تابعت الأوساط العلمية والسياسية وقائع الاجتماع السادس والعشرين عن التغير المناخي الذي عقد في مدينة جلاسكوا بالمملكة المتحدة تحت رعاية وتنسيق الأمم المتحدة (COP26) في الفترة من 31 أكتوبر إلى 13 نوفمبر 2021؛ ناقش الحضور على المستوى الرفيع السياسي والعلمي المشكلة من كل جوانبها. وخرجت تحذيرات ودقت أجراس إنذار لكل سكان الكوكب بأننا إذا استمرينا على نفس النهج ولم نغير سلوكنا تجاه أمنا الأرض، وبيتنا الذي نعيش فيه فسنصل إلى وقت يصعب فيه السيطرة على الوضع أو حتى إيجاد حلول. ودقت الأبحاث ناقوس الخطر محذرة من أن الكوكب في خطر لو استمر معدل زيادة درجة حرارته، ولابد من زيادة الوعى الدولي العام تجاه فهم المشكلة والتصدي لأسبابها.
ولكن أكثر ما لفت انتباهي وأريد مشاركته معك -عزيزي القارئ- كلمتان وورقتان بحثيتان؛ الكلمة الأولى للسيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة حيث قال في فيديو مسجل ما نصه: (أن التقرير الأخير للمنظمة العالمية للمناخ World Meteorological Organization (WMO) عن المناخ لعام 2021 مستمد من أحدث الأدلة العلمية لإظهار كيف يتغير كوكبنا أمام أعيننا من أعماق المحيطات إلى قمم الجبال إلى الظواهر الجوية القاسية، وتتعرض النظم الإيكولوجية والمجتمعات في جميع أنحاء العالم للدمار ويحتاج قادة العالم أن يكونوا واضحين بنفس القدر في قراراتهم. والتغير المناخي والتهديد الناجم عنه سيؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين حيث ستزيد المنافسة على الموارد، مثل الأرض التي ستُفقد والغذاء والمياه بدوره سيؤدي إلى التوترات الاجتماعية والاقتصادية، وسوء أو تغير المناخ سيؤدي إلى عمليات النزوح الجماعي ..). واستطرد السيد غوتيريش بأنه وحسب تقارير البنك الدولي الأخيرة؛ أنه في حالة عدم اتخاذ إجراءات سيضطر أكثر من 140 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا إلى الهجرة داخل مناطقهم في حدود عام 2050.
والكلمة الثانية التي أشارت ولخصت الوضع الأخير لحالة كوكبنا هي كلمة البروفيسور بيتري تالاس الأمين العام لمنظمة (WMO) التي سرد فيها وبالأرقام بيانات الأرصاد ونتائج البحوث عن مناخ الأرض ومن أهم ما عرضه البروفيسور تالاس: (أن القارة القطبية الشمالية أمطرت مياهاً بدلاً من أن تمطر الثلوج على غير العادة! في صيف عام 2020 وأن الأنهار الجليدية في كندا عانت من الذوبان السريع وغير المسبوق ولأول مرة وفي موجة حر في كندا والمناطق الحدودية مع الولايات المتحدة وصلت الحرارة إلى 50 درجة مئوية وتحديداً قرية ليتون جنوب وسط كولومبيا البريطانية؛ مما أدى إلى حدوث حرائق في الغابات الكبرى هناك تحديداً يوم 13 يوليو 2021 قضت فيها على 963711.45 فدان حتى 7 يوليو 2021 ويعد هذا الحريق هو الحريق القياسي على الإطلاق حدث على كوكب الأرض؛ كما وصلت درجة الحرارة في حوض البحر المتوسط إلى درجات قياسية وغير مسبوقة حيث سجلت إحدى المحطات في صقلية 48.8 درجة مئوية يوم 11 أغسطس الماضي بينما وصلت الحرارة إلى 50.3 في القيروان بتونس -في نفس اليوم- إلى 49.2 درجة وفي مدينة مونتورو بإسبانيا 47.4 درجة وفي جزيرة ابن عمر في تركيا كانت 49.1 ومدين تبليسي في جنوب جورجيا 45.6 واندلعت حرائق عديدة وكانت الجزائر واليونان وجنوب تركيا من أشد المناطق تضرراً..).
