المربع حالة إبداعية داخل الشكل الهندسي الذي يتميز بوحدة الأضلاع وتماثل الزوايا، والأشكال الهندسية جميعها لها محددات وراءها تفسيرات ومعانٍ وأهداف. ودون الدخول إلى مناطق الرمزية في الأشكال الهندسية، وتأويلات وأبحاث علماء النفس حول انعكاس الشكل الهندسي على نمطية وسلوك الأشخاص؛ نقترب قليلاً من تفسيرات بسيطة للشكل الهندسي المجرد: فالمثلث قد يكون رأس سهم، وإذا تساوت أضلاعه دل ذلك على التوافق والانسجام والتناغم في المبادئ أو الشراكة أو عناصر الفكرة. أما الدائرة فالغالبية العظمى من الثقافات تتخذ الدائرة رمزاً للشمس. والمستطيل شقيق المربع. والمكعب ركيزة الثبات والقوة. لكن لماذا التركيز هنا في أحداث فيلم (المربع) على الشكل المربع دون الأشكال الباقية؟ هل لأن المربع يرمز له بأنه يجمع ركائز الحياة الواقعية والمادية من ماء ونار وهواء وتراب؟ أو بالاتجاهات من شرق وغرب وشمال وجنوب؟
للمربع شأن عظيم على المستوى الفلسفي، وهو في أبحاث الطاقة عالم متسع، يكفي أن نعلم أن المربع داخل الدائرة وليس العكس، بمعنى أن منزلك ضمن دائرة ومحيط، لا تنتهي بالهدم أو الزوال، لتبقى روحك وأحلامك وطموحاتك خارج حدود منزلك وتطوف في دائرة عالم الإبداع والابتكار. والحديث يطول، ولكن هنا موضوع حديثنا عن فيلم المربع (The Square)، هو فيلم درامي ساخرة 2017، من تأليف وإخراج روبن أوستلوند، وبطولة: كلاس بانج، إليزابيث موس، دومينيك ويست، وتيري نوتاري. يدور الفيلم حول أمين المعرض (Bang) الذي يناضل من أجل القضايا الشخصية المختلفة، بما في ذلك سرقة هاتفه المحمول وعلاقة الصحفي (Moss). وسط هذه الانحرافات، يتم نشر فيديو ترويجي مثير للجدل لتركيب فني بدون إشرافه، مما يهدد حياته المهنية ويثير جدلاً حول حرية التعبير والصواب السياسي.
وفي حوار مباشر لمدير المتحف أمام زوار وأصدقاء المتحف، فيما يبدو أنها حالة استدامة للتعريف بالقادم من المعارض التي يستضيفها المتحف الكبير، وهنا أنقل لكم الحديث الذي دار.. حيث قال:
تخيلوا أنكم تقفون في مكان عام في البلد، أو ساحة مدينة كبيرة.. يوم عادي والكثير من الناس يتحركون.
تنظرون للأسفل وترون أنكم واقفون داخل الساحة.. مربع 4 أمتار في 4 أمتار ، هذا هو المربع على المستوى المادي، إنه أشبه بإيطار فارغ في انتظار محتوياته، تقارن الفنانة المربع بمعبر مشاة.. على السائقين النظر إلى الخارج منه حتى يروا المشاة بطريقة مماثلة، هناك عقد ضمني يفرضه المربع.
نبحث عن الآخر.. ونساعد بعضنا البعض!!
إذا دخلت هذه المساحة وطلبت المساعدة، فأي شخص مار بالجوار ملزم بمساعدتك.. (أنا جائع.. هل يمكنك مساعدتي بوجبة؟ هل يمكنك أن تعلمني السباحة؟ توفي والدي للتو وليس عندي أحد للتحدث معه.. هل يمكنك أن تخصص لي ثلاثين دقيقة من وقتك؟).
البعض منكم قد يفكرون أن هذا يبدو ساذجاً، وربما طوباوياً حتى!
