مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

من التنجيم إلى استعمار الفضاء

يعد علم الفلك من أقدم العلوم الإنسانية جميعها منذ العصور الأولى في التاريخ وبداية ظهور الإنسان، وكانت البشرية تنظر للنجوم أحياناً بعين الرهبة والخوف، وأحياناً بعين الاستئناس والتضرع والمحبة، فكثير من قدماء المصريين والفراعنة عبدوا الشمس (الإله (أتون) قرص الشمس وجعلوه رمزاً لهم وبعض ملوك الرومان والإغريق والصينيين صنعوا من الكواكب أسماء آلهتهم مثلاً: كوكب المشتري (جوبيتر) كبير الآلهة وكوكب المريخ (مارس) إله الحرب وكوكب (فينوس) (أفروديت)، آلهة الجمال.. وهكذا.

وأيضاً تسمية الأيام بأسماء الكواكب Sunday - يوم الشمس moonday - يوم القمر saturday - يوم السبت friaday يوم الجمعة وهكذا.
وبعض الناس اتخذ في قديم الزمان هذه الكواكب والنجوم كنذر شؤم وكوارث وأفراح أيضاً، فكان ظهور نجوم معينة يعني أوقات حصاد ودفء وشتاء، وظهور غيرها يعني أمطاراً وخريفاً، وغيرها ربيع، وغيرها جدب، وجفاف، وهكذا.. وبعضها يعتبرونه نذير شؤم وكارثة مثل رؤية شهاب أو مذنب وجاء ذكر ذلك فيما قول الشاعر أبو تمام عندما ذكر ظهور المذنب هالي في فتح عمورية وتشاؤم المنجمين وتخويفهم للجيوش حينها من رؤية المذنب في السماء حين قال:
وخوفوا الناس من دهياء مظلمة
إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
وبعد دخول العصور الوسطى بدأت البشرية تتطور قليلاً لتنظر للنجوم والكواكب وعلم الفلك بأكمله نظرة إيجابية قليلاً، وتستبعد التنجيم وتتعلم التوقيت من مواعيد الشمس في الشروق وتوقيت الغروب، والليل والنهار والعام والسنة وأيضاً تتعلم من منازل القمر والأهلة معرفة الشهور والأسابيع، ومعرفة المواقيت والشعائر، والخسوف والكسوف. فالعرب قديماً كانت شعائرهم وأوقاتهم وحساباتهم تعتمد على الشمس والقمر، فنشأ علم الحساب الشمسي والنجمي والقمري والميلادي والعربي والهجري.. إلخ.
بداية الكون.. السر الغامض
كيف بدأ الكون؟ وكيف تكونت المجموعة الشمسية وتطورت؟ سؤال مازال العلماء يبحثون عن إجابة وافية عنه حتى الآن. توسعت معرفة الإنسان تدريجياً للكون بإيمانه بآيات الله تعالى حول الخلق والمخلوقات، وعلى الرغم من الاستقراء بالبحث العلمي واستقراء الوثائق والآثار وتكرار التجارب، لكن هذه الأسئلة مازالت تحير عقل الإنسان دون إجابات شافية تروي غليله، كيف بدأ الكون؟ ما هي حدود الكون؟ كيف تكونت المجموعة الشمسية؟ ما هو عمر الأرض؟ وكيف بدأت الحياة على البسيطة؟ وتوصل العلماء بعد بحوث مضنية عميقة إلى افتراضات أن الأجرام تبتعد عن بعضها البعض بنسب متفاوتة. ما يجعل هذا الكون في امتداد دائم لا نهائي وأن المجموعة الشمسية تكونت تحت تأثير نجم عابر ضخم مرّ بالقرب من الشمس وانتزع لساناً طويلاً من مادتها وبقي هذا اللسان من المادة يدور حول الشمس ثم انفجر إلى قطرات من النار واتخذت هذه القطرات أماكن الكواكب الحالية الموجودة حول الشمس وبردت تدريجياً وبرزت عبر مليارات السنين مكونة الكواكب ثم التوابع ومنها الأرض والقمر. هذه الفرضية تعرف باسم نظرية الانفجار العظيم ثم نظرية سوبر نوفا، ومن الثابت لديهم أن الأرض والقمر كانتا جزءاً من الشمس وانفصلتا عنها، والمجموعة الشمسية جزء من مجرة درب التبانة دلالة على النظام النجمي والمجري الذي ننتمي إليه. والمتأمل في هذا الكون الهائل الواسع الفسيح يعرف أن مجموعتنا الشمسية وكرتنا الأرضية ما هي إلا كحبة رمل في صحراء شاسعة مترامية الأطراف بلا حدود.
ما هي الأرض؟
