والعجب أنه ذهب بتوصية من آبا إيبان! الذي ترجم بعض روايات توفيق الحكيم الأولى، حين كان يعمل في القاهرة ضابط اتصال بين المستعمر البريطاني، والجماعات اليهودية في العالم العربي، استعداداً لتهجيرها إلى إسرائيل، قبل توليه منصب وزير خارجية الدولة العبرية.
وحسن محمد توفيق ظاظا، عالم مصري، من أشهر المختصين في اللغة العربية واللغات السامية، ولد عام 1919، وتوفي عام 1999م، تخرج في جامعة القاهرة بليسانس في اللغة العربية واللغات السامية عام 1941م، وحصل على الماجستير في الأدب العبري والفكر اليهودي من الجامعة العبرية بالقدس في فلسطين عام 1944، نال دكتوراه الدولة في الآداب من السوربون بجامعة باريس، بدرجة الشرف الأولى عام 1958، ومن أعماله: اللسان والإنسان، الساميون ولغاتهم، كلام العرب، الفكر الديني اليهودي، الشخصية الإسرائيلية، أبحاث في الفكر اليهودي.
وقد حل في الرياض أستاذاً في جامعتها -منتصف السبعينات الميلادية- مع نخبة مختارة من الأكاديميين المصريين، شرفت بأن أتتلمذ على أيديهم، وكان حظي أن أحضر محاضراته في فقه اللغة، وإذ شدتني ثقافته الموسوعية المبهرة طلبت منه سنة 1983، أثناء عملي مشرفاً على إصدار جريدة الرياض الثقافي (الرياض الأسبوعي) أن يطل على تلامذته وعارفيه بمقالة أسبوعية.
تلكأ أول الأمر متذرعاً، بأنه لم يعتد الكتابة إلى الصحف، ولعله تحفز للكتابة وأنا أتعهد له بصرف مكافأة مجزية، وهذا ما تم حيث لم يتوقف بعدها مع توقف الإصدار الأسبوعي، مستمراً بما سميته مداعباً في إرسال (صك) مقاله (الكشكول) الذي اعتاد تقديمه ملفوفاً للنشر كل خميس في جريدة الرياض.
وقد راق له العمل في الجامعة، والحياة في مجتمع الرياض، رغم اقترانه بفرنسية، وقد حظي لأريحيته وظرفه، بشبكة هائلة من العلاقات العامة، تقدمها صديقنا المفكر د.راشد المبارك، الذي رعاه حق الرعاية حتى أخريات حياته، حيث توفي في المدينة التي أحبها، ودفن في مقبرة (النسيم) في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 1419 هجرية 1999م.
الأصل والنشأة
سألته مع بداية الحوار حيث قلت: دكتور حسن، نحن نعلم -أنا شخصيّاً في الأقل وبعض الأصدقاء- أنك من أرومة كردية، وقد كان أبوك وجدك أو جدك بالأحرى كرديّاً صارماً وله موقف مع الخديوي، من هنا نريد أن نتعرف على فسيفساء المجتمع المصري والتركيبة الإثنية الموجودة في هذا المجتمع الذي احتضن العديد من الإثنيات والعناصر القومية.
أجابني قائلاً: يحار اللبيب في الأثنولوجيا المصرية، لأنها مجموعة من أعراق وعناصر تبدأ من خط الاستواء وتنتهي قرب القطب الشمالي، فيها الأكراد الذين هم ظاظا، وهم قبيلة كردية تقيم وما زالت في تركيا إلى الآن ويناصبها الأتراك العداء. وفيهم -أيضاً- من قبط مصر الذين أسلم منهم عدد كبير جدّاً. وفيهم النوبيون القادمون من جنوب مصر أو حتى من جنوب وادي النيل، وهم عدد كبير جدّاً، وفيهم المغاربة كثير جدّاً، وكانوا عند أول مجيئهم خصوصاً بعد الاحتلال الفرنسي للشمال الأفريقي يقيمون في أحياء خاصة بهم، منها حارة المغاربة في الإسكندرية، وحارة الفحامين في القاهرة، إنما مع طول الإقامة ومع الاختلاط بالشعب المصري اندمجوا وأصبحوا جزءاً لا يتجزَّأ من المصريين، وأصبحوا مصريين وجزءاً لا يتجزّأ من هذه التركيبة الإثنية للشعب المصري.
