أطلق تعبير الفن السابع على عالم السينما بعد أن احتكرت العمارة والرسم والنحت والشعر والموسيقى والرقص على المراتب الستة الأوائل، وقد قيل إن السينما تجمع في جنباتها هذه الفنون الستة، فالفن بشكل عام حالة جمالية تعكس حالة الرقي لمجتمع ما عبر قدرته على إيصال المشاعر والأفكار في قالب إبداعي معين، ومنذ البدء كانت الإرهاصات الفنية لأغلب الفنون نوعاً من محاكاة الحياة بأحزانها وأفراحها وحاضرها وماضيها حيث الكتابة بالكاميرا المتنقلة التي تلتقط الصورة والحركة وفق تدفق زمن معين من أهم مكونات العرض، ولعل خيال الظل والفانوس السحري مهدا السبيل أمام السينما لتظهر بالشكل الأخير الذي عرفناه.
وكان الإيطالي رتيشيوتو كانودو أول من أطلق مصطلح الفن السابع على فنون السينما عام 1911 أما الفرنسي أيتين سوريو فقد أطلقه على عملية صناعة هذا الفن، وقد تم اختراع أول جهاز عرض سينمائي عام 1895 من قبل الأخوين أوغست ولويس لومير.
السينما الصامتة
تعتمد السينما الصامتة على الصورة والحركة دون أي حوار ناطق، وتعد بداية السينما الصامتة عند الأخوين لوميير قبل نحو 120 عاماً، وتحديداً عام 1896، إذ قاما حينها، وبعد تجارب عديدة استندت على إنجازات علماء آخرين، بإنتاج أول فيلم صامت في مدينة ليون الفرنسية، وذلك بتثبيت ماكينة تصوير بصحبة المصور ألكسندر بروميو، وقاموا بتصوير مجموعة من العمال لحظة خروجهم من المصنع، خلال مدة زمنية قدرها 40 ثانية، وحمل الفيلم عنوان (الخروج من المصنع) وبعد تجربتهم الأولى هذه قدموا نحو 1500 فيلم تميزت بقصر زمنها، وأول من بدأ التمثيل في السينما الصامتة هو الأمريكي باستر كيتون الذي تميز بخلو ملامحه من أي تعبير، لدرجة أطلق عليه تسمية (ذو الوجه الحجري)، وقد تأثر به فيما بعد شارلي شابلن الذي بلغت شهرته الآفاق ومازالت أعماله حتى اللحظة ترسم البسمة على وجوه الجميع، وبعده أتى لوريل وهاردي بعرضهما الأشهر (رمي القبعات)، ليكون (مستر بين) واسمه الأصلي روان سيباستيان أتكنسون آخر فرسان السينما الصامتة. ورغم ذلك الرأي بنهاية السينما الصامتة فقد فاز الفيلم الفرنسي (الفنان) بجائزة الأوسكار لعام 2011، في تأكيد أن الفيلم الصامت له حضور متجدد بشكل دائم، إذ حقق فيلم (كودا) الحائز مؤخراً على جوائز أوسكارية متعددة تميزاً واضحاً كون غالبية الممثلين يتكلمون بلغة الإشارة كونهم من ذوي الاحتياجات الخاصة (الصم والكم). أما في العالم العربي فقد تجلت البداية الحقيقية للسينما في مصر بفيلمي (ليلى) و(قبلة في الصحراء)، وبنهاية الخمسينات بدأت السينما الملونة، وفي بداية القرن العشرين تطورت السينما بشكل كبير لتصبح صناعة معقدة للغاية وأصبحت تساهم بنشاط في اقتصاد العديد من البلدان.
السينما بين الصناعة والفن
الإنتاج السينمائي يخضع للاستثمارات المالية، فنظراً لحاجة الفن السينمائي في تجسيده لأي لقطة مصورة إلى عدد كبير من الآليات والتجهيزات والمعدات والأبنية وكادرات من نوع خاص تحاكي موضوع العمل، بالإضافة للتكاليف العالية التي يتطلبها إنتاج فيلم ما، حيث إن مفهوم صناعة السينما يشير إلى الاستثمارات والشركات ذات العلاقة بإنتاج الأفلام بتجهيزاتها العالية بأستوديوهاتها ومعدات التصوير الثابتة منها والمتحركة وأجهزة الصوت وكوادرها الفنية، بالإضافة لامتلاك فلسفة خاصة وتصور معين لفكرة العمل، ولذلك فقد تزاوج مفهوما الفن والصناعة في عملية إخراج الفيلم إلى النور.
تعددت أنواع الأفلام في عالم السينما وتتباين خصائصها، إذ إن لكل نوع أشكال وقوالب وأنواع فرعية تتوالد عن الأصل، فهناك الفيلم القصير والتسجيلي، وأيضاً الفيلم الاستعراضي، وأفلام الرسوم المتحركة، الأفلام المأخوذة عن الروايات ولا ننسى طبعاً أفلام الرعب والكوميديا والدراما وأفلام المغامرات البوليسية وسواها الكثير، ولكل نوع منها متطلبات إنتاج وعناصر محددة ومراحل أساسية تشكل لها طريقاً خاصاً لإبراز العمل الفني.
