مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

رثاء الحيوان في الأدب الغربي

للحيوانات الأليفة (وعلى وجه الخصوص الحصان والكلب والقطة)، مكانة أثيرة لدى عدد من الأدباء الغربيين. وكم من مرثاة نثرية أو شعرية تحدثت عن مشاعر الأسى التي اكتنفت ناثراً أو شاعراً لفقدان حيوان أليف كان ألصق به من معشر البشر.
الأمثلة كثيرة، ومنها قصيدة للشاعر الإنجليزي الشهير توماس غراي Thomas Gray 1716 - 1771 كتبها في رثاء قطة لصديقه، وصنفت من بين أعظم عشر قصائد لهذا الشاعر.
ففي عام 1747 نظم غراي قصيدته الموسومة (مرثاة قطة أثيرة غرقت في حوض سمك زينة) Ode on the Death of a Favourite Cat Drowned in a Tub of Gold Fishes.
لم تكن تلك المرثاة تخليداً لذكرى مؤلف عظيم أو رجل دولة أو فنان شهير، بل كانت حزناً على قطة صديقه الأديب الإنجليزي هوراس وولبول Horace Walpole 1717- 1797. كانت تلك القطة المسماة (سليمة) هي الأكثر أثرة (من بين ثلاث قطط) لدى صديقه هذا، وقد أسر بحزنه الشديد على قطته (الشقية) التي ماتت غرقاً في حوض سمك زينة بعد أن انزلقت وهي تحاول الإمساك بإحدى سمكات الحوض الذهبية إلى غراي، فجادت قريحة الأخير الشعرية بواحدة من أعظم مراثي القرن الثامن عشر وأكثرها شهرةً على الإطلاق.
يصف غراي ما حدث للقطة المسكينة بأبيات شعرية سردية منذ اللحظة التي اتكأت فيها على حوض زجاجي أبدع ألوانه الزاهية والبراقة حرفي صيني ماهر، تحدق بالماء الذي يملؤه، وتحرك ذيلها من جهة إلى أخرى (إشارة إلى شعورها بالسعادة البالغة)، ومحاولتها الوصول إلى سمكتي زينة بلون الذهب لاحظت وجودهما في القعر، ثم انزلاقها داخل الحوض وغرقها فيه، دون أن يأبه بصرخاتها (القط توم) أو القطة الثالثة (سوزان)، إذ إن (سليمة) هي الأثيرة لدى صاحبها، ومن ثم فليس لها من صديق أو صديقة بدافع الغيرة منها.
وفي حين أن الأسلوب الذي استخدمه غراي في هذه القصيدة هو الأسلوب (الملحمي الساخر) mock-heroic style (على غرار أسلوب الشاعر الشهير (ألكساندر بوب) Alexander Pope في عدد من قصائده)، إلا أنها تعد جادة من جوانب عديدة. فبينما أن هذه القصيدة تصف بالأساس ما حدث للقطة المفضلة لدى صديقه، وما لاقته من مصير مؤسف، فقد استفاد غراي من حادثة حقيقية ليس فقط لإخبارنا بقصة حزينة تستند على واقعة فعلية بأسلوب ظريف، كما يروي كتاب السيرة والمعلقون، ولكن أيضاً لنقل بعض الدروس الأخلاقية إلينا. وهكذا، فإن القصيدة تجمع بين اهتمامها السردي والمبالغة المتعمدة في تشبيه المحنة التي تعرضت لها القطة بالسقوط المأساوي لبطل أسطوري، إلى جانب الغرض التعليمي، والإيحاءات والدلالات التي تزخر بها.
فمثلاً، المرثاة تقترح أن خطوة واحدة غير صحيحة قد تؤدي إلى أوخم العواقب، وأن من يرى شيئاً براقاً أو مغرياً قد لا يكون بالضرورة نافعاً له، بل قد يكون فيه قضاؤه المحتوم. كما تتحدث عن العلاقة القوية بين الإنسان والحيوان الأليف الذي يقتنيه. وهناك إيحاء بأن من يكون أثيراً لدى رئيسه أو صاحبه ويحظى باهتمامه، لن يكون له بالعادة صديق، وسيشعر الآخرون بالغيرة منه. عبرة أخرى تحتويها القصيدة، وهي أن على الإناث (قططًاً أم نساءً) ألا ينخدعن بالمظاهر البراقة، فليس كل ما يلمع ذهباً.
كلمة أخيرة، قصيدة غراي هذه قصيرة نسبياً، ولكن هذا لا يقلل من روعتها ومن قيمتها الشعرية. وكما قال شكسبير: (الإيجاز هو جوهر الحكمة) Brevity is the soul of wit.

ذو صلة