مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

الحضور العربي

رفض الفيلسوف الأسكتلندي آدم سميث في مؤلفه (ثروة الأمم) الذي صدر عام 1776 تزامناً مع بزوغ شمس الثورة الصناعية باعتباره أحد معالم تطور الفكر الاقتصادي المهمة والذي نادى فيه بالرأسمالية؛ تدخل الحكومات في الاقتصاد، منوهاً بضرورة تركه لقوى العرض والطلب، فالكتاب يعدّ ركيزة العصر لبلورة الرؤى وتطبيق النظريات الاقتصادية التي بُنيَ على أكتافها الاقتصاد العالمي، ولأن سميث طالبَ فيه بتبادل البضائع والإنتاج للجميع وبحرية، وذلك لفتح السوق أمام المنافسة داخلياً وخارجياً، لتعزيز سبل الرخاء للشعوب.
هذا المدخل يقودنا مباشرة إلى الولوج من باب الحرية الفضفاض إلى توسيع دائرة النظرية التي ما لبثت أن تطورت مع اتساع ميادين الاستثمار، باعتباره وفق علم الاقتصاد (عملية شراء أصول ذات قيمة تعرف بالأصول الرأسمالية من قبل المستثمر بغرض تربيحها وارتفاع قيمتها بمرور الوقت أو خلق مصدر جديد يسهم في زيادة الدخل) بهذا يكون الطريق سالكاً وفق نظريات سميث في أولوية المستثمر لاختيار أفسح الميادين لنجاح استثماراته، وهنا لابد للمستثمر النبيه من طرق باب الاستثمار الرياضي، الأمر الذي شجع على ضخ الكثير من رؤوس الأموال في الميادين الخضراء والتي لعب العرب دوراً مهماً فيها مؤخراً، وذلك لعدة أسباب منها:
- أن الرياضة لم تعد مجرد وسيلة ترفيه وتسلية، بل صارت نمط حياة للشعوب، لذلك ازداد الاهتمام بها.
- الاستثمار في الرياضة نتائجه المربحة، وهو أمر مضمون بنسبة كبيرة، أكثر من الاستثمار في المجالات الأخرى كالتجارة الإلكترونية وسوق الأسهم البنكية وغيرها من المجالات المطروقة حالياً، والتي يكون فيها الاستثمار عرضة للقرصنة أو الكساد الذي يضرب اقتصاديات البلدان.
- كما أن الاستثمار في الرياضة بصورة عامة وفي مجال اللعبة الأكثر شعبية (كرة القدم) الآن يتصدر قائمة الاستثمارات الأكثر استقراراً، وهو قليل التأثر بالأضرار التي تجتاح سوق العمل، كما يفتح الباب واسعاً أمام المؤسسات والأفراد في الدول التي تراهن على القطاع الرياضي ومكاسبه الاقتصادية التي تدر أموالاً ضخمة في خزانات تلك المؤسسات.
وفي ظل التنافس المحتدم في العالم والتسابق نحو الاستثمار في المستطيل الأخضر والتباري في جودة الخطط التي تُقَدَّم للحاضر والمستقبل، والاستناد في ذلك إلى أسس علمية والاستعانة بخبراء ومختصين في المجالين الاقتصادي والرياضي؛ نجد أن الكلمة العليا الآن لمعتنقي شعار (العقل السليم في الجسم السليم)، والكلمة الفصل في منبر الاستثمار عربية اللسان والبيان، فقد تفوق العرب في مطلع الألفية الثالثة على نظرائهم ومنافسيهم من بقية الجنسيات وأثبتوا نجاحاً غير مسبوق في هذا الميدان، على الرغم من حداثة عهدهم باقتحام هذا المضمار الذي جاء متأخراً في ثمانينات القرن الماضي وكان متواضعاً، لكن بدهاء وعبقرية استطاعوا خلال الثلاثة عقود الماضية القفز إلى قمم النجاح وتحقيق الغاية المنشودة في الاستثمار الرياضي، فالبداية كانت في العام 1983م عندما قامت شركة طيران الخليج بوضع شعارها على قميص نادي تشيلسي الإنجليزي، ومن هنا بدأت علاقة العرب باقتحام هذا المنشط عالمياً، كما نجحت الخطوط الجوية القطرية في احتكارها لقمصان أندية أوروبية عملاقة ووضع شعارها