وعن نشأته وولادته يقول: أنا ولدت في شهر 6 عام 1919، في حي الدرب الأحمر القريب جدّاً من حي الأزهر، وفي غرفة كان ينالها رصاص الإنجليز من ثلاثة أركان لأن الركن الرابع كان متصلاً بغرفة أخرى، ولدت في وسط أزيز الرصاص، وفي وسط غطرسة المستعمر في مصر، بعد هذا كان جدي -رحمة الله عليه- قد نذر إن ولدت ابنته -وهي أمي- ولداً أن يدخل الأزهر، وفُرض عليَّ هذا النذر، فأرسلت إلى الكتّاب لأحفظ القرآن، وحفظته فعلاً، وكان معلمي هناك هو الشيخ محمد شلبي، وهو جد الصديق والناقد الكبير الدكتور شكري عيّاد، وكان يساعده ابنه الشيخ عبدالفتاح شلبي الذي اشتهر بعد ذلك فأصبح نقيب شعراء الشعب في مصر، ونشرت له وزارة الثقافة عملاً جليلاً جدّاً هو كتابه (السيرة النبوية) بالزجل. بعد هذا دخلت المدرسة، وكان جدي قد اختلف مع أبي في مسائل تربيتي، حيث كان مقرراً أن أدخل القسم الابتدائي في الأزهر، فأدخلني أبي المدرسة الابتدائية الحكومية في التعليم المدني، وكانت الصعوبة الكبيرة هي اللغة الإنجليزية، لأن الأزهر لا يدرس اللغة الإنجليزية، وكنت أعدّ نفسي للأزهر، فكان في استعدادي الداخلي عدم الاكتراث بمعرفة لغة أجنبية، ومن سخرية المقادير أن قضي عليَّ بعد هذا أن أتعلم وأن أقرأ وأن أكتب بأكثر من لغة أجنبية، فهذا شيء من قبيل: وتقدرون فتضحكُ الأقدار.
وكما هو معروف أن الدكتور حسن ظاظا هو خلاصة لبعض الجينات المتناقضة، جينات جده الذي كان جادّاً وحاسماً وشخصية والده الذي كان ميّالاً لأن يكون فنّاناً بسيطاً! وخلاصة القول إن شخصيته تجمع هذه المفارقات عبر تخصّصه الدقيق في دراسة اللغات، واللغات السامية والعبرية تحديداً، واهتمامه بالفن التشكيلي مثلاً والآداب والشعر!
المحطة الجامعية
يقول حسن ظاظا في سياق حديثه: جامعة القاهرة في ذلك الزمن كان من يدخلها يجد فرصة يظل طول حياته يُحسد عليها، وعندما دخلتها كان أساتذة التاريخ والفلسفة والأدب من الأسماء اللامعة، فكان طه حسين للأدب والنقد الأدبي، وأحمد أمين للتاريخ والأدب العباسي وتاريخ الحضارة العربية، والشيخ مصطفى عبدالرازق للفكر والفلسفة الإسلاميين، والدكتور عبدالوهاب عزّام للأدب المقارن الفارسي والعربي، ولطفي السيد باشا كان مدير الجامعة في ذلك الوقت، وكان كثير التجوّل في كليات الجامعة وخصوصاً كلية الآداب بالذات، وكان يحلو له أحياناً أن يظهر فجأة في وقت الامتحان الشفوي في اللغة العربية أو في الفلسفة الإسلامية.
الاستشراق والمستشرقون
يرى الدكتور حسن ظاظا: أن المستشرق واحد من ثلاثة: إما جاسوس، وإما مبشّر بدين آخر غير الإسلام، وإما رجل محب للعلم فعلاً. هؤلاء الثلاثة موجودون بكثرة في الدول النامية أو الدول التي كانت نائمة وليست نامية في هذا الوقت، كان هؤلاء الثلاثة ممثلين في مصر، مثلاً اثنين من المستشرقين يهود وهما أوغست ميلر وجولد سيهر صاحب التآليف الشهيرة عن الفقه والشريعة الإسلامية وتاريخ القرآن وأشياء كثيرة، والثاني هو ناشر أدق نشره عن مخطوط كتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، وهما جاءا حبّاً في العلم حقيقة، وكانا يهوديين نمساويين أو بلغاريين، وما كان لدولهما مصالح استعمارية في مصر أبداً، لكنهما كانا ذكيين دخلا مصر فلبسا الثوب والعباءة والعمامة وتقدَّما وسجّلا نفسيهما طالبين في الأزهر ومسلمين من ألبانيا والبوسنة أو من الجهات هذه، وواحد منهما الذي هو جولد سيهر سمّى نفسه الشيخ إسحاق الزركشي. و(جولد سيهر) بالألمانية معناها المذّهب المزركش بالذهب، فترجم اسمه إلى الشيخ إسحاق الزركشي. ومولر تقدّم وسمّى نفسه الشيخ امرؤ القيس بن الطحان، لأن (مولر) تعني طحّاناً بالألمانية، وامرؤ القيس (أوغست) أي القوي الشديد. وميلر وهو طالب في الأزهر حقّق كتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة وطبعه في حي الأزهر بالقاهرة. وقال: وقف على طبعه وتصحيحه الفقير إلى الله المنان امرؤ القيس بن الطحان، الذي هو أوغست ميلر، والطبعة موجودة في الأيدي إلى الآن، وهي نادرة، ولكنها موجودة.