فالفيلم السينمائي كتعريف هو سلسلة من الصور المتتالية عن موضوع أو فكرة أو ظاهرة معينة أو حكاية ما لأغراض مختلفة قد تكون ترفيهية أو تثقيفية أو تاريخية.
يقول جان كوكتو: (الفيلم هو كتابة بالصور). بينما ألكسندر أرنو يقول: (إن السينما لغة صور لها مفرداتها وبديعها وبيانها وقواعد نحوها). فالصورة هي المادة الأساسية للغة السينمائية، هي المادة الفيلمية الخام التي يطوعها المخرج في اتجاه ما، أو فن الصورة المتحركة التي تأخذ دلالتها الكاملة في أسلوب انعكاس باقي العلوم من سياسة واقتصاد وثقافة وعلم النفس والرياضة والفنون الأخرى على مواضيعها، فالصور المتتابعة والتصوير المتحرك المصاحب للصوت تتطلب أحياناً مشاركة فنون أخرى كالنحت والرسم والموسيقى والأدب والشعر والرقص بما يخدم الفكرة المرجوة، إذ إن مراحل التحضير المسبق تتضمن التركيز على مرحلة الفكرة التي يتم فيها تحديد فكرة العمل بشكل مكتوب والخطوط العامة لكتابة السيناريو من حوار ومشاهد والتعديلات التي تجرى عليه بالإضافة لتحديد فريق العمل من مخرج وجهة الإنتاج والممثلين وبالتالي حساب ما تتطلبه المشاهد من نفقات وتكاليف تصوير وصوت وأجور وتأتي بعدها مرحلة الإنتاج والتصوير وهي المرحلة الأهم في تحويل المشروع الفني لواقع بعد تحديد أماكن التصوير وضبط تناغم حركة الممثلين مع المكان المقرر وفق الكلفة المحسوبة في استخدام معدات التصوير وأدوات الصوت حيث يتم دمج اللقطات والأصوات الخاصة بكل مشهد وترتيب استخدام المؤثرات البصرية والصوتية والموسيقى وهو ما يعرف بالمكساج لتختتم بعملية المونتاج في مرحلة ما بعد التصوير وفي بعض الحالات يعرض في النهاية على بعض المختصين لإبداء ملاحظاتهم وإمكانية إجراء تعديلات لبعض الفقرات.
طاقم العمل
طاقم الإخراج ويشمل: (المخرج - المخرج المنفذ - مساعدو المخرج). أما طاقم التصوير فيتألف من: (مدير التصوير - المصور - فني الكاميرات - مسؤول عن عربة التصوير - مساعد التصوير). وبالنسبة لطاقم الصوت فيتألف من: (أخصائي مزج الأصوات - أخصائي بذراع الميكرفون - مسؤولي الكابلات). وطاقم الإضاءة، وطاقم الإكسسوارات، والمسؤول عن الملابس والأزياء والماكياج، بالإضافة للسائقين والمستخدمين للخدمات الأخرى.
أهم عناصر العمل السينمائي
الحوار والسيناريو هما حجر الزاوية في العمل السينمائي وما يدعى أيضاً التقطيع الفني حيث يتم فيه وصف كل المناظر التي يتكون منها الفيلم والحوارات المرافقة وكيفية إعداده للتصوير ليأخذ شكله النهائي، فالسيناريو هو الفيلم على الورق وفي بعض الأحيان يتم اقتباس أعمال روائية مشهورة تعهد لكاتب سيناريو ليعيد صياغتها وفق إنتاج فيلمي معين، تأتي بعده العمليات التصويرية وطريقة وتدرج ظهور الممثلين مع أخذ في الاعتبار للميزانية المتوقعة ومكان التصوير وتسلسل المشاهد وإجراء تعديلات وفق مستجدات الواقع، وهنا تظهر إبداعات المخرج ومدير التصوير ومهندس الصوت والديكور والمونتيير وبعدها يتم تجميع المشاهد مع مؤثراتها الصوتية والبصرية وإجراء مونتاج عليها من قص وإضافة بما يضمن انسيابية العمل وسلاسته، وهذه التقنية تهدف إلى عملية إنشاء قطعة واحدة من قطع متعددة تتجمع لتشكيل الفيلم في نهاية الأمر.
ونظراً لاتساع عالم الفن السابع وتشعب عملياته والتجدد الدائم الذي يتخلل عروضه، فإن الإلمام بكل تفاصيله يحتاج إلى كتب ومؤلفات عدة وما هذه الدراسة إلا إطلالة سريعة على هذا العالم النابض والمتحرك والمدهش.