يعد فن الكاريكاتير من الرسومات البصرية، وهو فن مشاكس ومراوغ ومؤثر، يسبر أغوار الحقيقة ويكشف المستور، فن الحياة ونقد الذات وجلدها أيضاً. يتمتع هذا الفن باللامعقول، وحين ترسم خطأ فهو الصحيح في فن الكاريكاتير اللاذع. والكاريكاتير مدارس متعددة، وانتماءات الرسامين أيضاً متعددة، فمنهم من يرسم الشأن المحلي، ومنهم الاقتصادي والإنساني والسياسي. ويخطئ من يصنف رسام الكاريكاتير بأنه (مهرج)، أو أنه يضحك الناس، والعكس صحيح، فالرسام البارع والذكي من الممكن أن يبكيك بومضة بسيطة من خلال خطوط بسيطة، وبفكرة يفجر داخلك كل العواطف والأحاسيس، طبعاً هذا إذا كان عندك أحاسيس وعواطف ومشاعر تجاه القضية التي يتبناها.
والرسام المبدع صاحب الرسالة الفنية يجب أن يؤمن فيها ويدافع عنها بشراسة، رغم الأشواك والمخاطر المحفوفة حول أهمية ودور وتأثير هذا الفن المشاكس واللاذع والمحبب عند شريحة كبيرة من القراء، لأن الكاريكاتير ينحاز للبسطاء ويدافع عن حقوقهم، فكثير من رسامي الكاريكاتير أصحاب المبادئ والقيم العليا دفعوا حياتهم تضحية لرسالتهم الفنية السامية، لأن رسام الكاريكاتير عملة نادرة، فهو موهوب ونادر وقليل وجوده، وصعب ترويضه إذا كان رساماً حقيقياً وصاحب مبدأ ورسالة سامية وضمير حي، وينحاز لقرائه ومتابعيه، ووفياً لرسالته وأهدافه.
فن الكاريكاتير الخليجي لا يزال يحبو ويسير في طريق محفوف بالمخاطر، بسبب حساسية رؤساء التحرير من هذا الفن الخطير المشاكس المؤثر المباشر في طرح الفكرة وتفجيرها؛ لأن الكاريكاتير الحقيقي أحياناً تسير خلفه دبابات لأهمية تأثيره وقوة مبتغاه، وهو فن اللاممكن في العمل الصحفي، لأنك بسهولة تجد رئيس تحرير، ولكنك من الصعب أن تجد رسام كاريكاتير بارعاً ومبدعاً ومتخصصاً، وللأسف فن الكاريكاتير في منطقتنا مهمش، لأن البعض من أصحاب المؤسسات الإعلامية والصحفية يخشون هذا الفن وخطورته، وربما يسبب لهم (صداعاً) وهم يريدون أن يحافظوا على مناصبهم ورواتبهم، وبالتالي لا يبحثون عن الرسام المبدع والمؤثر الذي ربما يجعل من هذه الصحيفة أو تلك حديث الشارع من خلال رسوماته المؤثرة والطاغية والناطقة بكلمة الحق حتى ضد رئيس التحرير.
في مصر وحدها هناك 45 رسام كاريكاتير متوزعين على الصحف والمجلات، نحن هنا عندنا مجموعة من الرسامين الموهوبين والبارعين يحتاجون الدعم.
ويعد الفنان علي الخرجي أول رسام كاريكاتير سعودي متمكن، مثّل المملكة في فرنسا بالسبعينات، وكان رساماً موهوباً ومثقفاً بارعاً، لأنه درس بالعراق وتأثر بالرسامين العراقيين من رسامي الكاريكاتير الأقوياء والمتمكنين أيام الحركة التشكيلية والفنية المزدهرة في تلك المرحلة، وذلك أمثال غازي ومؤيد نعمة وعامر رشاد ووليد نايف وخضير وعباس.. وغيرهم. وقد أقام الخرجي معرضاً فنياً في باريس، واندهش الفرنسيون من مدى قدراته ومؤهلاته ومواهبه. وجاء بعده محمد الخنيفر وإبراهيم الوهيبي وعبدالسلام الهليل وعلي القحيص وسليمان المسيهيج وربيع وهاجد.. وغيرهم ممن ظهر من هذا الجيل الوسط، أقصد جيلنا، إلا أن فن الكاريكاتير ظلم من الهيئات الثقافية والفنية لعدم تصنيفه وتقدير أهميته ودوره وتأثيره.
ولايزال فن الكاريكاتير مهمشاً رغم أهميته ودوره وتأثيره على صناعة الرأي العام، ولعدم إقامة معارض فنية متواصلة كباقي وسائر الفنون الأخرى، وحالياً يوجد عدد كثير من الشباب الموهوبين السعوديين الذين يجيدون فن الكاريكاتير، لكن أغلبهم موهوب فقط وليس مثقفاً فنياً، حتى يدرس خطورة وأهمية ودور هذا الفن المشاكس الخطير الذي لا يهادن أبداً.