مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

مقبرة توت عنخ آمون

اتجهت أنظار العالم إلى مصر، منذ 4 نوفمبر 1922م، ولفترة ليست قصيرة، حين اكتشف (هوارد كارتر) ومعاونوه مقبرة الملك توت عنخ آمون (1336-1327ق.م)، بمساعدة مادية من اللورد الإنجليزي (كارنارفون). فقد حازت تلك المقبرة، وحسب خبراء السياحة والآثار، شهرة عالمية لأنها المقبرة الملكية الوحيدة بوادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر والتي تم اكتشاف محتوياتها سليمة وكاملة نسبياً، ومن ثم تُعد مقبرة توت عنخ آمون، التي تحمل الرقم (62)، أيقونة مصرية بديعة ورائعة، ولا يزال اكتشافها أحد أهم الاكتشافات الأثرية.

اهتم بهذا الحدث كثيرون من الكُتّاب والصحفيين، ولم يكن غريباً أن يحتل خبر الاكتشاف العناوين الرئيسة في الصحف المصرية، وعدد من كبريات الصحف العالمية، حيث صاحب ذلك الاكتشاف ظهور التحف الذهبية وغيرها من القطع الفاخرة التي اُكتشفت بالمقبرة، واستمر هذا الخبر يحتل مساحات كبيرة وأماكن متقدمة في كثير من الجرائد والمجلات.

أعمال أدبية
كان الاكتشاف الأثري العظيم دافعاً قوياً وعاملاً أساسياً لإنتاج أعمال أدبية بديعة ومتميزة، حيث نشرت جريدة (الأهرام) اليومية، لمؤسسيها سليم وبشارة تقلا، قصيدة شعر نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي (1870-1932م)، تحت عنوان (مفاخر الفراعنة)، وقد سمح شوقي بنشرها في مجلة (المقتطف)، لمؤسسيها فارس نمر ويعقوب صروف، ونشرتها في أول فبراير 1923م.
قالت (المقتطف) إن أحمد بك شوقي قد نظمها (لما اكتشف مدفن الملك توت عنخ آمون أحد الفراعنة الأقدمين وضمنها من الحقائق التاريخية والقواعد العمرانية ما يعلي مقام الشعر).
يقول شوقي في مطلع قصيدته:
قفي يا أخت (يوشع) خبرينا    
أحاديث القرون الغابرينا
وقصي من مصارعهم علينا    
ومن دولاتهم ما تعلمينا
فمثلك من روى الأخبار طرا    
ومن نسب القبائل أجمعينا
نرى لك في السماء خضيب قرن    
ولا نحصي على الأرض الطعينا
وهو يُعبر عن عظمة الفراعنة فيقول في موضع آخر:
مشت بمنارها في الأرض (روما)    
ومن أنوراهم قبست أثينا
ملوك الدهر بالوادي أقاموا    
على وادي الملوك محجبينا
فرب مصفد منهم وكانت    
تُساق له الملوك مصفدينا
تقيد في التراب بغير قيد    
وحل على جوانبه رهينا

