لطالما نظر الإنسان إلى الفضاء وتمنى في نفسه الأماني فمن الناس من تمنى رؤيته عن قرب ومنهم من تمنى استكشافه ومعرفة أسراره ومنهم من تمنى غزوه وحيازة كنوزه. أما اليوم فكل ذلك أصبح ممكناً بوجه أو بآخر بفضل قفزات علمية كبيرة كان معظمها فيزيائياً معلوماً لدى العديد ولكن غير ممكنة التحقيق لغياب التكنولوجيا التي تترجم النظريات إلى حقيقة.
منذ أوائل القرن العشرين ووصولاً إلى الحروب العالمية صارت التكنولوجيا هدفاً ومطلباً للعديد من الدول حتى كانت الحرب الباردة التي كانت بمثابة قفزة نوعية في وقتٍ وجيز لأحدث التكنولوجيات المستخدمة في غزو الفضاء واستكشاف أسراره الفلكية وإن كان البعض يعتبرها منتجاً ثانوياً لحرب التسلح بين معسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة ومعسكر الشرق بقيادة الاتحاد السوفييتي البائد.
من جهة الفيزياء يعد الفضاء هو كل ما يوجد خارج غلاف الأرض ويعرف عند الفيزيائيين بالمجال ما بين المجرات أو ما بين الكواكب (interstellar space) وهو مجال المجرات والأقمار والنجوم وكل منها يسبح في فلكه المحدد.
من أولى الخطوات وأهمّها في فهم الفضاء واستكشافه الشروع في تحديد هذه المسارات والأفلاك بدقة الرياضيات. وفي هذا الخصوص يمكن أن نعتبر قانون إسحاق نيوتن المعروف عن الجاذبية العماد الأساسي لهذه المهمّة، وهو إلى الآن يعتبر من أدق النظريات وصفاً في تحديد مسارات الكواكب والأقمار، والسبب في ذلك هو أنه اعتمد الكتلة كمصدر للقوة الجاذبة، وعليه فإن نفس القوة التي تسقط الأشياء على الأرض هي نفسها التي تجعل القمر يدور حولها وأما مساره وعدم انجذابه كلياً حتى يلتصق بالأرض فهو نتيجة سرعته الأولى التي بها اقترب من الأرض والحديث عن بقية الكواكب قياس، فالمبدأ نفسه ينطبق على سائر التوازنات بين الكواكب وكل شيء في الكون بميزان.
لكن تكنولوجيات استكشاف الفضاء تواجه تحديات متنوعة: وأول هذه التحديات التكنولوجية كان في تحقيق الفكرة الأساسية التي بها تمكن الإنسان من مغادرة الأرض: ولذلك تساءل المهندسون والفيزيائيون عن إمكانية تمكين الصواريخ من التحرك عكس الجاذبية وبسرعة كبيرة حتى تضمن الخروج من الغلاف الجوي.
وقد وجد العلم في هذا الخصوص خطة علمية ذكية: قوامها الاعتماد على الذكاء الصناعي في توقع ظروف الفضاء الخارجي، فتكنولوجيا أساليب المحاكاة كانت الحل الأنسب والأقل تكلفة، إذ إن جل قوانين الفيزياء ونماذج الميكانيكيات متواجدة فيها ومترابطة فيما بينها لتحديد حجم وسرعة المحركات وحتى مدى قدرتها على تحمل حرارة الاحتكاك بالغلاف الجوي وتحليل الأعطاب وإيجاد البدائل لمسائل كانت عائقاً دون تطوير أكبر وتكلفة أقل.
لتكنلوجيا أساليب المحاكاة مجالات كثيرة وأبرز أساليب المحاكاة في غزو الفضاء ما يعرف بديناميكية السوائل الرقمية (CFD أو Computational Fluid Dynamics) التي أصبحت أبرز الطرق المعتمدة عند الإدارة الوطنية للملاحة الفضائية في الولايات المتحدة المعروفة اختصاراً ناسا NASA. كما أنّ هذه التكنلوجيا واسعة الاستخدام في مراكز الأبحاث ذات الصلة بعلوم الفضاء ومنها مركز البحث الفيدرالي الألماني لعلوم الفضاء والجو، واستخدامه كان مجاله أساساً في تصميم محركات الطائرات والصواريخ التقليدية والحديثة.
تلك المحركات المستخدمة في الصواريخ تعتمد الكهرباء المولدة في البلازما للدفع بالصاروخ إلى مدى أبعد وبسرعة أعلى، أما الصواريخ الحاملة للركاب أو رواد الفضاء عادة فهي تخضع لمعايير سلامة أكثر صرامة ودقة من أي وقت مضى، ولذلك هي تحتاج إلى دراسة أكثر تأنياً. ويمكن أن نلاحظ التركيز على العديد من التجارب والقصد منها هو تحديد مدى تطابقها مع المعايير الدولية لسلامة رواد الفضاء.
ومن العلامات المميزة لهذه التجارب المحددة لديناميكا السوائل في صلتها بغزو الفضاء ما تستهلكه ناسا NASA في كل تجربة إقلاع من كميات مياه وهي في حدود نصف مليون غالون من الماء العذب للحد من شدة الحرارة المنبعثة من محركات الدفع للحفاظ على سلامة المعدات المساعدة على الإقلاع وللحد من موجات الضغط الهائلة المتولدة عن دوران المحركات والحرارة أيضاً.
وقد استعملت أساليب المحاكاة أيضاً للحد من عدد التجارب عن طريق تصميم نماذج رقمية دقيقة لمحاكاة الإقلاع وتصميم معايير السلامة دون اللجوء إلى التجارب التي أصبحت عبئاً على NASA في توفير كمية المياه العذبة الهائلة في ظل نقص الموارد وتغير المناخ وتبعات هذا التغيير على البيئة التي تتم فيها عمليات الانطلاق والاستكشاف.
إن غزو الفضاء لم يعد مجرد حركة فيزيائية تتم في فضاء كوكب الأرض خروجاً إلى فضاء أرحب، بل أصبح أساساً عملية انتقال رقمي من تكنولوجيات تقليدية إلى تكنولوجيات رقمية شديدة التطور والتأثر بمجالات الذكاء الصناعي، ولذلك تلعب العلوم الهندسية والصحيحة دوراً مركزياً في غزو الفضاء، لأن الفضاء نرحل إليه بالعقل أولاً ثم بأجسام الرواد، فالقياسات الدقيقة والتصاميم الحاسوبية المحاكية للواقع هي التي تجعل الرحلة إلى الفضاء يوماً بعد يوم خطوة إنسانية راسخة لاستكشاف الكون وإثبات وجود هذا الكائن الذي علمه الله الأسماء كلها وفتح له مجال استكشاف الطبيعة بالاعتماد على سلاحه الجبار، الذكاء الصناعي المنبثق عن ذكاء طبيعي يختزنه عقل الإنسان.