حظي الكتاب المطبوع باهتمام كبير من جهة فهرسته، وحشدت المؤسسات العالمية والإقليمية والوطنية لذلك، كما حشد المتخصصون له، على حين ظل الكتاب المخطوط في الظل، ينتظر ما تجود به النظريات والأعمال الميدانية التي تطبق على المطبوع ليفيد منها ويوظفها، وهذا ما يفسر قلة الكتب التي صدرت عن فهرسة المخطوط.
وللكتاب المخطوط خصوصيته التي تفرض أن نقصده قصداً، ونفكر فيه تفكيراً نظرياً مستقلاً، فنحن في مواجهته أمام عالم واسع، لا تتكرر فيه الكتب، النسخة فيه كتاب مستقل، حتى لو اشتركت مع غيرها في النص الأساس الذي تحمله، ولذلك فإن النظر إليها على أنها كالكتاب المطبوع، نَصِفها كما نصفه ونصنفها أو نرصد رؤوس موضوعاتها، وكفى، ليس صواباً.
يقوم المخطوط على عنصرين: النص، والوعاء، وعلى الرغم من أن النص يفترض فيه الثبات، فإنه ليس كذلك، إذ قد يختلف اختلافاً كبيراً من نسخة لأخرى، لهذا تُفكَّك عناصر فهرسة الكتاب المخطوط إلى نوعين: عناصر نصية، وعناصر مادية (كوديكولوجية).
وعلى الرغم من أن الكوديكولوجيا علم مستقل وأن الفهرسة درجة من درجاته، فإن القصد كان هو التأسيس لفهرسة هذا الوعاء (التاريخي) المختلف، واللَّفت إلى خصوصية النص المخطوط من ناحية، وإعطاء العناصر الكوديكولوجية ما تستحقه من اهتمام من قِبل المفهرس من ناحية أخرى، دون أن يعني ذلك أن يكون المفهرس عالماً كوديكولوجياً.
وأكثر الناس خبرة ودربة على فهرسة المخطوط العربي أولئك: المهتمون بقضايا المخطوطات والتراث، وأخصائيو المخطوطات بالمكتبات ومراكز المعلومات، ومفهرسو المخطوطات عموماً، الذين يقبعون في المراكز المتخصصة أمثال: معهد المخطوطات العربية بالقاهرة التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ومركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، وغيرههما من المراكز.
تقوم فهرسة المخطوط العربي على العديد من الأدوات التي تشمل المعرفة والإحاطة بمهاراته، والتي منها: معرفة ببنية المخطوط العربي، والإلمام بموضوع الفهرسة، سواء المفهوم والوظيفة والحدود.
كما يجب الإلمام بمناهج الفهرسة، وكل ذلك من شأنه أن يكون ثقافة المفهرس، فيكون لديه خبرة ودراية ودربة بالفهرسة النصية:العنوان واسم المؤلف، والضبط، النسبة، وتحديد ملامح النص، وتحديد الموضوع، وتاريخ التأليف، الأول والآخر، والبيان التلخيصي، وأيضاً الإلمام بالفهرسة الكوديكولوجية، من ضبط الكيان المادي، التسلسل، المقاس، الأسطر والكلمات، وتمييز الأنواع، والدراية بطرق الوصف، ومعرفة المداد والخطوط، والأنواع، والملامح العامة، كالفروق، والتواريخ على المخطوط، ومعرفة الأنماط، من الحضور والغياب، والمقاربة، وخوارج النص.
هذا بالإضافة إلى درايته بالوظائف المتممة لفهرسة المخطوط، التجليد وفنون المخطوط، المدارس، الأنواع، الملامح الفارقة، متفرقات، مشكلات الفهرسة، الفهرسة الإلكترونية، الورشات، الفهرسة: مسائل التوثيق، الفهرسة: مسائل الوصف.
أما تقييم المخطوط العربي وتقدير ثمنه فهو من القضايا المعضِلة لكلِّ المتعاملين مع المخطوط، لا سيما عند غياب معايير التقييم، ويزداد الأمر تعقيداً مع وجود تعمية متعمدة، وأحياناً عفوية لطمس القيمة الحقيقية للمخطوط، وانتحال قيمة أخرى.. الأمر الذي يؤدي بالمقيِّم (الدارس، المحقِّق، ..) لنتائج لا يُعتد بها علمياً لفساد المقدمات، واختلال معايير التقييم.. ومعرفة القيمة الحقيقية للمخطوط ضرورة للمحقِّق وللدارس وللأثري ولأمناء المكتبات المعنيّة بالمخطوطات، وغيرهم من المشتغلين بالمخطوطات.. تلك القيمة التي تنبني أحياناً على الوعاء أو الحامل المادي، وأحياناً على النَّصّ المكتوب، وأحياناً على خوارج النَّصّ والزخارف والتصاوير، ولكلٍّ معاييره وإجراءاته الخاصة.
لما كانت الحاجة ماسة لاستظهار المعايير والإجراءات والأدوات اللازمة لتقييم المخطوط العربي، والثقافة التي ينبغي للمقيِّم أن يتحلى بها، نظم معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، ثالث دوراته التدريبية المتخصصة تحت عنوان (تقييم المخطوط وتقدير ثمنه)، وذلك في المدة من 26 إلى 29 من شهر سبتمبر 2011م، بمقر معهد البحوث والدراسات العربية بالدقي- القاهرة. وتفعيل دوره بالإشارة إلى محاولة استخدام المعايير والإجراءات والأدوات العلمية في عملية تثمين المخطوط ومقاربة احتساب قيمته المالية، وإحاطة المسؤولين والمراكز بذلك بالتفصيل، من خلال التأسيس النظري، والتطبيق العملي، لهذه القضية المهمة.
وتتجلى إشكاليات تقييم المخطوط العربي، بالدربة والدراية ببنية المخطوط (الوعاء والمحتوى)، الأسس العامة لتقييم المخطوط، ثقافة المُقيِّم، أدوات التقييم، المخطوط والمطبوع (الحجري)، تقييم المخطوط (الأثر)، تقييم المخطوط (المحتوى)، تقييم المخطوط (الصور والرسوم والزخارف)، إدراك معايير العبث بالمخطوط واختلال التقييم، الوصول إلى تثمين المخطوط بعمل مقاربة احتساب.
وأهم أولئك الذين يمكن الاستعانة بهم في هذا التقييم للمخطوط وتثمينه: المهتمون بقضايا المخطوطات والتراث، أخصائيو المخطوطات والوثائق بالمكتبات ومراكز المعلومات، الباحثون في علم المخطوطات (الكوديكولوجيون)، مُفهرسو المخطوطات والوثائق، محققو النصوص، الأثريون.