الأرض هي خامس أكبر كواكب المجموعة الشمسية، وثالث الكواكب من حيث البعد عن الشمس الذي يبلغ 93 مليون ميل أو 150 مليون كيلو متر، أي ما يعادل وحدة فلكية واحدة. تدور الأرض حول نفسها من الغرب إلى الشرق بسرعة تعادل 1670 ك/ ساعة وحول الشمس بسرعة تعادل 107 ألف كيلو متر في الساعة، وهي سرعة هائلة جداً ومخيفة إذا قارناها بسرعة طائرة مثل طائراتنا التي نسافر بها والتي تسير بمعدل 800 إلى 1000 ك/ الساعة أو طائرة مثل طائرات ناسا الفضائية التي تسير بسرعات أكثر من 1000 ك/ الساعة ولكننا في الأرض لا نشعر بهذه السرعة الهائلة التي تسير بها الأرض لضخامة حجمها ولتعادل جاذبيتها مع جاذبية الشمس والقمر التي تجعلنا نشعر أننا ثابتون. تسمى دورة الأرض حول نفسها باليوم والذي يعادل ما يقارب 24 ساعة ودورانها حول الشمس وتسمى بالسنة أو العام الذي يعادل 365 يوماً تقريباً. يبلغ قطر الأرض نحو 7918 ميلاً، وتحيط بها أغلفة مغناطيسية وطبقات جوية مهمتها تصفية الأتربة والغبار الكوني وإشعاعات الشمس الضارة القادمة من أعلى، وأيضاً تعمل هذه الأغلفة على تثبيت مقدار نسب الغازات الصالحة للمخلوقات الأرضية كالأكسجين والهيدروجين والنتروجين وثاني أكسيد الكربون وخلافه. ومتوسط درجة حرارة الأرض نحو 17 درجة مئوية. وتبلغ نسبة الماء في الأرض نحو 71 % من مساحة الأرض. ويبلغ عدد سكان الأرض نحو 7500 مليار نسمة وعدد الدول المسجلة في الأمم المتحدة 193 دولة وتوجد بعض الدول غير مسجلة في الأمم المتحدة.
ارتياد الفضاء
بدأ الإنسان التفكير جدياً في ارتياد الفضاء بعد عصر النهضة مباشرة وبعد الثورة التي أحدثها (جاليليو غاليلي) باختراعه للتلسكوب عام 1609 وأيضاً بعد إثبات أغلبية العلماء أن الأرض كروية وتدور حول الشمس، وأن الشمس ثابتة وليس العكس. وتعدلت النظرة إلى الفضاء الخارجي وتطورت، وبدأ الإنسان يتساءل ماذا يوجد خارج الأرض؟ ولماذا لا نستطيع السفر خارج الأرض لنستكشف ماذا يوجد هناك.. نعم ماذا يوجد هناك؟!
ولكن.. كيف الوصول إلى خارج الأرض؟
الحل كان عند العالم الروسي (سويد فسكي) عام 1903 عندما وضع نظرياته وحساباته عن الفراغ خارج الأرض، وجاذبية الأرض، وكيفية الانطلاق من الأرض للفضاء. وأيضاً نظريات الألماني (فهرنر براون) الذي وضع أسس الطيران والارتفاع مع تطبيق نظريات (ألبيرت آينشتاين) وجاذبية (نيوتن).
وبدأ التحليق نحو الفضاء كأول قمر صناعي روسي عام 1957م تم إطلاقه خارج الأرض ثم عام 1958 و1961م بواسطة الروسي (يوري قاقارين) ودورانه حول الأرض، وأيضاً فالتينا ترتشكوفا الروسية، ثم أمريكا بإطلاق (اكسبلورل) الأول والثاني في بداية الستينات، ثم إطلاق مجسات فضائية عام 1959م ثم 1962م بالقرب من كوكب الزهرة و1974 و1979م ثم مجسين فضائيين لكوكب عطارد وكوكب المريخ، ثم توالت الرحلات لاستكشاف قمرنا تابع الأرض. وانطلقت رحلات أبولو المأهولة عام 1968م ثم أبولو 11 عاماً 1969 بهبوط أول إنسان على سطح القمر، ثم بناء المحطات الفضائية الضخمة في الفضاء الخارجي مثل (سكاي لاب وساليوت والمحطة الفضائية الدولية) في السبعينات والثمانينات والتسعينات من هذا القرن ومازالت.
غزو الفضاء بالأقمار الاصطناعية
تسابقت الدول والحكومات لاستغلال الفضاء وحشد أكبر عدد من الأقمار الاصطناعية سواء للأغراض السلمية أو العسكرية.
يوجد الآن في الفضاء الخارجي نحو 7500 قمر اصطناعي، هذه المعروفة فقط وتوجد أقمار اصطناعية غير معروفة، وتمتلك الولايات المتحدة الأمريكية أغلب الأقمار المعروفة وتليها الصين ثم روسيا ثم إسرائيل وإيران والهند والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وغيرها. ومن الدول العربية: السعودية والإمارات ومصر والجزائر والمغرب وقطر وتونس والعراق ومن الدول الأفريقية جنوب أفريقيا ورواندا والكنغو وكينيا. وتبلغ أهمية الأقمار الاصطناعية باستخداماتها السلمية للكرة الأرضية وسكانها من البشر مثل التعليم عن بعد، الترددات التلفازية والراديوية، الاتصالات بأنواعها المختلفة، الإنذار المبكر للحرائق والفيضانات والتصحر والزلازل والبراكين، مراقبة حالات الطقس والسحب والأمطار والبوصلات وتوجيه السفن والطائرات، ومراقبة مهددات الأرض من المذنبات والكويكبات والعواصف الشمسية والشهب، ودراسة الفضاء الخارجي واستكشاف الكواكب والمجرات، ثم تأتي أهمية الأقمار الاصطناعية لبعض الدول للتجسس العسكري والدفاع بإطلاق الصواريخ العابرة للقارات والهجوم وغيرها.
مازال الإنسان يحاول السيطرة على الفضاء الخارجي القريب ومن ثم الفضاء الخارجي البعيد في المستقبل ليصل إلى استعمار الكواكب القريبة والمجرات.. فهل يستطيع؟

ذو صلة