مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الثابت والمتغير بين الأجيال في واقعنا العربي وقضاياه

لا شك أن لكل جيل عربي ما يميزه وله ظروف تحكمه، في ظل الاهتمام براهنه المشترك الذي يظل أحد مفاصل التقاطع والقاسم الذي يفرض نفسه، ومحور التجاذب أو التنافر حول القضايا البينية والمشتركة على أكثر من صعيد، من الطبيعي أن يحدث هذا كله على امتداد جغرافيته التي تشكل جسداً واحداً، بتاريخه المشترك عبر حقب متعاقبة، تراوحت بين القوة والوهن، الاستلاب والاستعباد، التحرر والانطلاق، وظلت الثوابت هي الإطار الأكبر، ومحور أي عمل عربي مشترك على صعيد الشعوب أو الأفراد أو الحكومات، رغم الاختلاف الحاصل بين كل جيل ومعطيات عصره وارتباطاته بالمناخ الذي يحكم تلك الرؤى والأفكار، والمتغيرات على مستوى جغرافيته، واحتكاكه بمحيطه والتأثير الخارجي الذي لا يمكن تجاهله أو الاستهانة به، ومدى حضوره في منطقة إستراتيجية بامتياز، غنية بثرواتها، مؤثرة على مستوى التكتلات الإقليمية، والتوازنات الدولية.
إن المتأمل للواقع العربي، والمتفحص في تاريخه الحديث سيقف لا محالة أمام بون شاسع ومسافات كبيرة شكلت عتبات ومنصات بارزة، متباعدة تقف عليها متغيرات كثيرة نفسية وفكرية وحضارية مرتبطة بروح العصر، تطبع شكل حياة كل جيل وتفاعله بواقعه من خلال ما أتيح له من وسائل أو من توجيه فكري للمؤسسات في ظل منظومة الحكم السائد أو خطاب النخب بتماثله أو تباينه، والمناهج والبرامج التعليمية والتربوية بأهدافها وغاياتها.
رغم الاهتزازات والانتكاسات والعثرات، التي وسمت واقع المواطن العربي في هذا القطر أو ذاك لظروف موضوعية أو مفتعلة، أو نتيجة صراعات سياسية ظرفية، أو تدخلات خارجية وفرها مناخ الأوضاع الاجتماعية، ومحاولة القوى الفاعلة في رسم خريطة المشهد السياسي هنا وهنالك، ليتلاءم وما تتوخاه من مكاسب ومصالح تحاول أن تضمن لها الديمومة، وتحصنها من انزلاق المفاجأة، ورغم الاختلاف الواقع بين منظومات الحكم وآراء النخب في طبيعة الوسائل الكفيلة بمعالجة القضايا المطروحة ذات الاهتمام المشترك، وتشكل بأبعادها وتداعياتها حجر الزاوية في تفعيل العمل العربي الذي ظل يشكل حلم الأجيال المتعاقبة، ومما لا شك فيه أن الشأن الداخلي للأقطار العربية وتماسه المباشر مع الفرد العربي في كل بقعة، ظل يشكل الهاجس متتالية متشابهة، وإن تفاوتت هنا وهناك، فإنها لا تختلف في ديناميكية صيرورتها ونقاط التواصل والتباعد أو الصراع المعلن أحياناً، رغم تركيبة وطبيعة المجتمعات العربية، في المقابل بقيت هناك ثوابت، شكلت جسر عبور لتطلعات الأجيال ومعبراً نحو أحلامها المؤجلة من جيل إلى آخر، فالقضية الفلسطينية ببعدها العربي والإسلامي وشرعيتها التاريخية والموضوعية، ظلت تشكل ثابتاً لكل جيل وإن اختلفت الرؤى وطريقة استرداد الحق المسلوب، وخضوعه للمتغيرات على الصعيد العربي وتقلبات التوازنات الدولية، كما يظل تحصين المعتقد من التشويه، وصون الأسرة والمجتمع من خلال التمسك بسلفية المنهج، ومحاربة التفسخ والانحراف نحو الإلحاد، مساراً متواصلاً وهمزة وصل بين الأجيال، مع السماح للمتغيرات أن تجد لها أفقاً لمواكبة روح العصر، ورغم أن النظرة القطرية الضيقة في الواقع الحالي تخدم المصالح الفئوية، وتأتي بمردود على الفرد أو الجماعة في هذه البقعة أو تلك، نظراً لعدم التكافؤ في موارد الثروة أوفي طريقة توظيفها، فإن المستقبل المتوسط أو البعيد، لا يلغي حلم التكامل العربي لأجل وحدة المصير والهدف لأمة تريد النهوض بثوابتها وتتقاسم المتغيرات بما تقتضيه روح العصر، مطلب كل جيل.

ذو صلة