مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

إيلون ماسك والرعب الشديد من حرية التعبير

ها قد فعلها! استحوذ أغنى رجل في العالم على تويتر. ووَضَعَ بُعبُع الليبراليين (غير الليبراليين) يديه على وسائل الإعلام الاجتماعي. إنها بداية الانهيار. إذا أرهفت السمع إلى الواعين بالظلم الاجتماعي، فسيُغفر لكَ الظن بأن أبواب الجحيم فُتحت على مصاريعها، وأنّ كل أشكال الشر والتجديف ستُطلَق عليكَ الآن. من الممكن أن يصبح موقع تويتر (منصة لخطاب الكراهية)، حسبما صرَّح منفذ إعلامي مؤخراً. إنه من المدهش حقاً كيف أن كثيراً من الناس يخشون الحرية.
لقد لمَّحَ إيلون ماسك إلى استحواذه على تويتر بتلاعب لفظي إذ غرَّدَ قائلاً: (بصدد الدخول إلى المقر الرئيس لشركة تويتر الآن، لنستوعب تداعيات ذلك!)، وأرفقَ بتغريدته مقطع فيديو له وبحوزته حوض غسيل -حرفياً- داخل أروقة تويتر. غير أن عشاق موقع تويتر ليسوا بحاجة إلى نِكات ثري مهووس بالتقنية ليستوعبوا استحواذ ماسك على تويتر. فالتوقعات المرعبة لمنصة تواصل اجتماعي يديرها ماسك، ولمقدار أكبر قليلاً من الحرية على شبكة الإنترنت، وللسماح للنساء بالاتصال بالرجال، ولترامب بأن يُطلق العنان لتغريداته النارية استوعبتها عقولنا منذ أن أُعلن عن هذا الخبر منذ بضعة أشهر. من الممكن أن يصبح تويتر (بالوعة لخطاب الكراهية والمعلومات المُضلِّلَة)، هكذا شكا كاتب في صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية في أبريل الماضي.
الطائر يخرج من قفصه أخيراً
وغرَّدَ ماسك بعد عملية استحواذه على الشركة التي بلغت قيمتها 44 مليار دولار قائلاً: (خرج الطائر من قفصه أخيراً). ويُقال إنه بدأ يتخلص من الحرس القديم في الشركة. ومن الواضح أن المدير التنفيذي باراغ أغراوال أُقيل، فضلاً عن مسؤولين تنفيذيين آخرين. ورغم أنه أوضحَ بما لا يدع مجالاً للشك أنه ليس مستبداً فيما يختص بحريَّة التعبير -إذ لا يمكن أن يتحول تويتر إلى جحيم مجانيّ للجميع، كما قال في السابق- ما زال كارهو الحرية مذعورين. فقد صرَّحَ كاتب مذعور في مجلة (ذا نيو ريببلك) الأمريكية مؤخراً بأنّ فكرة ماسك عن (حرية التعبير) ستساعده على (تدمير أمريكا).
إن أكثر ما يميز ماسك وصفقة تويتر ردة الفعل الجنونية لتلك الصفقة. فماسك نفسه لن يستعيد وحده حرية التعبير التي ناضلنا كثيراً للحصول عليها. وسيتطلب الأمر أكثر من مغامرات إلكترونية لملياردير مُعارِض من أجل التصدي لموجة الرقابة والحذف والإذلال العلنيّ لأصحاب الأفكار التي تسير ضد التيار السائد، تلك الموجة التي أمست سمة أساسية ومرعبة للحياة السياسية الإنجليزية والأمريكية. ومن (المهم لمستقبل الحضارة أن تكون هناك ساحة رقمية مشتركة يمكن فيها مناقشة مجموعة كبيرة من المعتقدات بطريقة صحيَّة دون اللجوء إلى العنف)، هكذا قال ماسك في ملاحظته التي طمأن فيها الجهات المُعلِنَة مؤخراً.