ويتضح من ملخص الكلمتين السابقتين أننا بالفعل أمام أمر جلل يجب أن تزول فيه الحدود وتتكاتف فيه الأيادي لأنهما صادرتان من جهتين تنظران نظرة شمولية لحال كوكب الأرض. وأما بخصوص الورقتين البحثيتين؛ فالأولى كانت أكاديمية اعتمدت على سرد نوعي وتقني لمعدل أهم الغازات الدفيئة والتي تتسبب -في المقام الأول- في زيادة الاحترار أو سخونة كوكب الأرض وهي غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 وغاز الميثان NH4 وغاز أكسيد النيتروز N2O ومقارنة نسب تواجد هذه الغازات في كوكب الأرض سنة 2020 عما كانت عليه من مستويات ما قبل عصر الصناعة؛ وكانت تلك البيانات كالتالي:
الغازات الدفيئة نسبة وجوده في الكوكب سنة 2020 نسبة الزيادة عما كانت عليه عام 1750
ثاني أكسيد الكربون 413.2 جزء في المليون 149 %
غاز الميثان 1889 جزء في المليون 262 %
غاز أكسيد النيتروز 333.2 جزء في البليون 123 %
وأشارت الورقة إلى أن هذه الأرقام خطيرة ولا تزال في ازدياد بالتأكيد خلال عام 2021 ومطلع عام 2022 وعلى إثرها زاد متوسط درجات الحرارة في يناير إلى سبتمبر 2021 بمقدار 1.09 درجة مئوية عما كانت عليه في الفترة من 1850 - 1900 ولتصبح سنة 2021 في المرتبة الخامسة بين الأعوام الأكثر دفئاً وسخونة على مستوى العالم؛ حيث إن السنوات من 2015 - 2020 هي الأعوام السبعة الأكثر دفئاً على الإطلاق.
الورقة البحثية الثانية التي لفتت نظري، تحدثت عما يسمى بدرجة حموضة المحيطات وكيف أنها سبب قوي آخر بجانب زيادة الغازات الدفيئة في كارثة التغير المناخي وسخونة الكوكب وما سينجب عنه. يقول البحث إن 90 % من الحرارة المتراكمة في نظام كوكب الأرض مخزن في المحيطات، وأن تلك المحيطات تمتص ما مقداره 23% من إجمالي الانبعاث السنوي لثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية مما يحفظ التوازن على الكوكب في الظروف المثالية والسلوك الآمن والمثالي لسكانه. ودرجة حموضة المحيطات أو السوائل عموماً درسناها في مدارسنا لطلابنا وأسميناها (الأس الهيدروجيني) ورمزة PH وتبلغ قيمته للماء 7.0 وهو رقم ثابت؛ ولكن ما حدث من خلال القياسات حتى نهاية أغسطس الماضي أن درجة حموضة المياه في محيطات كوكبنا انخفضت بدرجة ملحوظة وأصبحت في بعض القياسات إلى 6.65 وهذا يعد أقل مستوى تم رصده على الكوكب منذ عام 1600 وانخفاض الحموضة سيؤثر على مقدار امتصاص نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون وبالتالي فإن ما يزيد عن نسبة الـ 23 % سيتراكم في غلافنا الجوي وتزيد معه ظاهرة الاحتباس الحراري وبالتالي السخونة والتغير المناخي. ودرجة الحموضة أيضاً -حسبما ورد في الدراسة- سيكون تأثيره على التربة بما يسمى soil degradation أو بمعنى عدم مقدرة التربة على احتواء كمية الكربون الزائدة عن الحد الطبيعي. وينتج عن ذلك تأثر بعض المحاصيل الزراعية الأساسية مما يؤثر على الأمن الغذائي ويصل الى مرحلة خطيرة وأن 500 مليون شخص يعيش في مناطق متأثرة بالتأكل وسيفقد 30 % من الطعام أو يهدر بسبب ذلك؛ كما أن كمية المياه الصالحة للشرب أو للزراعة ستفقد بالتالي.
بارقة أمل
وفي الختام فإن توصيات مؤتمر COP26 قالت إن الباب لم يوصد بعد، وإن الأوان لم يفت لوقف هذا التدهور ولابد من تحولات جوهرية وإفساح المجال للتكنولوجيا للحلول المقترحة وأهمها:
- الحفاظ على الغابات وإيقاف الجور عليها وزيادة المساحات المزروعة لجعل الأرض تتنفس.
- الطاقات الجديدة والمتجددة أصبحت أرخص من السابق والسيارات الكهربية تستعد لتصبح سائدة.
- دعم بحوث التنوع البيولوجي لزيادة المياه العذبة وتحسين سبل الأنظمة الغذائية.
- الاعتماد على الحلول الخاصة بالزراعات المحسنة واستغلال الأراضي.
- تضافر جهود الحكومات والشركات والمجتمع المدني والشباب والأوساط الأكاديمية على خلق مستقبل أخضر وعالم نظيف لتقليل الانبعاث.
- إرساء قواعد العدالة واستعادة الانسجام بين الناس وبين كوكب الأرض فنحن قادرون.
*رئيس قسم القبة السماوية - مكتبة الإسكندرية