(رعمسيس) ويقظة فرعون
أبدت مجلة (رعمسيس)، لصاحبيها مزي تادرس وكيرلس تادرس، اهتماماً واضحاً بالكشف الأثري الجديد، تحت عنوان (يقظة فرعون)، الجزءان التاسع والعاشر 1923م، نشرت عملاً أدبياً تخيلت فيه أن خُفاشاً -وهو سليل الآلهة المصرية- قد دخل الحجرة التي تضم رفات الملك توت عنخ آمون، وأراد أن يوقظ الملك من رقدة الموت.
يقول الخفاش: «لا أيها العاهل. مولاي تيقظ. أفق أيها المليك لقد ذكر في ورقة البردي التي يحتويها الغشاء السابع عن يمين الأساور التي تزين ساعدك- ذاكرتك تنتبه من رقدتك عندما ترفع اللفائف عن جبهتك. وقد جئت لكي أحل الأربطة عن جبينك. سأمزقها بفمي المضطرم الأنفاس فتعود -على رغم الأجيال- إلى رؤية مملكتك ونهرك وتبصر المياه والأرض والسماء والآلهة وقصورك وكنوزك. مولاي تيقظ. أستحلفك بالآلهة (آمون) و(سخت) و(أوزيريس) و(إيزيس) أستحلفك باسم (نفطيس) و(أنوبيس) و(بيس). أقسمت عليك أن تتيقظ أيها المليك!».
وبالفعل يستيقظ توت عنخ آمون الذي ينتهر الطائر/ الخفاش، ويقول: «ألا تدري أن الأموات وحدهم يعون ويسمعون وأنني هنا في هذا الجدث المغلق أسمع أغاني بني الوادي وضجيج الشعوب فيما وراء البحار تضيء الأحلام سماء منامي الطويل. أما معاول المنقبين فإني لا أخشاها بل على العكس أعد من فوزي أن يجدوني هنا في جلالي وأبهتي لكي يقارنوا بين باطل كبريائهم وحقارة غرورهم وبين جمال عصرنا وبهائه.. آه.. آه أعد إليّ لفائفي واسهر عليّ وانتظر ريثما يفتحون الجدار وتصفر وجوههم من الرعب أمام أبديتي.. فإذا ما شعروا بصغارهم وضاءلتهم سيخرون سجداً تحت قدمي وسيدركون أن تقدمهم ليس إلا تقهقراً، وأن ضحكة أبي الهول ما هي إلا ازدراء وسخرية بهم..».
(عند ذلك يعود (توت عنخ آمون) إلى نومته في تابوته الذهبي.. ويعكف الخفاش على إعادة اللفائف إلى ما كانت عليه ويختفي الضوء ويخبو لمعان الندى ولا يسمع غير خرير النيل).
أما خرير النيل فقد أخذ يناجي الملك قائلاً له: «أي توت عنخ آمون يا خاتم الملوك الأوفياء لأرض الوطن اصغ إلى نشيد النيل قبل أن يحملك الأناسي الجدد. اصغ أيها المليك إلى غناء أبناء الحبشة وألحان مزامير الغاب.. فإنك إذا نقلت من مرقدك وإذا نبش البرابرة لحدك وتناثرت أزهار محبيك في دواليب المتاحف وإذا أصبحت جلالتك في أيام معدودات عرضة لأنظار المتفرجين مقابل عشرين صلدياً.. فانصت أيها الملك العظيم الشأن إلى خرير النيل ونشيده فإنه يحمل إليك أينما كنت ريح الوادي ويكون لياليه الساحرة ويرسل إلى شفتيك كوثر الزرقة السماوية حتى إذا جاء يوم انتزع فيه جسدك المضمخ من أحضان السر المقدس وتناثر فيه شذار في الفضاء تحت ضربات منقضة من الحارس ذي الخوذة فإن خريري سيلطف من آلام سكراتك..!».

(اللطائف المصورة) وكاريكاتير حق مصر في الاحتفاظ بآثارها
عارضت مجلة (اللطائف المصورة)، لمؤسسها إسكندر مكاريوس، سعي اللورد كارنارفون للحصول على جزء من كنوز المقبرة نظير جهوده في اكتشافها، وكان رأي المجلة أن تحتفظ مصر بتلك الآثار، حيث نشرت رسماً كاريكاتورياً، 18 ديسمبر 1922م، صورت فيه مصر وكأنها رجل يحرس آثار الأقصر الجديدة، ويقف أمامه اللورد كارنارفون ومن بعده مستر كارتر ثم ميس كارتر ابنة اللورد، يحملون أدوات الحفر والتنقيب، وكأنهم يحاولون الضغط على مصر.
مصر: «أشكرك! ولكن لا أسمح بأخذها».
اللورد: «يا أفندم أنا وجدتها على نفقتي وأريدها».
ويقف في الخلفية أبو الهول يحرس الأهرام ويقول: «ليتني شاهدت هذه الغيرة على آثاري في السنين والأجيال الماضية».
وعلقت المجلة بقولها: «قامت مصر قومة واحدة تدافع عن آثارها الجديدة التي اكتشفها اللورد كارنارفون وهذه الصورة تمثل ذلك بأسلوب فكاهي إذ يرى اللورد ومساعده وكريمته مثقلين بمعاول الحفر والنقب وكلهم يترامون على مصر يريدون أخذ الكنوز، ومصر مع اعترافها بفضل هؤلاء العلماء لا يسعها قبول ملتمسهم. وترى أبا الهول شاخصاً عن كثب وقد انبسطت أساريره ولسان حاله يقول ما كتب في الصورة وهو القول الحق».

