ما زلت أذكر وأنا أكتب هذا المقال كلمات أستاذي الجليل العالم السوداني البروفيسور حسين سليمان آدم في أول محاضرة له معنا في مقرر المناخ الزراعي حيث بدأ حديثه عن أهمية المناخ في حياتنا العامة أولاً قبل أن يخوض في أهميته لنا في المجال الزراعي، فقال لنا: (وأنتن بالذات الآنسات فإن حدوث أي تغير في الطقس خلال اليوم من حدوث عواصف ترابية أو أمطار غير متوقعة يؤثر عليكن في جميع مناحي الحياة ابتداء من الأعمال المنزلية من نظافة وغسيل أو نشر للملابس، وقد يصل الأمر إلى إلغاء المناسبات السعيدة والحفلات، فما ظنكن بما يحدث من تأثير لتغير المناخ لفترة زمنية طويلة بالنسبة لكل مناحي الحياة سواء أكانت الاقتصادية أو الاجتماعية). ومن هنا يأتي تعريف التغير المناخي بأنه اختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والهطول التي تميز كل منطقة على الأرض، وكذلك ارتفاع حرارة الغلاف الجوي المحيط بالأرض بسبب تراكم غازات الدفيئة مثل ثاني أوكسيد الكربون والميثان والكلوروفلوروكربون. ويؤدي تواتر هذه التغيرات على المدى الطويل إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الإحيائية والطبيعية. ويأتي تعريف الأمم المتحدة أيضاً على هذا النسق حيث يعرف بأنه عبارة عن التحولات الطويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس وقد تكون هذه التحولات طبيعية تحدث على سبيل المثال من خلال التغيرات في الدورة الشمسية أو غير طبيعية بحيث تكون ناتجة عن الأنشطة البشرية المختلفة على وجه الأرض.
وقد ميز الله تعالى الإنسان على سائر مخلوقاته بالعقل واستخلفه في الأرض التي هيأها له بما يضمن استمرارية حياته وجعل فيها من كل شيء موزون وبقدر معلوم كما ذكر في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (سورة الحجر الآية 19). وقال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (سورة القمر الآية 49). والإنسان يتأثر ويؤثر في البيئة من حوله بطبيعة الحال. ومنذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية من إنتاج واستهلاك للطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين المصادر الرئيسة لانبعاثات غازات الدفيئة، وتنتج هذه الغازات على سبيل المثال عن حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز وقطع الغابات الذي يؤدي إلى إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، كما تعتبر مدافن القمامة مصدراً رئيساً لانبعاثات غاز الميثان، إضافة إلى بخار الماء وأكاسيد النيتروجين والكبريت والفسفور وغاز الأوزون التي تعد المسبب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تشير دلائلها إلى الارتفاع التدريجي والمستمر في درجات حرارة طبقات الغلاف الجوي المحيطة بالكرة الأرضية والقريبة من سطح الأرض، زيادة نسبة ذوبان الجليد في القطبين ودفء فصل الشتاء وبداية فصل الربيع مبكراً عن مواعيده. ومن الجدير بالذكر أنه دون ظاهرة الدفيئة الطبيعية سيكون متوسط حرارة سطح الأرض دون الصفر المئوي، وبذلك تكون هذه الظاهرة الطبيعية مفيدة وتجعل الحياة ممكنة على سطح الأرض، ولكن تدخل الإنسان عن طريق حرق الوقود وقطع الغابات أثر سلباً وسبب زيادة في نسب غازات الدفيئة وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية. وقد أشارت الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ في تقرير التقييم الخامس 2013م بأن الدلائل العلمية باتت تؤكد بدرجة ترجيح عالية جداً أن الارتفاع ناتج عن النشاطات البشرية التي تؤدي لزيادة انبعاث غازات الدفيئة. وتشير التقارير أن معدل حرارة الأرض سيزيد بمعدل يتجاوز درجتين مئويتين بحلول عام 2100 ما قد يؤدي إلى نتائج خطرة ومدمرة. وفعلاً استمرت تركيزات غازات الاحتباس الحراري الرئيسة في الزيادة في عامي 2019 و2020 على حسب تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) وهي الهيئة المرجعية الرسمية في منظومة الأمم المتحدة بشأن الطقس والمناخ والماء والتي أكدت على أن عام 2020 من أحر ثلاثة أعوام مسجلة على الإطلاق، وكان العقد الممتد من عام 2011 إلى عام 2020 أحر عقد مسجَّل على الإطلاق، وتبرز آثار ذلك كله على التنمية الاجتماعية الاقتصادية، والهجرة والنزوح، والأمن الغذائي، والنظم الإيكولوجية البرية والبحرية.