عليها، مثل: برشلونة الإسباني، وروما الإيطالي، وبنفيكا البرتغالي... وغيرها، أما الطفرة الكبرى للاستثمار العربي بدأت في العام 2008، عندما قام الشيخ منصور بن زايد بشراء نادي مانشستر سيتي الإنجليزي صاحب الثلاثية هذا العام، وآخر من حاز على كأس دوري أبطال أوروبا، والدوري الإنجليزي الممتاز وكأس إنجلترا، الصفقة التي غيرت تاريخ الكرة الإنجليزية، وبفضلها تأسست أولى الخطوات في شركة سيتي قروب site group والتي تحوز الآن بجعبتها أحد عشر نادياً حول الكرة الأرضية.
توالت السيطرة العربية على الاستثمار في المستطيلات الخضراء عالمياً، وظهر تنافس شرس في دول الخليج، حيث ظهرت في ميدان المنافسة كل من قطر والمملكة العربية السعودية، مع وجود مصري يمثله بعض رجال أعمالها، قطر التي تحتكر حق البث لأكبر وأقوى دوريات العالم عبر ترسانتها الإعلامية العملاقة شبكة بي إن سبورتس، دخلت أيضاً سوق الأندية باستحواذها على عملاق الدوري الفرنسي فريق باريس سان جيرمان الذي يضم خامة من أفضل اللاعبين في العالم، أمثال: إمبابي ونيمار وحكيمي، حيث آلت ملكية النادي إلى شركة قطر للاستثمارات في العام 2011، وتوالت الاستثمارات العربية في كرة القدم لتتجاوز عدد أنديها في الدوريات الأوروبية فقط ما يقارب العشرة أندية مثل: مانشستر ستي - الإمارات، وباريس سان جيرمان - قطر، نيوكاسل- صندوق الاستثمار السعودي، وبفضله قفز الفريق من المراكز الأخيرة في الترتيب إلى الخمسة الكبار في مقدمة الدوري الإنجليزي ليحل ثالثاً خلف البطل مان ستي والوصيف أرسنال، فريق ليرس البلجيكي وأيرجوتليس اليوناني امتلكهما المصري ماجد سامي، وشيفيلد يونايتد للسعودي عبدالله بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود، وألميريا الإسباني- تركي آل الشيخ، أستون فيلا - ناصف ساويرس، ملقه - عبدالله آل ثاني، هال ستي - عاصم علام.
على ذات الصعيد وسَّعت السعودية حصتها الاستثمارية الخضراء بضخ رؤوس الأموال في الدوري السعودي نفسه، وذلك بتمويل الأندية المحلية بعد أن قام صندوق الاستثمار السعودي باحتواء عدد من الأندية والتي بدورها تعاقدت مع نجوم كبار من الدوريات الأوروبية، مما أثار اهتمام العالم لتتجه أنظار العالم أجمع إلى الدوري السعودي الذي يشهد سوقه انتعاشاً كبيراً خصوصاً الموسم الجديد 2023 - 2024، والذي جلب ألمع نجوم الدوريات الأوروبية مما يؤكد أن المملكة ستشهد هذا العام ازدهاراً في الاستثمار الرياضي المتمثل في تطوير السياحة الرياضية، حيث ستحتضن مطارات المملكة رحلات لجماهير من شتى بقاع الكون لمتابعة مباريات الدوري ومتابعة نجومهم المفضلين عوضاً عن المكاسب التي تنعكس على الاقتصاد المحلي من استهلاك لمنتجات وخدمات وتشغيل أيدٍ عاملة ورعايات شركات وحقوق بث وغيرها من المكاسب التي سيحققها هذا الدوري، كما يعدّ نجاح كأس العالم منقطع النظير الذي نفذته قطر في العام الماضي في نسخته الاستثنائية والمكاسب العظيمة التي حققها العرب بصفة عامة وقطر بصفة خاصة ليثبت أمرين:
الأول: أن الاستثمار في مجال الرياضة هو التجارة الأكثر ربحاً في عصرنا الحالي إن تم التخطيط لها ونفذت الخطط بنجاح.
الثاني: أن العرب بدهائهم وحنكتهم أثبتوا نجاحاً منقطع النظير متفوقين بذلك على منافسيهم من الأوروبيين والأمريكيين في ميدان الاستثمار الرياضي.

ذو صلة