وفاة كارنارفون
اهتمت الصحف بخبر وفاة اللورد كارنارفون، في 5 إبريل 1923م، الذي لسعته (ناموسة) صغيرة، وسببت له تسمماً في الدم، ما أثر على الرئة.
نشرت مجلة (الهلال)، لمؤسسها جرجي زيدان، مايو 1923م، وكذلك مجلة (رعمسيس) الجزء الرابع 1923م، قصيدة شعر من تأليف أحمد شوقي، نعاه فيها بكلمات مؤثرة، موضحاً دوره في الاكتشاف الأثري العظيم.
يقول شوقي في مطلع قصيدته:
في الموت ما أعيا وفي أسبابه    
كل امرئ رهن بطي كتابه
أسد لعمرك من يموت بظفره
إن نام عنك فكل طب نافع
داء النفوس وكل داء قبله    
عند اللقاء كمن يموت بنابه
أو لم ينم فالطب من أذنابه
هم نسين مجيئه بذهابه
ويقول في موضع آخر:
هل كان (توتنخ) تقمص روحه    
قمص البعوض ومستخس أهابه
أو كان يجزيك الردى عن صحبة    
وهو القديم وفاؤه لصحابه
تالله لو أهدى لك الهرمين من    
ذهب لكان أقل ما تجزى به
أنت البشير به وقيم قصره    
ومقدم النبلاء من حجابه
أعلمت أقوام الزمان مكانه    
وحشدتهم في ساحه ورحابه
لولا بنانك في طلاسم تربه    
ما زاد في شرف على أترابه
كما يقول أيضاً:
(وادي الملوك) بكت عليك عيونه    
بمرقرق كالمزن في تسكابه
ألقى بياض الغيم عن أعطافه    
حزناً وأقبل في سواد سحابه
يأسي على حرباء شمس نهاره    
ونزيل قيعته وجاري سرابه
ويود لو ألبست من بردية    
بردين ثم دفنت بين شعابه
نوهت في الدنيا به ورفعته    
فوق الأديم بطاحه وهضابه
أخرجت من قبر حضارة    
الفن والإعجاز من أبوابه

أعمال فنية لمنيرة ونعيمة وصباح
من الأعمال الأدبية إلى عالم الغناء والطرب، عرف المصريون أغنيتين نادرتين يتعلقان بالملك (توت عنخ آمون).
الأغنية الأولى من تأليف الشاعر محمد يونس القاضي (1888-1969م)، وألحان محمد القصبجي (1892-1966م)، وغنتها سلطانة الطرب منيرة المهدية (1885-1965م)، وتدور حول سيدة مصرية تفتخر بانتسابها إلى مصر وأجدادها الفراعنة العظماء، ووصفت كلمات الأغنية الكشف الأثري العظيم، ومن جانب آخر واجهت الاحتلال وأكدت حرية مصر. تقول كلمات الأغنية: «ما يجبش زيي إن لف الكون.. إحنا أبونا توت عنخ آمون.. إسأل من التاريخ ينبيك.. عن مجدنا وبعدين أماشيك.. إنت تقول للناس حكاويك.. إحنا أبونا توت عنخ آمون.. ظهرت غرايب في الآثار.. خلت جميع الناس تحتار.. ووصفي كم حير أفكار. وإحنا أبونا توت عنخ آمون.. وعمر قلبي الخالي يرتاح.. إلا إن عادت ليلة الأفراح.. وإعمل سياسة السلم سلاح.. وإحنا أبونا توت عنخ آمون.. بإيه تزيد إنت عليا.. وبلادي مهد الحرية.. ومصر أم المدنية.. وإحنا أبونا توت عنخ آمون».
وشدت بالأغنية الثانية المطربة نعيمة المصرية، واسمها الحقيقي (زينب محمد إدريس) (1894-1976)، تقول كلماتها: «قوم هات لي بدلة لازم تكون.. لونها بديع توت عنخ آمون.. الله عليها مالهاش مثيل.. قوم إشتريها وإعمل جميل.. إضحك وهزر وإبدي الدلال وألبس وأخرط زي الغزال».
وتمر السنوات وتأتي الفنانة اللبنانية صباح (1927-2014م) وتشدو بأغنيتها الشهيرة (سلمولي على مصر)، كلمات حسين السيد (1916-1983م)، ألحان محمد الموجي (1923-1995م)، حيث عبرت كلمات الأغنية عن اشتياقها لمصر، وهي تقول فيها: «وأمانة لما تفوتوا من جنب الحسين. تجبولي شوية من اللولي اللي على الصفين. خان الخليلي على يمينكم هداياه وحشاني. تبقوا تجبولي توت عنخ المنقوش في صواني. ابقوا افتكروني من الصاغة بأسورة لولي. سلمولي على مصر سلمولي. سلمولي على الحبايب وإبعتولي».

ذو صلة