العنوان الأصلي للمقال*
The Man From the Future- Recounts the Life of a Restless Genius
يروي أنانيو بهاتاشاريا Ananyo Bhattacharya قصة رجل لعب دوراً أساسياً في تطوير ميكانيكا الكم والحوسبة والقنبلة الذرية في روايته (رجل من المستقبل) The Man From the Future
كان عالم الرياضيات جون فون نيومان عبقرياً ولا يمكن إنكار ذلك، بصفته مؤلفاً مشاركاً لأحد الكتب المدرسية الأولى عن نظرية الألعاب، فقد اتبع نهجاً تحليلياً رائعاً لمجموعة من المواقف التي تضمنت الخداع في لعبة البوكر وتوقع الإبادة النووية.
ومع ذلك، لم يدع فون نيومان فهمه العميق للفيزياء والتفكير العقلاني يعيقان طريق شيء آخر كان من الواضح أنه مهم جداً بالنسبة له: حب قيادة السيارات، رغم اعترافه المبهج والساخر بأنه كان سيئاً فيها لأقصى درجة.
بعد مغادرة أوروبا في عام 1933، من أجل حياة العلم في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون، نيوجيرسي، فشل فون نيومان في اختبار قيادة السيارات مرات عديدة لدرجة أنه اضطر إلى رشوة الفاحص للحصول على رخصته. كل عام وجد ذريعة لشراء سيارة جديدة، ويفضل أن تكون ضخمة ككاديلاك. كان سيبدأ في التحدث إلى أصدقائه المتشككين في قدرته على القيادة «كنت أسير على الطريق» عندما تذكر حادثاً آخر من حوادثه، «كانت الأشجار على اليمين تمر بي بطريقة منظمة بسرعة 60 ميلاً في الساعة، وفجأة خطا أحدهم في طريقي، فسمعت دوياً!».
هذه واحدة من العديد من الحكايات الحية التي تم سردها في الرواية، والتي تقدم نفسها على أنها سيرة ذاتية لفون نيومان، ولكنها أكثر تكريساً لاستكشاف الأفكار والطروحات التكنلوجية التي قدمها.
كتب بهاتاشاريا «المساهمات الرياضية التي قدمها فون نيومان في منتصف القرن العشرين والتي تثير الدهشة بمرور الأعوام»، وربما هذا يعبر عن العنوان الممتاز لهذا الكتاب، «تفكير نيومان وثيق الصلة بالتحديات التي نواجهها اليوم لدرجة أنه من المغري التساؤل عما إذا كان مسافراً عبر الزمن، حيث يبذر بهدوء الأفكار التي كان يعلم أنها ستكون ضرورية لتشكيل مستقبل الأرض».
عندما كان فون نيومان على قيد الحياة، قبل أن يتم اختبار تأثير أفكاره بالكامل، لم يميزه تألقه كمسافر عبر الزمن، ولكن ككائن فضائي -أحد ما يسمى بسكان المريخ-، وهو لقب أُطلق على المهاجرين من اليهود المجريين، بما في ذلك إدوارد تيلر، الذي عمل في مشروع القنبلة الذرية السرية في لوس ألاموس.
بطبيعة الحال، جاء فون نيومان الملهم فكرياً بنظرياته الخاصة حول «الظاهرة المجرية»، (المصطلح المختصر للإنجازات العلمية لفون نيومان ومواطنيه)، وقرر أن لها علاقة بالمزيج النمساوي المجري من الليبرالية والإقطاع الذي سمح لليهود ببعض سبل النجاح مع إبعادهم عن مناصب السلطة الحقيقية. قال فون نيومان إن هذا أثار «شعوراً بانعدام الأمن الشديد»، مما جعله ورفاقه المريخيين يعتقدون أنهم بحاجة إلى «إنتاج ما هو غير عادي أو مواجهة الانقراض».
كان رأيه هذا تقييماً قاتماً واستبطانياً من شخص ربما توقع الحرب العالمية الثانية في أوروبا، ولكن يُذكَر أيضاً باعتباره «رجلاً مبتهجاً ومتفائلاً يحب المال ويؤمن بشدة بالتقدم البشري»، على حد تعبير أحد أصدقائه مدى الحياة.
