من المؤكد أن المغرب كان من أولى الدول العربية التي تعرفت على الإنتاج السينمائي منذ بداية ظهور هذا الفن، خصوصاً على مستوى تصوير الأفلام الأجنبية، وكان ذلك لعدة اعتبارات منها العامل الجغرافي من خلال قرب المغرب من أوروبا مهد ظهور السينما مع الأخوين لوميير، ثم الاستعمار الفرنسي للمغرب الذي وجد في الطبيعة المغربية المتنوعة من جبال وسهول وصحراء وقصور عتيقة ومدن تاريخية مجالاً خصباً للتصوير السينمائي.
فكانت مجموعة من المدن المغربية التاريخية على الخصوص قبلة لصناع السينما من الفرنسيين على الخصوص، مثل مراكش والصويرة وطنجة وغيرها، ليكتشف الأمريكيون والألمان والبريطانيون والأسبان بعد ذلك أهمية البيئة المغربية وما تمنحه من آفاق لتصوير أفلامهم خصوصاً الإضاءة الطبيعية التي أبهرت العديد من المخرجين. لكن تبقى مدينة ورزازات المغربية أهم مدينة حازت النصيب الأوفر في تصوير أفلام عالمية دخلت تاريخ الفن السابع وحازت على عدة جوائز منها الأوسكار.
تبعد هذه المدينة عن مدينة مراكش مائتي كيلومتر شرقاً والمعروفة بهوليوود أفريقيا. وكلمة ورزازات هي كلمة أمازيغية مكونة من (وار - دون) (زازات - ضوضاء) أي (دون ضوضاء). هذا السكون والأمن ساهم بشكل كبير في النهضة السينمائية التي تعرفها هذه المدينة. وشهرة هذه المدينة سينمائياً تعود لعدة اعتبارات نلخصها في:
-الطبيعة الجغرافية التي تجمع بين الخضرة والواحات والجبال والصحراء والأنهار وهي ميزة لا نجدها في مدينة أخرى.
-وجود عدد من الفنيين والتقنيين المغاربة الذين اكتسبوا خبرة واسعة من خلال مشاركتهم في الأعمال السينمائية التي صورت في هذه المدينة لكبار المخرجين.
-التسهيلات التي تمنح للمخرجين من طرف الدولة لتصوير أفلامهم بتسهيل الأعمال الإدارية, أو مشاركة الجيش ورجال الدرك.. مثلاً.
-انخفاض تكاليف الإنتاج بحوالي 40 في المائة مقارنة مع تصوير نفس العمل في أمريكا.
-وجود الآلاف من السكان الذين تعودوا على المشاركة في هذه الأفلام ككومبارس، مما يسهل التعامل معهم من طرف المخرجين وبأجور زهيدة.
-الاستقرار الأمني الذي يعرفه المغرب، وحسن الضيافة والترحاب الذي يلاقيه السينمائيون من طرف السكان المحليين.
-وجود العديد من الاستوديوهات الطبيعية والمبنية والتي شيدها مخرجون سابقون وتم الحفاظ عليها ليستفيد منها مخرجون آخرون, مثل الاستوديوهات التي أنشئت لفيلم لؤلؤة النيل أو مملكة السماء أو المصارع.
-تشييد العديد من أماكن التصوير المجهزة بكل ما يحتاجه الإنتاج السينمائي من تقنيات وصناعة الملابس والأسلحة القديمة والماكياج والحدادة والصياغة والنجارة والديكور يسهر عليه متخصصون، وتضم بعض هذه الاستوديوهات أماكن خاصة للخيول وغيرها من الحيوانات.
ومن أشهر الاستوديوهات في هذه المدينة نجد أستوديو (الأطلس) وأستوديو (كان زمان) وأنشئت حولهما فنادق مصنفة وراقية ومطاعم فاخرة.
وأولى التجارب السينمائية التي صورت في هذه المدينة تعود إلى سنة 1896م وهو شريط (راعي الماعز المغربي)، وصور الشريط من طرف تقنيي شركة الإخوة لوميير الفرنسيين. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية تم تصوير فيلم (الدم) لمخرجه لويتز مورا سنة 1922م، وفي نفس السنة تم تصوير شريط (إن شاء الله) لتوماس فرانز.
