مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

العرب والسيادة على الفضاء الخارجي

يمكن الجزم بأن العالم العربي ما يزال في بداية الطريق حين يتعلق الأمر بعلم الفلك وتطبيقاته، فمنذ 1967، تولى وزراء الإعلام العرب مهمة النظر في الإمكانات التي تتيحها الأقمار الصناعية في اتجاه استغلالها إقليمياً في خدمة المعلومات العربية. وإذا كانت رغبة العرب في الوصول إلى تقنيات الفضاء قد نشأت في وقت مبكر، إلا أن الطموح العربي فيما يتعلق بعلوم الفضاء لم يأخذ مجراه الطبيعي إلا في بداية القرن الحادي والعشرين حين تضاعفت البرامج الوطنية، سواء في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية أو في مجال مراقبة الأرض.

إن استشعار أهمية الفضاء في السلم كما في الحرب دفع العرب إلى أن يجدوا لهم موطئ قدم على رقعة الشطرنج العالمية، ويبرز الفضاء اليوم مجالاً للصراع يتم فيه التعبير عن علاقة القوة بين الدول، فمعركة التحديث التي تخوضها الدول العربية تتطلب تحقيقاً فعلياً للسيادة على الفضاء باعتبارها مكوناً مؤثراً في الأنشطة الأرضية سواء كانت مدنية أو عسكرية، ونخص بالذكر الملاحة عبر الأقمار الصناعية، والاتصالات والتلفزيون، والأرصاد الجوية، والاستكشافات العلمية، ومراقبة الظواهر الطبيعية، وتحقيق الأمن الإقليمي والدولي، بل إن السيادة المستقلة على الفضاء من شأنها أن تمنح الدولة التي تحتفظ بها مكانة مميزة في التسلسل الهرمي للدول، ولذلك نجد في السنوات الأخيرة إطلاقاً لبرامج فضائية من قبل دول جديدة لم تكن إلى زمن قريب لاعباً أساسياً في هذا الميدان. وفي هذا الصدد تضاعف الاهتمام العربي بالإنتاج العلمي المتعلق بعلم الفلك، ونخص بالذكر دولاً محددة كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والمملكة المغربية، فهذه الدول حققت في السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً وقفزة مهمة في طريق امتلاك سيادتها على الفضاء الخارجي. وكان إنشاء المراصد والمختبرات إسهاماً بارزاً في خلق دينامية علمية مساعدة على الإنتاج العلمي المتخصص. وكما هو معلوم، يحتاج علم الفلك اليوم إلى آليات وتقنيات حديثة للرصد. وتعتبر دول الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية أكثر الدول العربية قدرة على توسيع قاعدة الاستثمار في علم الفلك وتطبيقاته بأسلوب يمكن الأمة العربية من قاعدة رصدية مهمة وموارد بشرية ذات تكوين رصين في هذا المجال، ولعل الجغرافيا تقضي بأن تكون المملكة العربية السعودية بحكم الإمكانيات والطموحات، قادرة على احتواء المجال الجوي العربي تحقيقاً للسيادة العربية المطلقة على الفضاء الخارجي، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى انتشار عمليات نقل التكنولوجيا الفضائية ونشر المعرفة والمهارات وامتلاك تقنية الأقمار الصناعية وإدارة الأنظمة، وهذا المعطى بالذات، هو ما جعل الحكومات العربية توسع قاعدة الاستثمار في البحث العلمي والتطوير في قطاعات إستراتيجية مثل الطاقة والدفاع وأنشطة الفضاء والأمن السيبراني.
إن تحول الفضاء إلى ميدان للتنافس واستعراض القوة، يجعل الاستعمال العسكري للفضاء ضرورة ملحة لكل دولة أرادت تحقيق السيادة الأمنية في عالمنا المعاصر، وهكذا بدت القدرات المرتبطة بالسيطرة على الفضاء معبراً نحو تحقيق الأهداف الإستراتيجية للدول العظمى، ولذلك يبدو أن المسيرات المتطورة والطائرات النفاثة والقوة الصاروخية الضاربة قد أحدثت ثورة في المجهود الدفاعي ورسخت مفهوم السيطرة على الأجواء في الإستراتيجيات العسكرية المعاصرة، فالتسيير اليومي للأقمار الصناعية التي تعزز المشاريع المدنية أو العسكرية، ومراقبة الفضاء لضمان السيطرة الميدانية، كل ذلك أضحى ضرورياً لتحقيق السيادة على الفضاء الخارجي. كما أن الفضاء تحول إلى مكون أساسي يتغيا استخدامه دعم العمليات أرضاً وبحراً وجواً. إن التحذير المبكر والاستشعار عن بعد، والاتصال السلكي واللاسلكي، والتحكم والسيطرة، كل ذلك يساعد على تحسين التحكم في الفضاء والاستخبار الإستراتيجي المحقق للتفوق الميداني.
وقد انتبهت الدول المتطورة إلى أهمية ترسيخ ثقافة الفضاء علمياً وأدبياً، وشجعت على ظهور مؤلفات علمية وأدبية تعنى بكل ما له صلة بالحياة خارج كوكب الأرض.
وبالنسبة للعالم العربي، من المهم جداً أن نتوقف عن استخدام عبارة عصر الفضاء فيما يتصل بإذاعة بعض البرامج الفضائية أو حتى بإطلاق قمر صناعي عربي، فنحن لم ندخل عصر الفضاء عندما نشتري قمراً من شركة أجنبية ونكلف شركة أجنبية ثانية بإطلاقه ومتابعته، وإذا حدث وتعطل فلن نعرف إلا عندما تخبرنا الشركة الأجنبية بذلك، لأننا ببساطة لم نشارك في تصنيعه، ولو بنسبة ضئيلة. وهكذا تلجأ الدول العربية في الغالب، للحصول على ما تريد، إلى الاستيراد، وفي عالم تقنيات الفضاء لا يصلح هذا الأسلوب مهما بلغت الأموال المنفقة في هذا الصدد، فهذه صناعة لا تشترى، وقد يمكننا شراء قمر صناعي بتكلفة كبيرة، ولكن لا يمكننا شراء أسرار صناعته، وهو ما نريد.
وينعكس هذا الواقع السلبي على إسهام العرب في التأليف العلمي والأدبي المرتبط بالفضاء، فأحسن الكتب في هذا المجال حالياً ليست عربية.

ذو صلة