هل تعرضت مرة لفتنة الأضواء الشديدة؟! قبل أن تتسرع بالإجابة، أريد أن أوضح لك أن ما أقصده هو أضواء الإعلام، أي مطاردة الأضواء الإعلامية لك، أو مطاردتك أنت لها! أياً كان ذلك الإعلام، سواء أكان الإعلام التقليدي، أم وسائل التواصل الحديثة، لأنها باتت في كثير من الأحيان تعطي ذات الشيء الذي يقدمه لك الإعلام التقليدي، وربما أكثر.
هناك من ينظر للإعلام، وكأنه فخ أو سلاح يصيبك بمقتل في غفلة منك، وأنت في نشوة زهوك! لهذا تجده يتعاطى مع الإعلام بحذر، ويعرف كيف ومتى يكون موجوداً فيه، ولا تغريه أضواؤه؟ وهناك العكس، وهؤلاء ربما كانوا كثيرين، لهذا تجدهم لا يرون بصيص ضوء إعلامي إلا ووجدتهم تحته، بل تصل بهم أحياناً أن يستجدوا القائمين على هذه المناسبات الإعلامية لحضور مناسبة إعلامية هنا أو هناك، ليكونوا في الضوء، إنها فتنة دون أن يعوا أن الإعلام ربما كان قاتلاً لهم إن كان حضورهم فيه لمجرد الحضور، دون أي إضافة حقيقية.
أتذكر وأنا أحضر لملف الموسيقى العربية للمجلة العربية، اتصلت بالموسيقي اللبناني عوض الرومي شقيق المطربة ماجدة الرومي، بعد أن أخذت منه مداخلة حول الموسيقى الصرفة، أي البعيدة عن حجرة المغني. طلبت منه أن يعرض على ماجدة الرومي حواراً في المجلة العربية، وجدته يعتذر لي بلباقة قائلاً: (يا صديقي الست ماجدة لا تحضر في الإعلام لمجرد الحضور إنها تبحث عن الجديد الذي تقدمه لجمهورها، قدم أسئلتك إن كان هناك جديد سوف ترحب به الست). وحصل معي الموقف نفسه مع الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، قائلة لي: (ليس لدي جديد الآن يمكن أن أتحدث فيه).
وموقف شبيه بموقفي مع ماجدة الرومي وأحلام مستغانمي، رواه إعلامي مصري لا يحضرني الآن اسمه في برنامج: (سئلوا فأجابوا) الذي كان يقدمه الإعلامي العربي نجم عبدالكريم على إذاعة الشرق الأوسط في أواخر التسعينات الميلادية من القرن الماضي، وكان الموقف مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، حيث ذكر ذلك الإعلامي، كيف ذهب ليسأل الموسيقار عن انطباعه عن إطلاق أول قمر صناعي في الفضاء، في حلقة تسجيلية مدتها لا تتجاوز خمس دقائق، ولكن الموسيقار عبدالوهاب استغرق تفكيره، وإجابته على السؤال قرابة الساعتين، استغرب الإعلامي كل هذا الوقت الذي أخذه الموسيقار، فلم يكن مطلوباً من عبدالوهاب إلا مجرد الانطباع عن إطلاق القمر الصناعي الذي لا يمكن أن يستغرق كل هذا الوقت! وحينما استفسر الإعلامي منه، كان جواب عبدالوهاب: (الجمهور ينتظر من عبدالوهاب أن يقول كلاماً مختلفاً غير الذي اعتادوا على سماعه). بعد ذلك عقب الإعلامي قائلاً: (الآن عرفت سر نجاح محمد عبدالوهاب).
وهذه الأمثلة الثلاثة التي كانت متقاربة في رؤيتها للإعلام، إن لم تكن متطابقة إلى حد التماهي؛ لا يقدم عليها إلا من كانت له ثقة في موهبته، وبأن الرسالة التي يحملها تحتاج منه أن يكون حذراً في كيفية عرضها ومتى وكيف يكون ذلك؟ أي ليس الإعلام إلا وسيلة يخرج من خلالها ليقول المفيد، وليس الحضور لمجرد الحضور.
هل وعينا نحن دور الإعلام، ومتى وكيف يكون حضورنا فيه؟
إن وعينا ذلك فسوف تكون المرآة التي نقف أمامها مرآة صادقة لا زيف فيها، ومنجية من سهام الإعلام القاتلة!