بعد الفرنسيين اكتشف الأمريكيون على الخصوص مؤهلات هذه المدينة السينمائية مع المخرج الشهير الفريد هتشكوك الذي صور فيلمه (الرجل الذي يعرف أكثر من اللازم) عام 1955م، وقبل ذلك صوّر البريطاني تورتون فريلاند (قافلة الصحراء)، والمخرج الألماني جيمس بويز في فيلمه (عندما تعود السنونو إلى أعشاشها).
ومع حلول بداية الستينيات دخلت مدينة ورزازات تاريخ السينما العالمية بتصوير مشاهد من فيلم (لورانس العرب) لمخرجه ديفيد لين، والذي لعب بطولته كل من أنطوني كوين والممثل المصري عمر الشريف. وفي نفس هذه الفترة عرفت هذه المدينة تصوير فيلمين مهمين, الأول هو (سودوم وغوموري) للمخرج الإيطالي المعروف سيرجيو ليوني سنة 1961م، ثم (مائة ألف دولار تحت الشمس) للفرنسي هنري فيرنوي سنة 1963م، تقاسم دور البطولة فيه كل من جان بول بلموندو ولينو فونتيرا، ثم توالت أعمال أخرى بعد ذلك.
وفي سنة 1975م تم تصوير واحد من أهم الأفلام التي أخرجها جون هيستون (الرجل الذي أراد أن يكون ملكاً) تقاسم البطولة إلى جانب شين كونري وميكايل كاين الممثل المغربي الراحل العربي الدغمي، والذي كان المخرج هيستون يصفق بيديه لكل مشهد مثله العربي الدغمي الذي أظهر براعة كبيرة في تقمص دوره، ثم جاء فيلم (هيدالكو) الذي لعب فيه الفرس العربي دور البطل.
وحظيت الأفلام التاريخية على نصيب الأوفر بسبب الطبيعة الجغرافية والإضاءة الطبيعية وطريقة بناء القصبات والأبراج. هذه الأعمال تتطلب إمكانيات كبيرة أحياناً, ففيلم ريدلي سكوت (كلادياتور) بلغت تكاليفه عشرة ملايين دولار، ودام التصوير خمسة أشهر تقريباً, وحاز هذا الشريط على خمس جوائز أوسكار.
أما فيلم مملكة السماء أو (مملكة الجنة) للمخرج نفسه فقد تطلب الأمر عشرة أشهر من العمل والبناء, وساهم في التمثيل أكثر من ألف كومبارس، شارك في الفيلم السوري غسان مسعود والمصري خالد النبوي، ومن أشهر الأعمال التاريخية التي صورت: (المومياء، أوديب الملك، الكسندر الأكبر، كلادياتور، مملكة السماء، رغبات المسيح الأخيرة، أستريكس وأوبليكس، كليوباترا، كوندون، طروادة، أعظم رحلات ابن بطوطة)
أما الأفلام ذات الطابع السياسي والتي صورت في ورزازات نشير إلى: (سريانا، خمسة أصابع، الخائن، تحذير بورن).
كما أن ورزازات نابت عن الصومال في سقوط النسر الأسود هوك، وعن أفغانستان في حرب شارلز ويلسون، واليمن في شريط أسس الاشتباك والعراق في منزل الشجاع والمنطقة الخضراء.
بالإضافة إلى أفلام موضوعها وأحداثها تقع على أرض المغرب، مثل: (غريب بشع) وهو فيلم بريطاني، ثم (لقطات) وهو فيلم أمريكي، و(شريط بابل) المكسيكي الذي لعب فيه دور البطولة براد بيت. وهذه الأفلام تقدم أحياناً صورة سلبية للواقع المغربي مع بعض الاستثناءات التي اتسمت بالموضوعية.
وتنبه بعض المخرجين العرب أخيراً إلى أهمية هذه المدينة من خلال إنتاجاتهم الدرامية التلفزيونية, والتي تتخذ من التاريخ مجالاً لها, والتي قدمت في العديد من المحطات بمناسبة شهر رمضان, اكتشف من خلالها المشاهد العربي جمال الطبيعة المغربية وتنوعها، ونذكر على سبيل المثال: (الفرسان وهولاكو وصلاح الدين الأيوبي وصقر قريش وربيع قرطبة). وقد قام المخرج السوري عبدالباري أبو الخير بتصوير فيلمه الأخير في هذه المدينة بعنوان (مشاعل من النور).