مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الموهبة في الخط العربي

إن مراقبة الطفل أثناء الحصة الدراسية، تختلف عن مراقبته أثناء النزهات والرحلات، ومراقبته في الفصل والمدرسة تختلف عن مراقبته في البيت مع أسرته.
من هنا نفهم أن عملية اكتشاف الموهبة ليست مقصورة على المربي وحده في المدرسة؛ بل يجب أن تشارك بها الأسرة بكامل أعضائها، فالطفل الذي يملأ هوامش دفاتره وكتبه بالتخطيط والخطوط هو طفل لديه طاقة غير عادية نحو تعلم الخط العربي.
المهم ألا نترك هذه النماذج الفريدة تسير بكل عابر؛ بل لابد من الاهتمام بها ورعايتها وتنميتها وتشجيعها.
وموهبة الخط تولد مع الإنسان ثم تنمو وتتطور إن وجدت المناخ المناسب والتربة الصالحة، ولا يتوفر ذلك إلا بالرعاية المستمرة والاهتمام اللازم لها.
وقد يصل صاحبها إلى النبوغ والإجادة أن توفر ذلك. أما الذين لا يتمتعون بالموهبة؛ فإن التعليم عن طريق التمرينات والدراسات المستمرة يوصل صاحبه إلى درجة معينة من الكفاءة، ولكنه لا يصل إلى ما يصل إليه الموهوب والقدرة الخاصة.
والرعاية بالطفل تبدأ منذ السنة الأولى للدراسة، وتأكيد المربي على أهمية الخط وجودته هو الكفيل بتقدم الطفل وتطوره جمالياً في خطه الذي يكتب به دروسه.
وجودة الخط العربي ترجع إلى أسباب نفسية وقدرة الموهبة التي يتمتع بها كاتب الخط، فالانفعالات من فرح وحزن واضطراب تؤثر تأثيراً كبيراً على وضعية الخطاط، وقوة مسكه القصبة أو أداة الكتابة.
فالحالة النفسية التي كان عليها الخطاط من فرح واستمرار تتضح من خلالها قوة وجمال ورشاقة الخط، ووضعية الحزن والقلق تظهر سوء الخط وارتعاش الحروف، وسابقاً كانت تفسر الحالات النفسية من أن القلم يمسك بأصابع اليد اليمنى التي ضمنها السبابة، وفي أصبع السبابة عرق متصل بالقلب.
فإذا حصل انفعال معين فإن القلب يتأثر ويضطرب وتزداد دقاته، فيضطرب العرق الذي في السبابة، لتتأثر ويختل توازنها، فتضعف السيطرة على القلم، وترتعش الحروف ويظهر الخط سيئاً، أما التعليل العلمي الحديث في علم النفس فيرجع الاضطراب إلى الجهاز العصبي عند الحالات النفسية الشديدة، فهنا تظهر حالات الارتعاش والتوتر والارتباك، وعدم السيطرة على ما يحمله بيده أو يستعمله.
وطريقة اكتشاف الموهبة يقوم بها المربي بتعاونه مع الأسرة، وتتم عن طريق مراقبة المربي للأطفال مراقبة لصيقة ودقيقة.
وأما كيفية اكتشاف الموهبة عند الأطفال تتم حسـب مايلي:
مدى اهتمام الطفل بالعمل ومدى استجابته لفكرة تحسين خطه ويكون خطه جميلاً.
مراقبة الطفل لقدرته على التنظيم، في أسلوب تعامله مع الخط العربي، وكيف بدأ بالخطوة الأولى في تقبل هذا الفن، وهل بدايته صحيحة؟.
أثناء التنفيذ يمر المربي على كل طفل ويراقبه بدقه ليرى كيف يعمل وينفذ المطلوب منه، وكيف يتكامل العمل الفني معه، وأين برع في الخط، وأين مكامن الصعوبة لديه، كيف يكتب الطفل ويخطط، ما هي المعطيات التي يعتمد عليها، وإلى أي مدى تتناسب خطوطه مع القاعدة المتبعة لكتابة صحيحة، وهل هو قريب من التخطيط الصحيح؟ هل الأحرف متناسبة؟ هل يقلد الكبار في الخط؟.  إلى أي مدى اهتم الطفل بلوحة الخط التي نفذها، وهل اهتم بنظافة قلم الخط وكيف كانت كتابته.. دقيقة، متقنة، متكاملة؟ هل الشكل العام للوحة الخط صحيحة؟ هل خلط أحرفاً من خط آخر؟ هل كتب حرفاً ما خطأ؟ هل قام بكتابة غير واقعية لا تخطر على بال أحد؟ هل مزج أنماط الخطوط بعضها ببعض؟ هل يعتمد على نفسه طوال فترة كتابة الخط، أم أنه يحاول أن يتأمل وينظر ويتابع خط طفل آخر يجاوره، لينقل منه فكرة ما؟.
من كل هذه التساؤلات يستطيع المربي أن يكوّن فكرة أولية عن الطفل الموهوب والطفل العادي.
والطفل الموهوب في الخط يحتاج إلى الاهتمام والرعاية، وتبدأ الرعاية منذ اللحظة التي نشجع فيها الطفل على ممارسـة الخط العربي وذلك بتأمين المواد الأساسية الضرورية اللازمة له، ثم متابعته ومراقبته أثناء كتابة الخط العربي، وعلى المربي أن يظهر للطفل الموهوب اهتمامه به بعد أن ينجز لوحته، كأن يأخذ اللوحة منه، ويطلب منه أن يكتب خلفها اسمه وعمره وتاريخ تخطيط هذه اللوحة، ثم يحفظها له في مصنف أو مغلف ويكتب عليه اسمه، فيشعر لحظتها الطفل أن عمله ذو قيمة ومهم، وأنه يقدم شيئاً جديراً بالحفظ والاهتمام وهذا ما يجعله يثق بنفسه ويشعر بأنه موجود في الأسرة.
هذا الحافز له يجعله يخطط ويخطط، ويكثر من تدريباته وعطائه، ليؤكد أهمية وجوده، وليلفت نظر المربي إليه ونظر أسرته. هكذا هي الطريقة التربوية المثلى للتعامل مع موهبة الخط عند الأطفال.
حينما نعرف كيف نكتشفها، علينا أيضاً -بحرص تربوي شديد- أن نتعامل مع هذه الموهبة وكيف نرعاها وننميها ونطورها حتى نصل بها إلى الإبداع.

ذو صلة