قرأت في العدد 406 من شهر ذي القعدة 1431هـ، نوفمبر 2010م، من (المجلة العربية) قصة ملفتة، اختزل فيها القاص المبدع عناصر أهم قضية تشغل اليوم ميادين الثقافة والعلوم وصنفت من أجلها المصنفات وعقدت المؤتمرات، وهي قضية الحوار بين الشرق والغرب وعقبات الالتحاق بركب الحضارة المعاصرة، فأشار لأسباب جمة من الواقع المعاش للأمة، وبين كاتبها عمران عز الدين أوجه المفارقة بطريقة أدبية سامية، حيث افترض نفسه صديقاً لأهم شخصية علمية غربية، هي شخصية العالم الإلكتروني بيل غيتس، ثم نسج على ذلك حواراً ممتعاً، فمثل الكاتب جانب الشرق أو الأمة، بينما جعل بيل غيتس رمزاً للحضارة الغربية، معتمداً أسلوب الخيال الافتراضي، حيث ينطلقان معاً للدراسة في نفس الجامعة وبنفس الغرفة وذات الاختصاص (هندسة المعلومات)، ليشتركا في ذكريات جميلة ومثمرة بعد أن يتعهد كل منهما باحترام الآخر على مبدأ: أنت أخي ما دمت محترماً حقي.
وتمر الأيام رخية ويؤكد غيتس لأصدقائه إخلاص وأمانة شريكه وينفي عنه العنصرية والأنانية وأنهم مهما حاولوا فلن يؤذيه وهو ما يشير رمزياً إلى محاولة الغرب تشويه الإسلام بشتى السبل لتبرير الحرب عليه، وحينما يتم التعرف بشكل سليم -وهو ما يقصر فيه المسلمون- يوضح أن المسلمين قصروا في جانب التعريف بهم وبحضارتهم وتراثهم العلمي أيما تقصير.
وحين يواجه بطل القصة (ضمير المتكلم) صديقه بيل غيتس المفترض يهب صديقه بإبداء الإخلاص وأن هناك من يسعى لإيذائه وذلك لينفرد الغرب بالاختراعات والنجاحات ويبقى الشرق متخلفاً لا يستطيع أبناؤه المثقفون تطويره وخدمته.
وتظهر المفارقة حين يعود بيل لبلاده ليصبح مديراً لأكبر شركة عالمية معروفة هي شركة مايكروسوفت حيث يوجد جيش من الموظفين وطلاب العلم يتقاضون رواتب ضخمة في أمريكا ومختلف فروع الشركة في العالم.
استفادت بلاده من دراسته وعمله في جانب البحث العلمي، وطبقت نظرياته، وقام بعدة أعمال إنسانية منها: تبرعه بمبالغ هائلة لضحايا الزلازل والبراكين والأوبئة والأمراض المستعصية، وتزويد المراكز الصحية بمختلف الأجهزة الطبية؛ بل قد أنعش اقتصاد بلاده بأفكاره واختراعاته التي لم يسبق لها مثيل؛ حيث اعتبر ثورة في التكنولوجيا فالمعلوماتية.
ثم ينتقل القاص إلى الجانب الآخر في مقارنة غير متساوية بينهما حيث بقي الصديق الآخر (بطل القصة) كما هو لم يتمكن من الزواج، كما لم يستطع امتلاك بيت –وهو من أبسط متطلبات الحياة-؛ بل إنه لم يحصل على عمل فهو الآن يشكو البطالة، ورغم ذلك فإن التواصل بينهما بقي فعالاً لم يتوقف؛ حيث يدعوه غيتس للالتحاق به موحياً إلى أن العلم ليس حكراً على أحد؛ بل صيد لطالبه وغنيمة ثمينة لآخذه، وتكون المفارقة بين الكاتب وبيل حينما يفاجآن بالبون الزمني الشائع بينهما وهو كناية عن صعوبة الالتحاق بركب الحضارة، ولعله وهم شائع في كثير من الأحيان، ويعود بنا الحديث إلى قضية مصيرية لشعوب الشرق.. هل من المستحيل الالتحاق بقطار الحضارة السريع، أم من الممكن اللحاق به؟ فليس هناك شيء مستحيل أمام عزم الإنسان وتصميمه، وإن كان ممكناً فما العقبات التي أوصلتنا إلى هذه الحالة؟. بإمكاننا اختزال أهم المقولات الثقافية والآراء الفكرية في عدة نظريات معروفة:
النظرية الأولى: أن العلة في الغرب فيما يسمى بنظرية المؤامرة، فقد اتفقت دول الغرب على حرب العرب والمسلمين، فهي دول استعمارية، ولا تريد الخير للدول الفقيرة؛ بل هي تبحث عن أسواق لتصريف منتجاتها كالأدوية والمواد الكيميائية وحتى الأغذية وحتى مصانع الأسلحة لم تسلم من ذلك، حيث تبحث هذه الدول عن المناطق في العالم الثالث لتفتعل فيها الأزمات والحروب ليتم من خلال ذلك تسويق أسلحتها، ولا شك أن تجار الأسلحة كان لهم دور حتى على الانتخابات الداخلية لتلك الدول، كما يجب خلال ذلك إضعاف الروح المعنوية لتلك الشعوب متمثلاً في الدين الإسلامي الذي يعد أكبر مواجه لمصالح الغرب التي تبتغيها في الشرق.
النظرية الثانية: أن العلة في التراث والغلط في التاريخ وأصحاب هذا الرأي في الغالب من المتغربين الداعين إلى سلخ الإنسان من ماضيه والخروج من نفقه المظلم والانطلاق خلف الغرب دون تفكير
وقد روج لهذا الفكر كثير من المفكرين ذوي اتجاهات معروفة وخلفيات ثقافية محددة ومعروفة ونسوا أن أمماً كالصين واليابان استطاعت قطع أشواط كبيرة دون أن تنخلع من تراثها ولغتها.