مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

العلوم العربية

اختلفت العلوم العربية وتباينت، فمنها اللغة والنحو ثم البلاغة والنقد والأدب، أما اللغة والنحو فهما يعتمدان على الرواية وحدها، بينما النقد والأدب (أي الإنتاج الأدبي من نثر ونظم)، فالاعتماد فيهما على الرواية والتثقف القائم على امتلاك العلوم المختلفة، ثم على الذوق الذي هو حس فطري. ومن أشهر رواة اللغة وعلمائها في العصر العباسي أبو عمرو بن العلاء (توفي عام 145 هجرية الموافق771 ميلادية)، وهو من القراء السبعة الحافظين للقرآن الكريم والعارفين بطرق تلاوته، كما أنه أحد رواة الأخبار والأشعار الجاهلية. ثم يأتي بعده حماد الراوية (توفي عام 156 هجرية)، وهو من أشهر رواة الشعر، ومن خلال روايته وصلت إلينا المعلقات، وكثير من الشعر القديم. ثم يأتي المفضل الضبي (توفي عام 178 هجرية الموافق 785 ميلادية)، وله (المفضليات)، وهي أقدم مجموع من الشعر وصل إلينا. ثم هناك خلف الأحمر (توفي عام 180هجرية الموافق 796ميلادية)، وكان راوية للشعر عالماً به. ويلحق بهؤلاء أبو عبيدة معمر بن المثنى (توفي عام 209هجرية الموافق 864 ميلادية)، وهو كثير الرواية للأخبار والأشعار، وله كتاب في المثالب (معائب العرب)، ونقائض جرير والفرزدق. ثم هناك الأصمعي، وهو أوسع الرواة حفظاً للأشعار والأخبار، وأوثقهم وأعلمهم باللغة. أما بالنسبة إلى النحو، فقد نشأ في مطلع العصر العباسي مذهبان: مذهب أهل البصرة ومذهب أهل الكوفة. فمذهب أهل البصرة القياس؛ لأنهم يأخذون بما اشتهر من الكلمات، فيقيسون عليها كل كلمة من جنسها، أما أهل الكوفة فأجازوا السماع، وفردوا له القواعد، فإذا سمعوا اسماً شاذاً في جمعه جعلوا منه قاعدة جديدة. ويمثل النحاة البصريين سيبويه (توفي نحو عام 180 ميلادية)، وله كتاب اشتهر باسمه (كتاب سيبويه). أما نحاة الكوفة فيمثلهم الكسائي (توفي عام 189 هجرية الموافق 805 ميلادية)، وهو من القراء والنحاة. وفي الأدب كان على رأس الأدباء في العصر العباسي عبدالله بن المقفع (توفي عام 142 هجرية الموافق 759 ميلادية)، وله قيمة عظيمة جداً في تاريخ الفكر؛ لأنه أوجد للعرب في كتابه (كليلة ودمنة) أسلوباً متعدد الجوانب، قائماً على العلل والأدلة، فهو أول من مزج الثقافة العربية بشيء من الثقافة الأجنبية (الفارسية). أضف إلى ذلك شعراء لهم باع كبير في ميدان النظم: كالمتنبي وأبي العتاهية وابن الرومي.. وغيرهم.
ومن مظاهر التطور الفكري في العصر العباسي كذلك كتب الحديث والفقه، ومن الفقهاء نجد أبا الوليد عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج (توفي عالم 150 هجرية)، وأبا عبدالرحمن محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة (توفي عام 159هجرية)، وسفيان الثوري (توفي عام 161 هجرية).. وغيرهم كثير.
من هنا يمكننا أن نجمل أن مطلع العصر العباسي قد عرف علوماً شتى، من أدب ونحو، وفقه وموسيقى، وطبيعيات ورياضيات، وفلك وطب.. وهو فعلاً عصر الحضارة العربية بامتياز.
 الإقدام والإحجام، أفقدهم الواحد بعد الآخر، يتوارون عن الأنظار، ينسحبون ببطء كما تنسحب الشمس وقت المغيب. أبقى وحيداً تائهاً في ظلمة الاختيار.

ذو صلة