إن ظاهرة تغير المناخ تضع أمام الدول النامية مثل السودان تحديات كبيرة أمام المزارعين والرعاة الذين سيواجهون صعوبات جمة كي يستطيعوا انتزاع لقمة العيش تحت ظروف ضغط الحرارة المتزايدة والجفاف المتكرر. ويظهر أكبر تجل لآثار التغير المناخي في التأثير على الإنتاج الزراعي المستدام وبالتالي على الأمن الغذائي، فتأثير المناخ على الزراعة معروف لدى المزارع منذ القدم بحيث تؤثر تقلبات الطقس والمناخ الطبيعية والتي تحدث خلال الموسم الزراعي على تفاوت الإنتاج الزراعي من سنة لأخرى ويتعامل معها المزارعون بحسب خبرتهم من المعارف المحلية المكتسبة أو الإرشادات من الجهات المعنية وذات الصلة بالمجال الزراعي، ولكن بالنسبة لتغير المناخ فالأمر مختلف تماماً، حيث يعزى كل من التراجع في غلة المحاصيل الزراعية ونقصان مياه الري وظهور آفات زراعية جديدة شرهة بالنسبة للمحاصيل إلى ارتفاع درجات الحرارة. إن تغير المناخ يمثل عقبة أداء أمام التنمية المستدامة للمواطنين الموزعين على الكثير من المجتمعات الهشة. والتهدیدات المناخیة للزراعة حقیقیة وخطیرة وفوریة، ففي ظل تغیر درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار يجب أن تتغير المحاصيل الزراعية وتتغير طرق الزراعة، وعليه فإن المزارع في هذه الحالة يحتاج إلى تعزيز جهود جبارة فيما يتصل بوضع الخطط الإستراتيجية والبرامج الإرشادية الخاصة حتى يستطيع مجابهة تحديات التغير المناخي الراهنة. وهنا لا بد وأن يتجه المزارع إلى مفهوم الزراعة البيئية وهي زراعة تراعي ظروف تغير المناخ ونوع الإرشاد الذي يقدم للمزارع. لابد وأن يكون إرشاداً بيئياً يتم فيه توعية المزارع بمفهوم تغير المناخ وكيفية مواجهته والتأقلم معه. وحديثاً في ختام مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 26) أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة مبادرة (مهمة الابتكار الزراعي للمناخ) والتي وقعت عليها أكثر من 30 دولة تعاهدوا فيه على خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30 % بحلول 2030م ووضع نهاية لتدمير الغابات.
ولأن مصدر غازات الاحتباس الحراري هو النشاط البشري فإن الإنسان هو السبب في حدوث التغير المناخي وعليه يقع عبء تصحيح الوضع. ولأهمية هذا الأمر فقد اضطلعت أسرة الأمم المتحدة ومنذ وقت طويل بدورها في إنقاذ كوكب الأرض واستخدمت أدواتها القانونية حيث أبرمت العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية وكذلك المؤتمرات ابتداء من مؤتمر إستكهولم 1973 إلى قمة الأرض بالبرازيل واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ 1992 وبروتوكول كيوتو 1997م إلى المؤتمر الـ21 بباريس 2015م ثم قمة المناخ بروما 2019م وأخيراً كوب 26 بغلاسكو، الذي ينظر إليه العلماء بأنه الفرصة الأخيرة لاحتواء أزمة المناخ والاحتباس الحراري المتصاعد إلى مستوى مقبول وذلك قبل حدوث تطور كارثي لا تحمد عقباه على وجه الأرض. وحتى جائزة نوبل للسلام تم توظيفها في هذا الاتجاه، ففي العام 2007م، حصل نائب رئيس الولايات المتحدة السابق آل غور والفريق الحكومي الدولي على جائزة نوبل للسلام مناصفة على (ما بذلوه من جهود لنشر المعرفة حول تغير المناخ وإرساء أسس للتدابير اللازمة لمواجهة مثل هذا التغيير). وأيضاً في العام الحالي 2021م منحت جائزة نوبل لاثنين من علماء الأرصاد هما: الأمريكي ما نابي، والألماني هاسلمان، لأبحاثهما في فيزياء تغير المناخ حتى تنبه العالم بقوة على المخاطر التي تنجم عن تغير المناخ بصورة قد تهدد بقاء البشرية على سطح كوكب الأرض.