على مر العصور استند الكثير من زعماء العالم على تأثير وقوة الأفلام السينمائية لتحقيق أهدافهم، على سبيل المثال، في أثناء الحرب العالمية الثانية استخدم كل من هتلر وستالين الأفلام كوسيلة دعائية ونجحا في تحقيق ذلك. تمتلك السينما القدرة على تغيير آراء الناس ووجهات نظرهم، فالأفلام الجيدة دائماً ما تؤثر في المُشاهِد ويتفاوت هذا التأثير بحسب الفيلم والشخص، وبشكل خاص، لابد للناس أن تتأثر بالأفلام نظراً لأن الهدف الرئيسي من الفن السينمائي هو تماماً التأثير في المتلقي وإيصال رسائل محددة. وتعتبر الأفلام الأمريكية نموذجاً بارزاً للطريقة التي تؤثر بها السياسة الأمريكية في كافة المجالات على المجتمع وعالمنا الحديث الحالي، بعضها ذو تأثير سلبي وبعضها الآخر إيجابي، نظراً لتطور صناعة الأفلام بشكل واسع واستحواذ الأفلام على مساحة كبيرة من حياتنا اليومية، ولعل سيطرتها على الفضاء من أهم الأفكار التي تروج لها. وقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية نجاح ملحمة حرب النجوم واقعاً تجاوز قاعات السينما ليؤكد قوتها على مستوى الفلك والفضاء العالمي.
السياق التاريخي لبداية حرب النجوم خيالاً وواقعاً
قبل أن تسمى مبادرة ريغان بـ(حرب النجوم)، كانت هناك سلسلة سينمائية تحمل المسمى ذاته، (حرب النجوم) (Star Wars) بدأت سنة 1977م، وهي سلسلة أفلام أوبرا فضاء ملحمية، من ابتكار جورج لوكاس، السلسلة الرئيسة مكونة من ثلاث ثلاثيات أي تسعة أفلام، إضافةً إلى أفلام ملحقة. و(حرب النجوم) تعدت كونها سلسلة أفلام، بل أنتجت كتباً ومسلسلات تلفزيونية وألعاب كمبيوتر وفيديو، وعرض آخر أفلام هذه السلسلة في نهاية عام 2019م، وحقّق أعلى الإيرادات.
بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية دولة السينما بامتياز، هكذا تذكرنا (حرب النجوم) بالسلسلة السينمائية، والمشروع العسكري الإستراتيجي للرئيس رونالد ريغان، ففي التاسع من نوفمبر عام 1989م، سقط (جدار برلين)، في حادثة تاريخية كانت مقدمة لانهيار الاتحاد السوفييتي، وجاءت بعد سلسلة طويلة من الأحداث عجلت بالوصول إلى هذه اللحظة، كان أبرز الفاعلين فيها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان.
ريغان كان قد تنبأ في خطابه الشهير (إمبراطورية الشر) عام 1983م، بانهيار الاتحاد السوفييتي، وكان يعتبر محاربته مسألة أخلاقية تتوجب المضي قدماً في سياسة جديدة أكثر تشدداً من سياسة سلفه جيمي كارتر الذي ألقى عليه باللائمة في إضعاف قوة الولايات المتحدة في العالم.
ريغان الذي هزم كارتر في انتخابات عام 1980م، شكك في أول مؤتمر صحفي له في 1981م، بعد تنصيبه في شرعية الاتحاد السوفييتي، وبعد ذلك بعامين (1983م) وصفه بأنه «إمبراطورية الشر... ومركز الشر في العالم الحديث»، في خطابه التاريخي الشهير، وتنبأ ريغان في الخطاب بسقوط الاتحاد السوفييتي: «أعتقد أن الشيوعية هي فصل آخر حزين وغريب في تاريخ البشرية، يتم الآن كتابة الصفحات الأخيرة له». وعندما أراد التأكيد أنه يخوض حرباً أخلاقية في العالم حذر من (تصنيف الطرفين أنهما على خطأ... أن تصف سباق التسلح بأنه سوء تفاهم كبير وبالتالي أن تزيل نفسك من الصراع بين الصواب والخطأ والخير والشر).
آمن ريغان بضرورة تعزيز قوة الولايات المتحدة في العالم، فأعلن عن إستراتيجية جديدة تتمثل في زيادة الإنفاق العسكري لتحديث وتطوير القوات المسلحة، كان برنامج الإنفاق العسكري الضخم حينها الأكبر في الولايات المتحدة أثناء السلم.
