مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

أحلام وحرائق!

 فراق
صديقي الذي لا صديق إلا هو، قال لي ذات صفاء: خذها.. خذهما.. خذهن، وعود تبدّد غيمات القلق عن سماء روحك، فقلبي وعاء لسرّك، وروحي فضاء لحلمك، فصدقته واسترحت، وعادت الأحلام الجميلة تطاردني في نومي العميق!.
وذات بوحٍ، أخبرته بأني أتوق إلى شمس تغمرني بالدفء، وسماء تزدحم بالعصافير المرحة والفراشات الملونة، وقبل أن أسرد عليه باقي أمنياتي، أزبد.. وأرعد.. وكشّر عن أنيابه قبل أن يتركني ذاهلاً، وكان يتمتم بكلمات بذيئة سمعتُ منها: هزيل مجنون.
 حب بطعم الفاكهة
هذا العشق الموغل في أقصى شراييني، يفتح نافذة القلب، فترنو عيناي لحقول الفرح وتصفو روحي، فأرتّل آيات الحب، وأقرأ فاتحة الإنشاد.. وينضج تفاح الشوق بقلبي، ورائحة الكون تفوح بعطر التفاح الناضج، أتيمّم بقشر الليمون وأوراق النارنج وزهر الرمّان، وأدعو الله القادر أن تأتين إليّ لأحيا عيد الأعياد بقربك.
 رسالة عاجلة
حبيبي فيصل.. وصلتني رسالتك المفخّخة بالشوق والأمنيات الوردية، ولم أفرح بها كثيراً، لأنّ البلاد من حولنا تشتعل فيها الحرائق، وتعشش الأوبئة في شوارعها الخاوية، وأهلها يتضوّرون جوعاً وألماً، والعواصم يعذّبها الانتظار!، فأيّ حبّ ينمو في هذه المدن القاحلة، وفي هذا الطقس العاصف بغبار الموت الرجيم.. فهل نسيت يا فيصل، أنّ العشق يحتاج إلى أرضٍ وماءٍ وزهورٍ، والعشّاق يحتاجون إلى بيوت يكتبون على جدرانها أجمل الذكريات، وآنية تتسع لورودهم الحمراء القانية.
 قفا نبكِ
من رأى منكم مدينة بلا مقابر، فليرجمها بحجر!.. ولكنني رأيتها بأم عيني وأنا أقطعها من الجهات الأربع، أخذتني الدهشة فلم أحرك ساكناً. ولكنني طلبتُ من زوجتي التي ترافقني وابنتي في رحلتي، أن تشهد على ما رأيت.
قالت زوجتي: وكيف يجرؤ الموت على التسلّل إلى هذه الروضة الغنّاء؟، وحتى مَن يموت صدفة لن يجد من يدفنه، لأنّ أهلها يجهلون طقوس الكآبة.
ومرّت ثوانٍ قبل أن تقول ابنتي: يا أبتي، لا تقصص رؤياك لأحد، فيرجمك بحجر.
وقفتُ في حضن الغابة، وقلت لهما: إذن.. قفا نبكِ.
 ذكرى غائمة
كلّ ما أذكره من وجه أبي أنه قُدَّ من عسلٍ وحنطة.. كانت قسوته الحنونة تثير قلقي، وتدهشني حكمته وصبره، وصمته يحاصرني بالأسئلة الشائكة.
لقد ضبطته متلبّساً -ذات يوم- وهو يحاول منع دموعه من التهطال حين ودّعني إلى سفر بعيد، وقد فضحه صوت المخنوق بالعبرات حين سألني متى سأعود؟!.
 العين بالعين
حين سرقوا طفولتي، ونحروا جسدي النحيل قرباناً على مذبح الشقاء، وتركوه طعماً للذباب والبرد والخوف، لم أصرخ حينها، ليس شجاعة مني، بل لأنني أعرف أن لا أحد يأبه لكوابيس جوعي ووجعي التي تقضّ مضجعي.
كبرت في غفلة عنهم، ونمت مخالبي، وعلا صوتي، فسرقت رقادهم، ولوّثت أحلامهم الملوّنة، وطاردتهم في الصحو والحلم حتى تقطّعت أنفاسهم.
في المحكمة، قال القاضي: لا بأس.. العين بالعين، والبادئ أظلم.. وقيّد القضية ضد مجنون.

ذو صلة