إن عملية وقف الكتب تعد من أهم الركائز التي يُعتمد عليها لنشر القيم الدينية والمعرفية في المجتمع، وقد كان لهذه الظاهرة أثر فعال في ازدهار المجتمعات الإسلامية على مر العصور، وكانت الكتب توقف على المساجد والمدارس والمكتبات والأربطة والزوايا وغيرها، وكان وقف الكتب منتشراً في العالم الإسلامي، وكانت المكتبات قبلة لطلاب العلم تعينهم على التزود بكل جديد، فقلما تجد مدينة تخلو من كتب موقوفة، ومن تلك المدن المدينة المنورة، ومن أهم المكتبات في المدينة المنورة مكتبة عارف حكمت - رحمه الله- والحديث شائق وجميل عنها، فهي أول مكتبة عامة بالمدينة المنورة، ونالت اهتمام الكثير من العلماء والأدباء وطلاب العلم وزوار الحرم النبوي الشريف، حيث زارها الكثير من العلماء لينهلوا من معينها الغزير ويطالعوا ما لذ لهم مطالعته، والمكتبة هذه تكثر فيها الوقفيات سواء من مؤسس المكتبة ومن غيره حتى بعد وفاته، وهي تضم إضافة إلى المخطوطات (7875) مطبوعاً نادراً وحديثاً، وكانت المطبوعات سابقاً لا تصل إلى هذا العدد المشار إليه ولكنه زاد بواسطة الأشخاص الذين يوقفون كتباً عليها أو يتبادلون بها مقابل تصوير المخطوطات، وللمطبوعات بالمكتبة فهرس خاص على الآلة الكاتبة مكون من (237) صفحة، ويتبين من خلال الفهرس مدى تنوع مطبوعات المكتبة واشتمالها على فنون متعددة، وتغطيتها لمساحة جغرافية كبيرة من حيث الصدور، لأنها صدرت في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي.
وألحقت بالمكتبة عدة مجموعات كمجموعة موسى تركستاني وعدد كتبها (105) كتب، ومجموعة صالح إخميمي وعدد كتبها (232)، ومن جملة الأعلام الذين أوقفوا عدة مطبوعات على مكتبة عارف حكمت الشيخ عبدالعزيز الرواف النجدي.
ترجمته
هو الشيخ عبد العزيز بن أحمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد الروَّاف.
ولد بمدينة بُريدة، فنشأ بها وطلب العلم، ولحق بالعقيلات، وكان من كبار رجال المهنا أمراء بريدة السَّابقين، وقد خرج من بريدة عام 1326هـ ولم يعد لها حتى وفاته.
وقفياته
الكتب التي أوقفها على مكتبة عارف حكمت هي مجموعة من الكتب المطبوعة وهي:
• نسخة من كتاب الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني، مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة، 1326هـ.
• نسخة من كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني، المطبعة الشرفية 1325هـ / 1907م.
• نسخة من كتاب (أعلام الموقعين عن رب العالمين) للإمام ابن القيم وتقع في (3) مجلدات.
• نسخة من كتاب (شفاء العليل في الحكمة والقضاء والتقدير) للإمام ابن القيم ويقع في مجلد واحد.
• مجموع متون أصولية، يضم (متن المنار)، و(الورقات)، و(مختصر تنقيح الفصول)، و(قواعد الأصول)، ويقع في مجلد، طبع على ذمة محمد هاشم الكتبي وأخيه، المكتبة الهاشمية بدمشق.
وهذه الكتب ما تيسر لنا الوقوف عليها بمكتبة عارف حكمت.
وجميع الوقفيات كانت في 2 ذي الحجة سنة 1327هـ، وممهورة بختمه (عبدالعزيز بن أحمد الرواف النجدي هذا الكتاب وقف لوجه الله) أحدهما أزرق والثاني أسود، واتخاذ الواقف ختماً لوقف الكتب يدل على أن له وقفيات أخرى، وإلا فلا يتخذ الشخص ختماً ليوقف هذا العدد القليل من الكتب.
ونص الوقفية: (قد وقف وحبس عبدالعزيز بن أحمد الرواف النجدي الحنبلي سنة 1327 الكتاب المسمى بفتاوى شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني وهو عدد مجلدين على طلبة العلم وجعل مقر هذه الكتب مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت -رحمه الله- العمومية الكائنة بالمدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام مراعياً شروط صاحب وقف المكتبة المذكورة من جميع الجهات فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه والمرجو ممن نظر في هذا الكتاب أن يدعو للمصنف وللواقف ولصاحب المكتبة... تحريراً في 2 ذي الحجة سنة 1327).
ونصوص الوقف كلها متشابهة إنما التغير فقط في اسم الكتاب والمؤلف وعدد المجلدات.
و أكثر الكتب الموقوفة كانت في ملك أخيه الشيخ عبدالله الرواف (ت 1359هـ)، وعليها قيود التملك (ملك عبدالله بن أحمد الرواف 1327)، ولعل الوقف كان بتوجيه منه، نيابة عن أخيه عبدالعزيز، فسنة تملكه للكتب كانت في فترة إقامته بالمدينة المنورة، ويدل على ذلك وجود عبارة (وقفه لأخيه كما هو مذكور جانبه) أسفل التملك.
وربما يكون الواقف أذن أو أوكل أمر وقف الكتب لأخيه الشيخ عبدالله بحُكم وجوده بالمدينة، وختمه الوقف بختم الواقف.
وكل هذه احتمالات ولا يوجد ما يثبتها نظراً لندرة المعلومات حول الشيخ عبدالعزيز، وربما تظهر لنا مع الأيام ترجمة وافية تجيب عن كل هذه الاحتمالات وغيرها.
ووجود عبارة (قد وقف وحبس عبدالعزيز بن أحمد الرواف النجدي الحنبلي) في بداية الوقفيات تدل على أن الواقف كان على قيد الحياة وقتها.
كما وجد على بعض الكتب الموقوفة ختم وقفية مكتبة عارف حكمت ونصه (مرحوم شيخ الإسلام عارف حكمت بك كتبخانه نك وقفية ملحقات 1332).