وفي سياق أحداث الفيلم لن تتحقق تلك المبادئ ولو على مستوى تلك المعارض التي أتت مشاهدها ضمناً، ومن تلك المعارض هناك حالة أو قرار عليك أن تتخذه قبل الدخول لصالة العرض، إما أن تضغط على زر أنك تثق بالناس (I TRUST PEOPLE) وتدخل من الباب الذي يشير له السهم بعد أن يسجلك الجهاز كرقم مرور؛ أو أنك تفتقد ثقتك بالناس (I MISS TRUST PEOPLE) وتدخل من باب آخر يشير له السهم لتبتعد تماماً عن الدخول لصالة العرض إلى معرض آخر أو إلى خارج المتحف.
وكذلك الارتباك الكبير لمجرد تناثر بعض الحصوات من أكوام هنا وهناك داخل عرض خاص بفعل ماكينة التنظيف الآلي التي سحبت تلك الحصوات بعيداً دون قصد، وأن هذا سيشكل كارثة على سمعة العرض والمتحف، وأن مدير المتحف شخصياً سوف يقوم بمعالجة الأمر في سرية تامة وبعيداً عن الأعين، مستعيناً ببعض الصور واللقطات الثابتة والمتحركة لإعادة الحصوات المفقودة إلى مكانها دون أن يلاحظ ذلك أحد.
من الروعة أن تتبنى السينما مثل تلك الموضوعات التي تكشف ما يدور من تجهيزات واستعدادات داخل المتاحف وكذلك دور الإعلام وتنوع الشخصيات والمجتمعات ومحاولة البحث عن باعث أو وسيلة لتقبل الآخر القريب أو الآخر في المطلق.
يرتكز هذا الفيلم على ثلاثة محاور أساسية:
المحور الأول: (المربع)، عنوان الفيلم وهدفه، وهو (المربع أي الملاذ الآمن، حيث تسود الثقة والمسؤولية، وداخل حدوده نتقاسم جميعاً حقوقاً وواجبات متساوية)، ومن أجل معرض يحمل اسم المربع تدور الاجتماعات داخل المجلس الإداري للمتحف من أجل نجاح فكرة الفنانة الأرجنتينية وعالمة الاجتماع (لولا أرياس) التي لم نشاهد لها أي حضور مادي في كل مشاهد الفيلم، كما أن الفيلم لم يستخدم اسماً وهمياً فهي فعلاً فنانة ولها حضور كبير بالمشهد التشكيلي الأرجنتيني.
المحور الثاني (الإعلام)، قوة الدعاية والإعلام التي لا يستهان بها أبداً للتأثير على وجهات النظر وتغيير المفاهيم والقناعات، وهي التي ترفع عدد المتابعين والناشطين، وتدفع بهم نحو الرفض أو التأييد، وذلك من خلال إنتاج المقطع الذي تتحول فيه الفتاة إلى أشلاء، ويتسبب المشهد في هجوم الناس على المتحف والتشكيك في دوافعه، وهو نفسه أي الإعلام ومن خلال المؤتمر الصحفي يتحول مئة وثمانون درجة ليؤيد أفكار المتحف من أجل هذا المعرض ونجاحه والبحث عن اسم الفنانة وأعمالها.
المحور الثالث: (الطبقية)، البحث هنا عن الوسائل الممكنة للتقريب بين طبقات المجتمع، حيث يظهر عدم اكتراث أو اهتمام الكبار بالطعن في ذمم الصغار والضعفاء، ومن لا صوت لهم، ويسوقون لذلك داخل الفيلم من خلال فكرتين الأولى للطفل المتهم بالسرقة أمام أسرته، والذي حاول الدفاع عن شرفه أمامهم وألا يبقى بالمنزل ولا يغادر حتى العفن حسب وصفه، وقد تم حرمانه من رؤية أصدقائه أو الاستمتاع بممارسة لعبة كرة القدم، والثاني عندما تقمص الممثل دور التوحش التي يتمثل في الإنسان غير المتحضر والذي يخرج أصوات مثل الحيوانات، هذا الممثل بإتقانه الدور إلى أقصى درجة ولحدود الإندماج، جعل كل الجمهور من الحضور والمتحضرين جداً ونخبة النخبة يتحولون إلى وحوش وقاموا بالاعتداء عليه حد الموت.