامي والشاعر والروائي والكاتب المسرحي البارز، فمنذ أواخر الستينات الميلادية الماضية أطل مع زميله محمد الرشيد على المشاهدين من خلال شاشة تلفزيون القصيم حيث كان من أوائل المذيعين السعوديين الذي عملوا في التلفزيون السعودي، بل إنه أيضاً كان من مؤسسي تلفزيون أبها حيث أسهم بشكل فعال بوضع اللمسات الأولى لانطلاقته في مطلع الثمانينات الميلادية، وفي الصحافة كان أحد خبراء المطبخ الصحفي في صحيفة الرياض، وحرر لعدة سنوات صفحة حروف وأفكار، وكتب في العديد من الصحف الأخرى مثل الجزيرة وعكاظ والاقتصادية، بالإضافة إلى كونه أستاذاً للصحافة في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود وكذلك توليه تدريس المسرح في شعبة المسرح بالقسم قبل إغلاقها. وعلى صعيد الإبداع فقد حلق العثيم في الشعر والأغنية الشعبية فكانت له البصمة المتفردة عبر ثنائياته الجميلة مع المطرب الراحل حمد الطيار من خلال العديد من الأعمال الغنائية الشهيرة مثل:
(مرحوم يا قلب، وألا يا أهل الطايف، ويا عطاشا، ولمحت البرق) أما في الفضاء المسرحي السعودي فكانت له اليد الطولى في التأصيل والتجريب في النص وله الجهد الواضح والجلي في وضع المسرح السعودي في مكان بارز على خارطة المسرح العربي من خلال نصوصه المسرحية التي مثلت المملكة في العديد من المهرجانات العربية كمهرجان الخليج المسرحي أو مهرجان بغداد للمسرح العربي، ومهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، ومهرجان قرطاج الدولي وغيرها. فكانت مسرحيات: (سوق قبة رشيد، والمطاريش، البطيخ الأزرق، الهيار، الأرشيف، حلم الهمذاني بجائزة السلطان الساجستاني، الغنم، تحت الأرض، غبار بن بجعة ومعاصروه... إلخ).
ويعد محمد العثيم واحداً من الكتاب المسرحيين القلائل في العالم العربي الذين تعاملوا مع الأسطورة بشكل واعٍ، وأبحروا في البحث والتجريب في كافة مستوياتها، العربي والشعبي، ولعل أبرز نموذج لذلك هو مسرحية: (الهيار 1994م) التي مازج فيها بين الرحلة وأدب الصعاليك داعماً إياها بغنائيات من السامري النجدي (باللهجة المحلية)، وهو هنا يقدم تطبيقاً عملياً لنظريته في الطقس المسرحي ومؤصلاً لرأيه في امتداد الغناء النجدي من أصوله العربية وتجذره الضارب في التاريخ. فكانت أعماله المسرحية يتماس فيها الخوف والرجاء، والواقع والخيال، والحقيقة والأسطورة.
شارك الراحل في العديد من اللجان التحكيمية، والندوات الفكرية المسرحية على المستوى الخليجي والعربي، وممثلاً للمملكة في اللجنة الدائمة لمهرجان الفرقة المسرحية الأهلية بدول مجلس التعاون الخليجي، وشارك مع نخبة من زملائه في تأسيس فرقة المسرحيين السعوديين (التي لم يكتب لها أن ترى النور)، وعمل مستشاراً ثقافياً ومسرحياً لدى العديد من الجهات كالمهرجان الوطني للتراث والثقافة، ووزارة الإعلام، وعدد من المؤسسات الأهلية.
صدر للراحل الكتب التالية:
الهيار، كوميديا ابن بجعة، الطقس المسرحي، الغناء النجدي، رواية سبحة الكهرمان. واحتفل قبل شهرين من وفاته بتوقيع المجموعة المسرحية الكاملة من أعمالة التي صدرت عن نادي الطائف الأدبي في جزءين.
وليس مثيراً للدهشة أن يرثي محمد العثيم (رحمه الله) نفسه في إحدى قصائده التي تغنى بها الراحل حمد الطيار قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً حيث قال:
(مرحوم يا قلب قضى طاوي الشوق
عسى المطر يسقيك ويبل الأرماق
لفيت هالدنيا طريد وملحوق
تركض ورا اللاهي وساق لحا ساق)
بفقد الأستاذ محمد العثيم فقدت خشبة المسرح أهم رموزها ليس في المملكة العربية السعودية فحسب؛ بل في الوطن العربي، وكأن جميع المسرحيين يرددون: تراجيع صوتك تدوي في سوق قبة رشيد، والسنين العجاف أعيت الهمذاني من حلمه بالفوز بجائزة السلطان السجستاني وابن بجعة ما زال يحرث غباره على معاصريه تحت الأرض والبطيخ الأزرق نبت ولَم تأكله أم عبدالله ولا حتى الغنم والمطاريش غاصوا في الهيار. ولم يبقَ إلا ذكراك يا أبا بدر.

ذو صلة