وهُنا، ومن أقصى الشَّمالِ سأبتدي..
فَضَعِ اليمينَ على الشِّمالِ وغرِّدِ
فمن الشَّمال جهاتُنا، قد حُدِّدَتْ..
والتائهون يرُدُّهم (نجمُ الجدي)
لم يكن الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ طامعاً في تراب؛ حين بسط نفوذه على شبه الجزيرة العربية. ولأنه ذو أفق بعيد، كان يريد حضارة آثارها باقية، فجعل لها ساقية، فاحتضنت المملكة العربية السعودية كل طريف وتالد. فمن حدود مملكة (الملوك الأشاهب) من بني لخم من تنوخ؛ مملكةِ المناذرة التي أنجبت عمرو بن كلثوم وعبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني إلى مملكة سبأ.
امرؤ القيس الابن المدلل للملك الكندي آكل المرار، اختار (عرعر) ليعبُر من خلالها وهو يعيش أضيق العيش، لأن الصدور تتسع للشمال وفيه، ليصل إلى قيصر الروم يستصرخه لينصره فقال:
سَما لَكَ شَوقٌ بَعدَما كانَ أَقصَر
وَحَلَّت سُلَيمى بَطنَ قَوِّ فَعَرعَرا
بَكى صاحِبي لَمّا رَأى الدَربَ دونَهُ
وَأَيقَنَ أَنّا لاحِقانِ بِقَيصَرا
ومن دون عرعر لم يخفِ ابن الرميلة إعجابه بـ(لينة)، وهي للحدود الشمالية حدودٌ جنوبية؛ حين قال:
ولله دري أي نظرة ذي هوى
نظرت؟ وحولي (لينة) وكثيبها
ولصاحب الحوليات، ومتقن المطولات؛ فرحةُ ظمآنٍ ارتوى من ماء (لينة) فقال:
صبَّ السُّقاةُ على ناجوذها شبماً
من (ماء لينة) لا طَرْقاً ولا رنْقَا
وتسير السنوات انحداراً مسرعة لتقف معلنة حقبة جديدة بلباس سندسي أخضر لا يُنَكَّسُ، فإذ بمنطقة الحدود الشمالية تموج شعراً ، فصيحاً وعامياً. وكان الأمير الشاعر محمد السديري أول أمراء المنطقة، فإذ بالشعر يختال فيها، وبالبدائع يحتويها، وكان شاعراً عاميّاً، ولكنّ القارئ لشعره لا بد أن تستوقفه أبيات من (ملحمة عكاظ) بلباسها الفصيح، وسألتقط منها أبياتاً متفرقة لبيان ذلك:
غادياتٍ رائحاتٍ مُرضيات
مُسبلاتٍ في مطرهن مُغدقات
حافلاتٍ مثقلاتٍ هاملات
منوراتٍ بالبروق الضاحكات
يا عكاظَ العُربِ ميدانَ الأدب
يا مزار أهل المهار الصافنات
يا حُماةَ العُربِ يا نسلَ الكرام
يا شباباً قد تحلّوا بالصفات
صخرةٌ بالقدس تنخى الفاتحين
هلّت العبراتُ منها جاريات
أحدقوا بالمصطفى سيدِ الأنام
كالأسود الفاتكات الكاسرات
خيلُهم بالشرقِ والغربِ البعيد
مرهمات هاجمات جائلات
فانبجستْ بعده عيون تفيض قصيداً، انتضمت عقداً فريداً، وتنوّعت المشارب، والحمد لله ربّ المشارق والمغارب.