بهاتاشاريا، صحفي علمي حاصل أيضاً على درجة الدكتوراه في الفيزياء، لا يتعمق كثيراً في هذه التناقضات الظاهرة في شخصية نيومان. نتعرف من خلال استعراض سريع لحياة فون نيومان عبر العقود الثلاثة الأولى من حياته أنه ولد في بودابست عام 1903، وكان معجزة في الرياضيات عاش حياة مميزة في الغالب قبل أن يصل إلى برينستون، حيث سرعان ما انطلق تأثيره في العالم الحقيقي.
نشأ فون نيومان عندما لم تكن الرياضيات تعتبر مهنة (عملية). درس الكيمياء أيضاً، كرشوة لوالده المصرفي الاستثماري -كانت الأعمال المصرفية قد أصبحت مجالاً خاضعاً للرياضيات-.
بعد وصوله إلى الولايات المتحدة، أمضى ما يقرب من ربع قرن في معهد الدراسات المتقدمة، حيث كان من بين جيران مكتبه ألبرت آينشتاين وكورت جودل من نيوجيرسي، كان فون نيومان يسافر عبر البلاد للتدريس والاستشارات، وبالأخص في لوس ألاموس.
يقتبس بهاتاشاريا من تقرير وضعه فون نيومان للبحرية الأمريكية، يوضح بالتفصيل كيف أن (زاوية السقوط) يمكن أن تجعل انفجار القنبلة أكثر تدميراً. ربما تم كتابة التقرير لجمهور عسكري، لكن يبدو أن فون نيومان متحمس للغاية بسبب منطقه الخاص لدرجة أنه يلجأ إلى علامات التعجب.
يُظهر بهاتاشاريا كيف أكسبت هذه المعاملة الصريحة بلا خجل (للأمور المشحونة أخلاقياً) فون نيومان سمعة الصقور، كما فعل في موقفه الداعم لمنطق (الحرب الوقائية). لقد دعا إلى القضاء على الترسانة النووية للاتحاد السوفييتي بهجوم مفاجئ «إذا قلت لماذا لا تقصفهم غداً، أقول لم لا تفعل ذلك اليوم؟» وهو الموقف الذي تراجع عنه لاحقاً، ومع ذلك، يقول بهاتاشاريا أيضاً إن فون نيومان، بصفته شخصاً كان «وسط أوروبا حتى النخاع»، يعتقد أن الناس سيعملون معاً من أجل مصلحتهم المتبادلة، والتي كانت جزءاً لا يتجزأ من مقاربته لنظرية الألعاب. إذن من كان نيومان حقاً؟ هل هو ينتمي إلى أوروبا الوسطى المتفائلة أم المحارب البارد العنيد؟
لقد كان، على حد تعبير بهاتاشاريا، «شخصية معقدة»، تحفل الرواية بلمحات محيرة من الغرابة والتعقيد البشريين، ولكن يبدو أحياناً أنها تركز بشدة على تفسير ذلك المستقبل، في سرده مصير أفكار فون نيومان بعد وفاته بفترة طويلة، بسبب السرطان، في عام 1957، لدرجة أن الرجل نفسه توارى عن الأنظار.
المهارة التي يناقش بها بهاتاشاريا المفاهيم العلمية الكثيفة جعلتني أشعر بالتناقض، من ناحية يصف شخصية نيومان الرائعة التي تمنيت أن أعرفها أكثر، ومن ناحية أخرى، يركز باهتمام شديد على طريقة تفكير دماغ شخص، لاحظت ابنته ذات مرة أن «حب والدي الأول في الحياة هو التفكير».
إلى جانب ذلك، ربما وافق فون نيومان، الملهم القلِق دوماً، على طريقة كاتب سيرته الذي يصفه بأنه :«مشغول بالعديد من الأشياء الأخرى، كان يتنقل، ويحاضر لمدة ساعة أو ساعتين حول الروابط بين المعلومات والقصور الحراري أو دوائر التفكير المنطقي، ثم ينطلق مرة أخرى، تاركاً الحاضرين في حيرة من أمرهم لمناقشة الآثار المترتبة على كل ما قاله لبقية فترة ما بعد الظهر».
* نُشِر المقال بتاريخ 23 فبراير 2022، في نيويورك تايمز على هذا الرابط:
https://www.nytimes.com/2022/02/23/books/review-man-from-future-john-von-neumann-ananyo-bhattacharya.html