وحول اتهام رموز الثقافة العربية بأنهم تلامذة المستشرقين يوضح حسن ظاظا: أن الاستشراق نبش عن كنوز الثقافة الإسلامية، وعندما يأتينا مستشرق مسيحي ويترجم المعلقات ويكتب مقدمة مثلاً، وفي هذه المقدمة كلام لا يعجبني لأنه لا يعيش معيشتي ولم يعتقد اعتقادي ولا دخل في نظام اجتماعي مثل نظامي، فهذا معذور، وليس في ذلك شيء مريب، لكن بعضهم يخطئ عمداً، وهؤلاء عندما يكتبون في السيرة النبوية -مثلاً- أو في نزول القرآن أو غير ذلك، مثل مرجوليوث ومنهم كازمسكي وهو مستشرق يهودي يجيد العربية والعبرية والفارسية، وكان يشغل كبير كتّاب السفارة الفرنسية في طهران، فالرجل ترجم القرآن ترجمة بديعة جدّاً، إنما ما كتبه عن الإسلام هي كتابة متعصّب، مع أنه عاش سنين طويلة في المجتمع الإسلامي في طهران، لكن كانت كتابته كتابة متعصب أو كتابة منبوذ، يعني لم يستطع أن يدخل في صميم المجتمع الإسلامي جيداً. وتجد -مثلاً- وستنفلد عند الألمان، وهو لغوي في اللغة العربية، وله أيضاً دراسات في الإسلام، وهي دراسات عميقة جدّاً ومؤلفات كبيرة، إنما لا يخلو من تحامل تشعر فيه أنه تحامل الاستعماري على المرشّح للاستعمار، وهذا واضح جدّاً في كتاباته، أو مثل هنري جلاند الفرنسي الذي ترجم القرآن قديماً، وحاول أن يترجم ألف ليلة وليلة إلى آخره، فهذا الرجل كان مستشرقاً لكنه كان استعماريّاً وصليبيّاً، والنموذج الإسلامي أمامه هو السلطان عثمان، وبقية المسلمين غير داخلين في حسابه، والسبب في ذلك أن السلطان العثماني كان بينه وبين أوروبا كلها معارك ومواقع وخلافات رهيبة جدّاً.
العبرية واللغات السامية
يوضح حسن ظاظا في سياق حديثه حول اهتمامه باللغات السامية قائلاً: سبب اختياري للغة العبرية والسريانية أن القائمين بها كانوا قلة جدّاً، كانوا اثنين فقط، واحد يدرس العبرية وهو بول كراوس، والثاني يوسف شخط ويدرس السريانية فقط، وأنا في نزعة معينة نحو الاختلاف، فقلت: أنضم إلى الطلاب القليلين، فكان عددنا في هذه الشعبة أربعة طلاب، وكنا كأننا أسرة مع الأساتذة، وكان عدد الآخرين أكثر من خمسين طالباً في هذا الوقت، فاهتممت بالعبرية والسريانية اهتماماً جيداً جدّاً، ووجدت في الأدب السرياني بالذات شعراً ونثراً كثيرين، وفيما وجدت من الأشياء التي تقرأ عندهم ترجمة سريانية قديمة لـ(كليلة ودمنة) مثلاً، وترجمات لشعراء كثيرين جدّاً هم من أروع الشعراء الذين يمكن أن نقرأ لهم، مثل يعقوب السروجي، ومار أفريم، وعبد يشوع الصوباوي، ولأبي الفرج بن العبري قصيدة بالسريانية اسمها قصيدة الحكمة، وهي في غاية الجمال، طبعت في روما قديماً. إلى جانب أن اللغة العبرية ما كنا نقرأ فيها إلَّا التوراة، وهي الكتاب القديم الذي يؤمن به اليهود، فكنا نجد تشابهاً بين ما نقرأ فيها وما نقرؤه في القرآن الكريم، مثل قصة يوسف، وقصة الطوفان، وقصة خلق العالم، وقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، كل هذا موجود فيها، ومتى ما وُضِعْنَا على طرف الخيط نكون قد عرفنا كيف نتصرّف.