ظهر مصطلح (حرب النجوم) أثناء الحرب الباردة، وهو اسم أطلق على مبادرة الدفاع الإستراتيجي لعسكرة الفضاء والسيطرة على علم الفلك وجعله أمريكياً بامتياز. إذن في عهد الرئيس الأمريكي الهوليودي رونالد ريغان الذي عمل كمعلق رياضي، وممثل سينمائي قبل انخراطه بالعمل السياسي، وخلال فترة رئاسته، شهد الاقتصاد الأمريكي دفعة قوية ظهرت في انخفاض نسبة كل من التضخم والبطالة، وارتبط اسم ريغان على الصعيد الخارجي، بإطلاق هذا البرنامج الهادف لإحباط أي هجوم قد تتعرض له الولايات المتحدة أو إحدى حليفاتها بالصواريخ البالستية، حيث جاء هذا البرنامج في إطار سياسة كاملة وضعها الرئيس ريغان لجر الاتحاد السوفييتي إلى سباق تسلح مهلك، وهو ما نجح به ريغان فعلاً، بحيث يعتبر مهندس تفكيك الاتحاد السوفييتي والإجهاز على المعسكر الاشتراكي.
ورصد له وقتها ميزانية قدرها 26 مليار دولار، ووضع هذا المشروع في أقصى درجات السرية. وقد جعلت وسائل الإعلام مبادرة ريغان شغلها الشاغل والخبر الأول، ثم في مرحلة أخرى، دفن في الظل وأمسى كما لم يكن.
من أهم عوامل نجاح هذه الملحمة المرتبطة بحروب الفضاء الخارجي
معظم أفلام الخيال العلمي التي عرضت قبل سلسلة أفلام حرب النجوم وبعدها، كانت في معظمها قصصاً مكررة لا تحتوي أفكاراً جديدة، فمعظم أفلام الخيال العلمي تتمحور حول الزومبي وأكل الناس لبعضهم أو غزو الفضائيين للأرض كأفلام الرجل الخارق (سوبر مان) أو تحكم الآلات بالبشر... إلخ.
بينما جاء (حرب النجوم) حاملاً معه العديد من القصص والأحداث في حبكة متقنة، قصص الأبطال، حروب الفضاء، السفن الفضائية، التقدم التقني والأسلحة العجيبة، صراع الخير والشر، الكائنات الفضائية والفضائيون بمختلف أشكالهم... إلخ، كما لعب الطاقم التقني دوراً مهماً في نجاح الفيلم وفي مقدمتهم جون ويليامز مؤلف موسيقى السلسلة، ذاك المؤلف الأسطوري الذي فاز بخمس جوائز أوسكار وترشح لـ 45 منها، بالإضافة لأربع جوائز غولدن غلوب وإحدى وعشرين جائزة غرامي. وقد كرس التفوق الأمريكي الذي ظهر جلياً بعد بداية النظام العالمي الجديد ونهاية القطبية الثنائية، فقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية منقذة العالم بامتياز بل منقذة البشرية جمعاء.
كما أن الفيلم بقي حياً حتى بعد انتهاء عرضه في صالات السينما عن طريق ألعاب الفيديو، القصص المصورة، سيوف الضوء التي تميز بها الفيلم، قطع التذكارات وغيرها، بالإضافة إلى أن مؤلف الفيلم كان حريصاً على إبقاء الباب مفتوحاً لأحداث جديدة وتساؤلات عديدة، أثارت شغف المشاهد لمعرفة أحداث أي جزء جديد سيصدر.
وأخيراً نشير إلى أن فكرة ريغان لم تمت وبخاصة مبادرة الدفاع الإستراتيجي لعسكرة الفضاء الأمريكية، فقد ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية في 30 أغسطس (آب) 2019م، أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أعلن تشكيل قيادة عسكرية للفضاء، ستكون مسؤولة عن ضمان هيمنة الولايات المتحدة، التي تهددها الصين وروسيا، في هذا المجال العسكري الجديد، رغبة منه في تأمين الجاهزية في حال نشوب (حرب النجوم) أي الحرب مع أعداء أمريكا والغرب والعالم من وجهة نظر أمريكية وبالتالي السيطرة المطلقة والدائمة على مجال الفضاء.