مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

الدوسرية.. كنز تاريخي في المنطقة الشرقية

تعتبر قرية الدوسرية واحدة من المواقع الأثرية المهمة في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، حيث تجمع بين التاريخ والثقافة والطبيعة. تقع القرية على بعد 12 كيلومتر في أقصى الطرف الجنوبي الشرقي لمدينة الجبيل الصناعية، وتبعد حوالي نصف كيلومتر عن شاطئ الخليج العربي. تمتد مساحة الدوسرية على نحو 16 كلم2، ويغطي سطحها عدد كبير من قطع الفخار المكسور التي تنتشر على مدى  كيلومترين.
في عام 1968، تم اكتشاف فخار حضارة العبيد لأول مرة في موقع الدوسرية على يد السيدة جريس بورك هولدر. وقد أرخ البرفسور جفري بيبي هذا الفخار لفترة العبيد، مما جعله أحد أهم الاكتشافات في المنطقة الشرقية. عُثر في الموقع على آثار فخارية تعود إلى حضارة العبيد الثانية والثالثة، بالإضافة إلى بقايا أدوات مصنوعة من حجر الصوان، مثل المكاشط والسكاكين ورؤوس السهــام، مما يدل عـلى وجـــود مساكـــــــن فــــي المنطقــــة.
تاريخ الاستيطان في موقع الدوسرية يعود إلى نهاية الألف السادس قبل الميلاد، تحديداً بين (5300 - 1854 ق.م)، وهو مرتبط بجذور حضارة العبيد الباكرة ويمتد حتى منتصف فترة العبيد. بعد ذلك، هجرت المستوطنة تماماً، ومن المرجح أن هذا بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية، بالإضافة إلى التقلبات المناخية.
تشير عظام الحيوانات المكتشفة إلى أن سكان الدوسرية كانوا يربون الأغنام والماعز والأبقار المستأنسة، بالإضافة إلى مطاردة الغزلان والحيوانات البرية. كما تدل كميات عظام الأسماك الكبيرة على استفادة سكان المستوطنات من الأسماك والثدييات البحرية، بما في ذلك الأطوم والحيتان الصغيرة والمحار.
خلال عمليات التنقيب، اكتشفت البعثة الأثرية السعودية الألمانية آثار حضارات عاشت منذ أكثر من 7000 سنة، ولا يزال العمل جارياً في الموقع خلال مواسم التنقيب المقبلة للكشف عن أسرار مستوطنة الرعاة والصيادين في الدوسرية. عُثر في الموقع على قطع أثرية مصنوعة من حجر الصوان وأدوات حجرية مثل رؤوس السهام المكسورة. ووجدت قطع فخارية تم إحضارها من جنوب بلاد ما بين النهرين، بما في ذلك آلاف الأطباق والأكواب والسلطانيات المزخرفة. العدد الكبير من المراكب المفتوحة في الموقع يشير إلى أنها لم تكن تستخدم فقط للنقل، بل تعكس أيضاً ثروة ورخاء السكان في الدوسرية.
تُعد قرية الدوسرية شاهداً حياً على حضارات قديمة وعريقة، تحمل في طياتها قصصاً عن الاستيطان والتفاعل مع البيئة المحيطة. من خلال الاكتشافات الأثرية يتضح أن سكان الدوسرية كانوا يعيشون حياة غنية ومتنوعة، تجمع بين الزراعة والصيد، مما يعكس تطوراً حضارياً ملحوظاً في تلك الحقبة. إن استمرار التنقيب والبحث في هذا الموقع يفتح آفاقاً جديدة لفهم تاريخ المنطقة، ويعزز من أهمية الدوسرية كوجهة تاريخية تستحق المزيد من الدراسة والتقدير، مما يجعلها رمزاً للتراث الثقافي الذي ينبغي الحفاظ عليه للأجيال القادمة.

ذو صلة