وعن بعثته يقول حسن ظاظا: كانت البعثة قبل قيام الدولة اليهودية بزمن، لأن الإنجليز كانوا قد وضعوا يدهم على أولوية استخدام خطوط المواصلات بالسكة الحديد في مصر، حيث كان هناك حوالي مليون جندي تحت الراية البريطانية لمواجهة رومل في العلمين، فكل هؤلاء احتاجوا إلى نوع من القوانين المقيِّدة جدّاً للتنقل، فالطلاب الذين كانوا يذهبون لجامعة القاهرة ويأتون من الأرياف يجدون صعوبات شديدة من أجل مكان في القطار، لأنه كان محجوزاً من قبل الإنجليز، أو هناك مقاعد معدودة للمصريين، ففكرت الحكومة المصرية في افتتاح جامعة في الإسكندرية لتخفيف الضغط على المواصلات الذاهبة إلى القاهرة، وكتب طه حسين في هذا الوقت إلى الملك فاروق وعرض عليه الفكرة، فقال له الملك: إنه موافق بشرط أن يكون هناك مدرّس لكل مادة تدرس في الإسكندرية بدون احتياج إلى تنقلات وذهاب وإياب بين القاهرة والإسكندرية للانتداب، فوجد كل شيء إلَّا مدرس اللغة العبرية، فأرادوا أن يحدّدوا هذا، فسأل كراوس، فأجابه أنه مشغول وكذا، فقال له: إذن نعيّن ولو معيداً، فقال له: عيّن حسن ظاظا، ولكن كان عنده شخص ثانٍ من المقربين إليه، اسمه دكتور إسماعيل معتوق رحمة الله عليه، وكان عضواً في مجلس الشعب، وكان في التنظيمات الناصرية كلها بعد سقوط الملكية في مصر، فقال له: نعيّن إسماعيل معتوق، فقال له كراوس: إذا عيّنت فعيّن من تشاء، لكن إذا كان المعيّن غير حسن ظاظا فأنا غير مستعد للتعاون معكم، لأن هذا تلميذي وأنا أعرف ماذا درس، وأعرف حدود طاقاته وكذا، فقال له: طيب، بعد ذلك كيف نستطيع أن نتيح له أن يتم دراسته في تخصّصه، والغرب كله أوروبا وأمريكا مغلقة، وتعليم هذه اللغات غير متوفر لدينا؟ فقال له: أرسله إلى الجامعة العبرية. فراقت الفكرة لطه حسين، وكتب إلى وزارة المعارف بذلك، وردت الوزارة بأن هذا مستحيل، لأن فلسطين ليست من البلاد المدرجة على أسماء الجهات العلمية التي تُرسل إليها بعثات، فأعطاني هو مكافأة من الجامعة لمدة ستة أشهر أذهب فيها إلى فلسطين وأرى كيف أستطيع أن أدرس هناك ثم أعود بعد ذلك ويرى بعدها، فذهبت أطلب التأشيرة من القنصلية البريطانية التي هي كانت منتدبة لحكم فلسطين، فقال القنصل البريطاني: لا بد أن تأخذ إذناً من المنسق العسكري للقوات المتحالفة، وذهبت فوجدت نفسي أمام آبا إيبان (الذي أصبح فيما بعد وزير خارجية إسرائيل)، وكان مكتبه في القاهرة في شارع القصر العيني، وهو ضابط الاتصال بين الإنجليز والمتطوعين اليهود الذين جاؤوا من بولندا ومن كل هذه الجهات، وأنا لم أكن أعرف أنه يهودي أبداً، فذهبت وحييته بالإنجليزية فرد بالإنجليزية، وبعدها قدّمت الأوراق، فقال: أنت تريد أن تتعلّم في الجامعة العبرية؟ فقلت: نعم، قال: هل تحب اليهود أم تكرههم؟ لم يعجبني السؤال، فقلت: والله، أنا لا أعرفهم بعدُ، لكنني سأذهب وأقيم ستة أشهر وبعدها اسألني عندما أرجع عن انطباعي، إن كانوا أناساً طيبين فأشهد لك شهادة طيبة، وإن كانوا أناساً أراذل فأقول لك الحقيقة. فضحك وقال: ستسرُّ جدّاً، ثم قال لي: أنا يهودي، وأنا مدرس في الجامعة العبرية في قسم التاريخ، وعندك هناك فلان الذي هو مسجل الكلية، اقصده وقل له: التقيت آبا إيبان، وهو يسلم عليك، ويقول لك: اعتنِ بأمري.
