مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

آبار حمى.. إرث تاريخي يحكي حضارة الوطن

تزخر المملكة العربية السعودية بالعديد من المواقع الأثرية المهمة، ومنها آبار حمى في منطقة نجران جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وهي التي ضمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في الرابع والعشرين من يوليو 2021م إلى قائمة مواقع التراث العالمي.

كانت واحة نجران منذ القدم ممراً أساسياً للقوافل التي كانت تعبر من جنوب جزيرة العرب إلى أواسطها وشمالها، ومن هنا تأتي أهمية واحة نجران بفضل قدم الاستيطان السكاني فيها، وغنى ترتبها بالمياه. ومن هنا أيضاً يأتي غناها بالمواقع الأثرية التي كانت منتشرة على ضفاف وادي نجران وعلى طول طريق القوافل. ومن أهمها مواقع آبار حمى (90 كم شمالي نجران)، إذ تحتوي على أهم الآثار التي تعكس جانباً متميزاً من تاريخ وحضارة الوطن.
عُثر في منطقة آبار حمى على العديد من اللقى الأثرية:
- الأدوات الحجرية التي يعود أقدمها إلى العصر الحجري القديم الأوسط (الحضارة الموستيرية)
- الرسوم الصخرية التي تعد وثائق ناطقة تمثل مناظر طبيعية تدل على حياة ونشاط سكانها.
- المقابر الركامية التي تؤكد قدم الاستيطان البشري في هذه المنطقة.
- نقوش عديدة ذات دلالات تاريخية وحضارية مهمة.
وتبرز أهمية موقع آبار حمى كونها تعد من أهم المحطات على طريق القوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية إلى شرقها وشمالها. وفيها سبع آبار بعضها مطمور والباقي مازال يستخدم إلى الآن.
كما أنها منطقة صحراوية متسعة تضم مجموعة من الجبال والتلال المتفرقة التي دوّنت على واجهاتها مجموعة كبيرة من الكتابات العربية الجنوبية والشمالية والكتابات الإسلامية، إضافة إلى الفنون الصخرية والرسوم. ومن أهمها: جبل عان الجمل، جبل عان ذباح، جبل الكوكب.
وتتجلى أبرز الملامح الحضارية في منطقة آبار حمى فيما يلي:
- الأدوات الحجرية والفخار:
عثر على مجموعة من أدوات العصر الحجري القديم تضم مكاشط ورقائق وأنصالاً حادة ثنائية الأطراف في بئر حمى وسط مجموعات من الأدوات المتناثرة على سطح مصاطب، وهي تتشابه من هذه الناحية مع مناطق تجمع أدوات العصر الحجري القديم في منطقة وادي تثليث وموقع جبّة بالمنطقة الشمالية من المملكة العربية السعودية.
كما عثر على أدوات العصر الحجري الحديث في عدد من المواقع ببئر حمى مثل مكاشط وأنصال ومثاقيب من الكوارتز الحديدي وأوانٍ فخارية وكسر من عظام وبيض النعام، وبعض المنشآت العمرانية كالمنازل دائرية الشكل.
- الرسوم الصخرية والنقوش والكتابات في منطقة آبار حمى:
الرسوم الصخرية عبارة عن واجهات صخرية تحتوي على رسوم متقنة مكونة في أغلبها من حيوانات أهمها البعير، إلى جانب البقر والنعام والوعول والخيول والظباء والمها.. (ويوجد أيضاً مشاهد آدمية تمثل نساء في وضعية رقص تظهر بشكل واضح رمز الخصوبة عند المرأة)، ورسوم لرجال فرسان ومحاربين، ومشاهد صيد أيضاً. ويرافق أحد الرسوم الآدمية اسم الشخص الذي تم تصويره، وهي امرأة تدعو كهل، وكان كهل المعبود الرئيس لقرية الفاو. ويؤرخ أحدها بحوالي النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد.
هناك أيضاً نقش يقص حوادث حصار نجران في عام 523م التي تذكرها المصادر العربية ضمن أخبار أصحاب الأخدود المذكورة في القرآن الكريم.
وفي موقع عان هلكان (جبل الكوكب) يوجد عدد لا بأس به من النقوش والمخربشات والرسومات الصخرية، وأهم هذه النقوش نقش توحيدي لأنه يذكر في آخره الدعاء للرحمن وطلب النصر للملك يوسف أسأر بالتغلّب على سكان نجران وإخضاعهم. ويقص النقش عدد الذين قتلوا خلال المعارك وحرق بيعة (كنيسة) نجران التي لا نعرف حتى الآن مكان وجودها وآثارها. وأيضاً حرق كنائس ظفار ومخا، وأصحاب النقش من اليزنيين الذين رفضوا الخضوع للأحباش المناصرين لبيزنطة.
كما يحتوي موقع جبل الكوكب على آثار كرسي من الحجر، ويوجد مقابله نصب مكتوب عليه أيضاً اسم المعبود المحلي لواحة نجران وهو ذو سماوي.
ويوجد عدد من النقوش المكتوبة بالخط العربي الجنوبي وبالخط الثمودي، ويوجد كذلك عدد من النقوش المكتوبة بالخط العربي الكوفي الذي يمكن تأريخه في القرنين الأول والثاني للهجرة. ويوجد في موقع وادي الخشيبة نقش يعد من أقدم النقوش العربية المعروفة اليوم المؤرخ عام 27 هجري.
- ركامات المقابر:
تظهر ركامات المقابر بمنطقة بئر حمى في الوديان، وتتكون من ألواح حجرية رملية مكومة حول غرفة مربعة الشكل يزيد عددها على 75. وعثر على ركامات المقابر في مناطق تعلو سلاسل المرتفعات والهضاب في بئر حمى، تشبه مثيلات لها في ظهران الجنوب وتثليث.
وعثر على مقبرة في سفوح عان هلكان تتكون هذه المقبرة من 24 مدفناً دائرية الشكل مبنية من أحجار، وكثير من هذه المدافن مذيلة كما هو الحال في أنحاء جزيرة العرب التي يتم عادة تاريخها بين الألف الثالث والأول ق.م.
وبهذا استحق موقع آبار حمى السعودي أن يكون سادس موقع بالمملكة العربية السعودية يسجّل في قائمة التراث العالمي باليونسكو في شهر يوليو 2021م.

ذو صلة