مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

البحث والتوثيق علمياً لتاريخ الحدود الشمالية

هي تلك المنطقة التي تسكن الجزء الشمالي من وطني المملكة العربية السعودية، تلك المنطقة التي عاش فيها والدي- رحمه الله - منذ بداية حياته إلى أن رحل منها عندما التحق بإحدى الوظائف الحكومية في منطقة الجوف، لذلك تشوقت لمعرفة تاريخها، وظل هذا الحلم يراودني بين فترة وأخرى، حتى تحقق بحول الله عندما أكملت دراسة الماجستير في منطقة القصيم. وزاد شغفي في تاريخ منطقتي عندما سُئلت عنها عدة مرات من زميلاتي في الدراسة، وكيف هي الحياة في تلك المنطقة التي أعيش فيها؟ وقد وجدت أن الأغلبية تجهل تاريخها الذي لا بد أن يظهر بصورة واضحة لمن أراد معرفتها ومعرفة تاريخها. وعندما أوشكت على الانتهاء من المقررات الدراسية في الماجستير؛ كان لا بد من اختيار موضوع لرسالة الماجستير، فأشار عليّ أحد الأساتذة في القسم والذي أصبح فيما بعد المشرف على رسالتي؛ أن أكتب عن منطقتي، إذ لا توجد رسالة علميه عنها، فتوافق رأيه مع ما كنت أطمح إليه سابقاً، فاخترت الموضوع بموافقة أعضاء القسم، بعد ذلك بدأت رحلة مشواري في البحث العلمي، وأحسست في بداية الأمر أنني تسرعت في اختياري للموضوع، فكنت متخوفة من عدم وجود مادة علمية ومصادر تكفي لرسالتي. بدأت البحث عن المصادر، وحصلت على دعم كبير من أمير منطقة الحدود الشمالية الأمير فيصل بن خالد بن سلطان آل سعود، الذي وجه خطاباً لجميع الإدارات الحكومية من أجل إكمال مهمتي في البحث عن المعلومات، بعد ذلك سافرت إلى الرياض وتوجهت للمكاتب الحكومية فيها، ولكنني لم أجد إلا أشياء قليلة جداً، وكانت هذه المعضلة في طريقي لإتمام البحث، وهي في ذات الوقت الدافع القوي الذي يزيد حماستي لإتمام أول بحث أكاديمي لمنطقتي. ورغم أنه أصابني اليأس في البداية، إلا أنني كنت واثقة أنه يوجد الشيء الكثير عن المنطقة؛ لأنها ذات تاريخ كبير لا يمكن نسيانه، ولا بد من أن هناك من كتب عن المنطقة ولو بشيء قليل، أستطيع أن أستند عليه في البداية، وبتوفيق الله التقيت بالباحث والأستاذ مطر بن عايد العنزي الذي لم يبخل علي بإي معلومة يعرفها، وزودني ببعض الكتب من مكتبته الخاصة، حيث استفدت كثيراً منها، ومع رحلة البحث توصلت إلى رسالة الماجستير للأستاذ أحمد العرف، والذي كتب عن أمير منطقة محافظة خط التابلاين (منطقة الحدود الشمالية حالياً) محمد الأحمد السديري، ووجدت جزءاً كبيراً عما كنت أبحث عنه، وقد أخذت بعض ما أحتاج من الكتب من النادي الأدبي الثقافي في الحدود الشمالية والمكتبة العامة في عرعر، وقد وجدت كتاب أحد الرحالة الذي زار المنطقة وكتب عنها، ووجدت فيه معلومات قيمه ذات بعد تاريخي مهم، وبما أن المنطقة ظهرت بسبب مرور خط التابلاين في أرضها، فقد وجدت أشياء كثيرة عنها في أرشيف أرامكو، واستفدت من الصور التي التقطت في تلك الفترة. استمررت في البحث عن المنطقة وتاريخها، وقد واجهت بعض الأمور الناقصة في رسالتي ولم أجد لها معلومة تذكر، فأجريت بعض اللقاءات مع الأشخاص، منهم محمد ابن الشيخ ناصر الدليم، والذي كان والده أول معلم يأتي للمنطقة في قرية لينة، فزودني ببعض المعلومات عن التعليم، حيث تعلم على يد والده، وأصبح مدرساً في المنطقة، بالإضافة إلى بعض اللقاءات مع كبار السن، وكنت أدون ما ذكروا في رسالتي، وقد يتساءل البعض لماذا لم أتوجه بالأسئلة إلى والدي رغم أنه من سكان المنطقة وعاصر كل الأحداث، والجواب لأنه قد توفي رحمه الله عندما تخرجت من مرحلة البكالوريوس، وهذا ما دفعني بشوق لمعرفة منطقته وتاريخها. بعد ذلك تمكنت من جمع معلومات لا بأس بها، وبدأت أكتب وأنا متشوقة لكل كلمة أدونها في بحثي، إلى أن أنجزت بحمد الله جزءاً كبيراً منها، وقد استغرقت مدة ثلاث سنوات لإنجازها، وتمت المناقشة بحمد الله في تاريخ 9/ 8/ 1440هـ، واجتزتها بتوفيق من الله بتقدير امتياز مرتفع، وكان الداعم لمشواري البحثي زوجي الذي كان له الفضل بعد الله بإكمال مسيرتي العلمية. وتُوج هذا النجاح بحمد الله عندما قدمت نسخة من رسالتي إلى أمير منطقتي، الذي كان كلامه لي دعماً معنوياً جعلني أطمح للمزيد من الإنجازات التي تخدم وطني ومنطقتي بشكل خاص، فله مني جزيل الشكر والعرفان. كانت رسالة الماجستير عن (الحدود الشمالية.. تاريخ وحضارة 1373-1402)، وحاولت فيه أن أوثق تاريخ وحضارة منطقتي خلال تلك الفترة بتوثيقٍ علمي، وأخدم كل من رغب بمعرفة شيء عن الحدود الشمالية تاريخاً وحضارة، وكلي أمل بأن أكون حققت شيئاً معرفياً لمنطقتي ووطني.

ذو صلة