الجامعة العبرية
يخبرنا حسن ظاظا أن الجامعة العبرية أنشئت سنة 1924م، وعن ظروف نشأتها هي إنشاء الوكالة اليهودية في فلسطين بعد إعلان وعد بلفور وبعد احتلال بريطانيا لفلسطين على يد قوات من المتطوعين اليهود، وحتى المتطوعين المصريين فقد جمعوا من مصر بقيادة اللورد ألمبي، الذي كان هو قائد القوات البريطانية في مصر، وعبروا الحدود، وكان فيهم مجموعة من مشاهير الصهاينة، منهم جابوتينسكي الذي كان أستاذاً لمناحين بيجن، ومنهم ترومبلدور، وهو كان عقيداً عسكريّاً روسيّاً، له مواقع كثيرة جدّاً، وفقد إحدى ذراعيه في معركة روسية، فكان العرب في فلسطين يسمّونه (أبو ذراع).
ويضيف قائلاً: كان العصر الذهبي للجامعة العبرية في هذا الوقت، فالأسماء التي ما زلنا نسمع عنها الآن درّست في الجامعة العبرية بسبب أنهم فوجئوا بالنازية وبهتلر فكان أقرب مكان يهربون إليه هو تل أبيب، فالذهاب إلى أمريكا كان صعباً وإنجلترا كانت لا تقبل الهجرة إليها، وفي تل أبيب كانت الوكالة اليهودية التي ترحب بكل هؤلاء، فوصل هناك جوتهولد فايل وهو مستشرق كبير جدّاً وهو الذي قام بنشر (الإنصاف في مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين)، وكان متبحّراً في الأدب التركي أيضاً، وقابلته هناك، وكان حينها كبيراً في السن، وكذلك جونتاين، وبانيت، وبراون، ماير، كل هؤلاء.
وكان المدير السياسي للجامعة البروفسور ماغنيس، وهذا كان مليونيراً أمريكيّاً كبيراً جدّاً، وتزوج ابنته هنري كسنجر، فنانسي كسنجر هي بنت البروفسور ماغنيس، وكانت تقال عنه أشياء في نظامنا لا نكاد نصدقها، مثلاً عندما يجد في سنة من السنين ميزانية الجامعة ناقصة مليون دولار مثلاً فإنه يتبرع بها من جيبه الخاص، وكان لا يتقاضى راتباً عن إدارة الجامعة السياسية.
الدراسة في فرنسا
كانت رحلة حسن ظاظا إلى فرنسا بناءً على اقتراح من الدكتور عبدالرزاق السنهوري وزير المعارف وقتذاك، الذي رفض أن يعترف بشهادة الماجستير التي حصل عليها من جامعة القدس، في الوقت الذي عاد فيه إلى القاهرة كانت جامعة الدول العربية قد بدأت تؤسّس نفسها ودورها محاربة العدو الصهيوني والمحافظة على الأمن القومي العربي.
ويرى الدكتور ظاظا أنه مدين إلى الأستاذ إدوارد دورم، وهو أستاذ فرنسي غزير التأليف جدّاً، كان يدرس العبرية القديمة في معهد الدراسات العليا في السوربون، وقد ذهب إلى فرنسا لدراسة النحو العبري، وهناك تزوّج من فرنسية كاثوليكية وليست يهودية، وقد أنجب منها مالكاً وزينب.
الحديث مع الدكتور حسن ظاظا تشعب لكونه عالماً موسوعياً، إضافة إلى تخصصه بالدراسات السامية، حيث تطرق للحديث عن تاريخ اليهود وهجراتهم، وعلاقاتهم بالحضارات القديمة، مستشهداً بما ورد بالتوراة، منوهاً بتسامح العرب والمسلمين مع اليهود، وطبيعتهم بنكث الوعد من ضمن ذلك محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين، وتحدث عن طوائفهم مشيراً إلى الإسرائيليات، والتي يدور محورها حول أفضلية بني إسرائيل على أمم العالم كله، وأنهم يُكتب لهم النصر في الأول، وإذا ضربت عليهم الذلة والمسكنة فهذا إلى أجل محدّد ثم ينتصرون في النهاية.
وتحدث الدكتور ظاظا إلى ثقافة اليهود واللغة التي يكتبون بها، وامتد الحوار للحديث عن اليهود العرب وكيفية ترحيلهم وتسهيل تهريب أموالهم، لينتهي الحديث عن الصورة النمطية للشخصية اليهودية.