مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

جدلية الولاء

الولاء للأندية الرياضية من الأشياء الطبيعية في دنيا كرة القدم، فالولاء والانتماء لأي ناد من الأندية يعد من المسلمات، وهو من الأشياء التي لا جدال حولها، فكل منا -عشاق كرة القدم- يدينون بالولاء للنادي الذي يمثل منطقتهم، يساندونه ويدعمونه حتى يرتقي إلى سلم المجد ويحقق الألقاب والبطولات. وهذا نوع جميل من درجات الانتماء للنادي. كما أن هناك فئات كبيرة من الجماهير عشقت ناديها بسبب بعض نجومه المؤثرين الذين أسهموا بفنهم الكروي في جذب أعداد جديدة من الجماهير التي باتت تعشق هذا النادي من أجل هذا النجم الجماهيري الكبير الذي يقدم الدرر والروائع داخل الملعب.
ففي الأرجنتين على سبيل المثال أسهم النجم العالمي الراحل دييجو أرماندو مارادونا في زيادة شعبية ناديه بوكاجونيورز الذي حقق الشهرة والمجد في حقبة مارادونا الذي كتب تاريخاً ناصعاً مع هذا النادي الأرجنتيني الكبير. وفي إيطاليا وعلى الرغم من عدم تحقيق ألقاب كبيرة إلا أن نادي روما زادت جماهيريته داخل الدولة بسبب توهج فرانشيسكو توتي. وفي إيطاليا أيضاً ملأت شهرة نادي نابولي الأرجاء عندما انتدب مارادونا الذي بات نغمة شجية في شفاه جماهير نادي الجنوب الإيطالي.
هذا على سبيل المثال لا الحصر لأندية ولاعبين أسهموا بقدر كبير في اجتذاب أعداد كبيرة من الجماهير لأنديتهم التي حققت معهم كل الممكن وبعض المستحيل.
في السودان.. وفي العام 2012م مثلت فترة تنقلات وتسجيلات اللاعبين صدمة كبيرة لجماهير نادي الهلال السوداني، وذلك بعد أن اتخذ مجلس إدارة النادي الذي ترأسه آنذاك رجل الأعمال الأمين البرير قراراً خطيراً وصف بالتاريخي عندما قام الهلال بالاستغناء عن القائد التاريخي للنادي هيثم مصطفى بسبب خلافاته مع المدير الفني لفريق كرة القدم الأول بالنادي، الفرنسي دييجو غارزيتو حيث وصل مجلس الإدارة إلى هذا القرار الصعب بعد دراسة متأنية على الرغم من حالة الانقسام الكبيرة وسط جماهير الهلال حول هذا القرار.
فهنالك من جمهور الهلال من أعلن مقاطعته لتشجيع النادي ومنهم من وصل به الحال أن أقدم على محاولة انتحار كما حدث لأحد المشجعين الذي اعتلى أبراج الإضاءة بإستاد الهلال حتى تم إنقاذه قبل الشروع في الانتحار.
من جهتها، لم تنجُ الصحافة الرياضية أيضاً من هذا الانقسام الذي طال مجتمع نادي الهلال بسبب قرار شطب قائد الفريق. فحدث هرج ومرج كبيرين بين حملة الأقلام فمنهم من قام بتأييد مجلس الإدارة على هذا القرار الذي وصفوه بالشجاع ومنهم من دعم القائد هيثم مصطفى ووصفه بالمظلوم وأنه خرج بطريقة (مهينة) من النادي الذي دافع عن ألوانه خلال 17 عاماً بالتمام والكمال حقق فيها ما حقق من إنجازات وبات أكثر اللاعبين تقلداً لشارة القيادة بنادي الهلال على مدار تاريخه.
وسال الكثير من المداد لفترة ليست بالقصيرة بسبب هذه الأزمة، حيث بات موضوع رحيل هيثم مصطفى، الملقب بالبرنس، من المواضيع الثابتة والمتكررة بشكل أو بآخر في الصحافة الرياضية آنذاك.
كان الجميع يتحرك وفق عاطفة جياشة تجاه هذا النجم الجماهيري المحبوب والذي أمتع كل الأهلة بموهبته الكروية الفذة وشخصيته القيادية المتفردة داخل أرض الملعب وخارجه. إلا أن الحدث الكبير الذي طغى على شطب هيثم من نادي الهلال هو الخطوة غير المتوقعة التي اتخذها معشوق الجماهير بعد أن قام هيثم مصطفى بالتوقيع في كشوفات الغريم التقليدي لنادي الهلال، وهو نادي المريخ. وهنا فقد هيثم مصطفى السند الكبير الذي كان يجده من جمهور الهلال الذي احتج على قرار شطبه من كشوفات النادي. وربط البعض مصيرهم بمصير هيثم مصطفى وأعلنوا تخليهم عن تشجيع نادي الهلال والتحول لتشجيع الغريم التقليدي نادي المريخ حباً في هيثم مصطفى.
ولعل هذا التحول الكبير في قضية قائد الهلال الأسبق جعل الجميع يتحدثون بصوت مسموع حول جدلية كبيرة ويكررون سؤالاً واحداً ألا وهو لمن يكون الولاء؟ للنادي أم للنجم الذي أمتع وأبدع وأقنع؟
ولعل الإجابة عن هذا السؤال تحتاج منا إلى إعمال لغة العقل والمنطق لا الاستعانة بالعاطفة لأن العاطفة تخدع كثيراً.
فنادي الهلال هو من منح الشهرة والنجومية لهيثم مصطفى ولغيره من عباقرة كرة القدم السودانية في مختلف الحقب التاريخية. لذا فإن ترك تشجيع نادي الهلال من أجل لاعب واحد لا يسنده عقل ولا منطق مع إيماننا التام وقناعتنا الكبيرة بما قدمه هيثم مصطفى للهلال حيث ظل جندياً وفياً لنادي الهلال حتى بعد قرار شطبه.
ففي كل بقاع العالم يحدث مثل هذا الانقسام في ناد بعينه بسبب نجم جماهيري مؤثر إلا أن الجميع في نهاية المطاف يصلون إلى صيغة موحدة وهي أن النادي (كيان) باقٍ ما بقي الدهر والنجوم زائلون وراحلون، ولنا في العالم من حولنا الكثير من النماذج والأمثلة.
فالمكانة الرفيعة هنا ينبغي أن تكون من نصيب النادي لا اللاعب أو النجم الجماهيري، فهذا النادي هو الذي قدم هذا النجم للشهرة والمجد والنجومية والأضواء، فيجب أن نتغلب على هذه العاطفة حتى لا نهدم النادي مع التقدير الكبير لكل جهد بذله هذا النجم.
وسواء اتفقنا مع الرؤية الواضحة بأن الأندية تمثل كياناً يصنع النجوم من اللاعبين والمدربين، بل وحتى الإداريين، أو اختلفنا مع من يساند النظرة المقابلة، فإننا جميعاً سنتوافق على أن تطوير الأندية، والرقي بها إلى مستوى أحلام الجماهير، لن يكتمل إلا بالتعاون بين مختلف هذه الفئات، أملاً في تحقيق كل الممكن وبعض من المستحيل، وهذا عين ما تتمناه الجماهير في محيطنا الآسيوي والأفريقي، رغما عن الكثير من العراقيل التي تقف في الطريق، أو بالأحرى التحديات التي تعترض ما يعرف بالاستثمار الرياضي، وهو قصة أخرى سنعود للتطرق لها لاحقاً إن كان في العمر بقية.

ذو صلة