مَن ذا الذي يمكن أن يستاء من هذه الرؤية المُهذَّبَة الليبرالية؟ ومع ذلك، فقد استاء كثيرون. فخوفهم من منصة تويتر التي تفتقر إلى ضابط شديد. فقد جاء في مقالة نُشرت في مجلة (نيو ريبابلك) أن (تويتر دون ضبط للمحتوى يعني تفشي الأكاذيب والمعلومات المُضللة وطغيانها على الحقيقة). لقد قطعنا شوطاً كبيراً منذ دعوة جون ميلتون عام 1644 المُعارِضَة للرقابة على الصحافة إذ قال: (لندع الحقيقة والزيف يتصارعان، فمَن ذا الذي شهدَ الحق يُقهر في صِدام حر وصريح مع الزيف؟) هكذا يظن الواعون بالمظالم الاجتماعية. ففي نظرهم، سيشوش الزيف دائماً على الحقيقة. ليتهم يعلمون إلى أي مدى يثبت ذلك تزعزع إيمانهم بالبشرية وتداعي الثقة في عموم الناس وقدرتنا على عقلنة الأمور وتحري الخير.
شمس النازية توشك على الشروق
على مدار أشهر الآن، دفعت احتمالات أن يُفسَح الطريق قليلاً ليصرح المرء بما يشاء على شبكة الإنترنت النُخبة الواعية أكثر من اللازم بالمظالم الاجتماعية إلى حافة الجنون. قال ماكس بوت من صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية: (إنني مرعوب من أثر استحواذ إيلون ماسك على تويتر على المجتمع والسياسة).
وخلاصة قوله إنه خائف من الحرية. أما جيف جارفيس من جامعة مدينة نيويورك فجاوزَ المدى مُستشهداً بالنازية على أيام هتلر إذ قال: (أشعر اليوم على تويتر وكأنني أعيش الليلة الأخيرة في ملهى ليلي في برلين وقد أوشكت شمس النازية على الشروق).
الرعب من حرية التعبير
وعلق بريندان أونيل، كاتب أمريكي في مقال له بمجلة (سبايكد) الإلكترونية الأمريكية، بقوله: رجاءً، كفاكم هذا الهراء التاريخي. هل يعلم هؤلاء أي شيء عن التاريخ؟ هل يعلمون أن الفاشية لم تكن ليبرالية بالمرة؟ فقد أحرق النازيون الكتب وحظروا الفنون والأحزاب السياسية، وضيقوا الخناق على وسائل الاتصالات كلها. والفكرة الدارجة التي مفادها أن الحرية تسمح للفاشية بالتفشي تحتاج إلى أن نتصدى لها.
وأضاف أونيل: تُطلعنا المساواة بين الحرية والفاشية، والتمتع بقدر أقل قليلاً من إدارة المحتوى على تويتر، واستهداف (القوميين المتعصبين لبيض البشرة الناس والتحرش بهم)، وهي الطريقة التي يرى بها شون كينج المستقبل تحت لواء ماسك، على جوانب أكثر بكثير عن مُهاجمي ماسك مما تطلعنا على ماسك نفسه. فلم يَقُل ماسك شيئاً مثيراً للجدل، ولم يُعرب عن أي وجهة نظر فاشية أو قوميّة متعصبة لبيض البشرة، وإنما بدا مُنفتح الذهن وعليماً بواقع الإنترنت. والخوف من ماسك نفسه هو الظاهرة الكاشفة، فهي تكشف عن كم الذعر الذي تملَّك النخب الجديدة من الحرية.
وتابع أونيل: إن أعداء ماسك يعلنون عن مخاوفهم من (الفاشية) في محاولة يائسة منهم لحماية معتقداتهم الأيديولوجية من المُعارَضة والتوبيخ. وما يشيرون إليه بـ(خطاب الكراهية) و(الأكاذيب) و(تشويه السمعة) على الأغلب هي طريقتنا البديلة في التفكير ليس إلا.
واختتم أونيل مقاله بالقول: (ما زال ترامب مُستبعداً من تويتر وكذلك كثيرون غيره من أصحاب الرأي المُستقل. لقد التصقت آلة رقابية كجمرةٍ خبيثة بشبكة الإنترنت التي كانت في فترة من الفترات حرةً وجذّابة. وإذا فكَّكَ ماسك على الأقل جزءاً من هذه الآلة، فسيكون ذلك إنجازاً رائعاً).

ذو صلة