مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

خيول من زجاج

قرر الإخوة الثلاثة أخيراً تفجير كل الأفكار والشكوك التي خطرت لهم طوال السنوات الماضية في وجه أمهم، فقد اعتقدوا أنها اتخذت لها عشيقاً في السر تنفق عليه كل الأموال التي كانت تجنيها من صناعة تماثيل الخيول الزجاجية.
أدركت الأم أن الاتهامات التي يبدو أنهم طبخوها على نار هادئة بمكر؛ ما هي إلا عقاب لها على كل الوقت والجهد الذي صرفته على هوايتها الأصيلة في صنع الخيول الزجاجية، ورفضها إعطاءهم نصف ما تكسبه من المال بعد تسليم الخيول لنفس الرجل الأعرج الذي كان يأتي كل سنة ليأخذ بحرص شديد ما تصنعه من خيول.
حتى أنهم لم يعرفوا ما المبلغ الذي كانت تتقاضاه في مقابل تقديم خيولها الجامحة متقنة الصنع لهذا الرجل الأعرج، لرفضها حضور أبنائها عملية البيع، الأمر الذي أشعل غضبهم وزاد حقدهم عليها.
كان لهيب الاتهام ضرره أشد وقعاً على الأم من اللهب الحقيقي الذي كانت تتعامل معه يومياً لصنع التماثيل الزجاجية. لم تمتلك الكلمات لتدافع عن نفسها، فما كان منها سوى الذهاب للغرفة الخاصة بهوايتها ودفع التمثال الكبير الذي عكفت على صنعه عدة أشهر، ليتحطم مئة قطعة بمجرد ملامسته للأرض، مما أثار دهشة أبنائها، وقبل أن تدخل غرفة نومها التفتت إليهم في غضب وتحدٍّ وقالت: (أنتم لا تستحقون).
في صباح اليوم التالي جاء الرجل الأعرج الذي اعتاد أخذ التمثال كل مرة، وعندما أخبروه بعدم وجود أي تمثال يُقدم له بعد ما فعلته أمهم، استشاط الرجل غضباً ورحل، لكنه سرعان ما عاد ومعه رجل عجوز تبدو عليه معالم الثراء والنعمة، طلب الرجل بوقار مصطنع الحديث مع أمهم.
عندما ذهب أحد الإخوة لاستدعاء الأم لم يجدها في غرفتها ولا في أي مكان في المنزل أو الحي، لقد رحلت. وقتها قرر الرجل العجوز الخروج عن وقاره وكأنه تحول لإنسان آخر، وطلب من الإخوة الثلاثة الخروج حالاً من المنزل، وعندما استهجن الإخوة تصرف العجوز، أخبرهم الرجل الذي كان يأخذ من أمهم التماثيل أن إقامتهم في هذا المنزل طوال هذه السنوات كانت بفضل الخيول الزجاجية التي كانت تصنعها والدتهم وتقدمها للرجل العجوز الثري صاحب المنزل.
بعد طردهم من البيت الذي أبصروا الحياة لأول مرة فيه، أخذ الإخوة يفكرون فيما فعلوا في حق أمهم، وانطلقوا سوياً في رحلة دامت لأعوام بحثاً عنها، لكنهم لم يعثروا عليها حتى الآن.

ذو صلة