تعد الكتاتيب من أقدم المؤسسات التعليمية في منطقة الأحساء، حيث يرجع تاريخها إلى العصور الإسلامية الأولى، عندما كان المسجد يقوم بجميع المهام الدينية والعلمية في المجتمع، حيث يستقي الطلاب علومهم من الحلقات العلمية والدراسية التي يديرها العلماء ومعلمو الكتّاب في بيوتهم، وهذا ليس حصراً على منطقة الأحساء وحدها وإنما في جميع الحواضر العلمية التي كانت الأحساء واحدة منها. ولكن وللأسف الشديد لعدم التدوين ضاعت جميع تلك المعالم المهمة في تاريخ المنطقة، ولعل أقدم مدرسة رصدتها المصادر التاريخية تعود إلى الزمن العثماني في الأحساء، وذلك أن أقدم تاريخ يوجد لأول مدرسة من هذا النوع يعود إلى القرن العاشر الهجري سنة 982هـ، فقد خصص الوالي العثماني علي باشا بن لاوند البريكي قاعة خاصة لتعليم القرآن وتحفيظه، ملحقة بجامع القبة، وقد أجرى للمعلم الذي يقوم بهذه المهمة ستة دراهم عثمانية.
ولا تعطينا المصادر الشيء الكثير عن معالم الحركة العلمية خلال الحكم العثماني إلا النزر القليل الذي لا يكشف بالطبع عن حقيقة الأمر بشكل جلي، ولعل أبرزها ما ذكره الألوسي في تاريخ نجد، وهو (أن الأحساء كانت تضم عشرين مدرسة لتعليم الصبيان حفظ القرآن والقراءات والتجويد، بجانب بعض العلوم العصرية كالحساب، وفيها ثلاثون مدرسة أخرى كانت تدرس العلوم العربية والدينية). ولا أظن أن هذه النسبة تشكل نسبة دقيقة عما كان يدور في المنطقة من حركة تعليمية واسعة، وإن كانت تكشف عن بعض معالم تلك الحركة وشدة بروزها، وذلك بسبب الاتساع الكبير الذي تتميز به الأحساء، وصعوبة تقصي المعلومات من أماكنها الصحيحة.
وهكذا فقد أخذت الكتاتيب في الانتشار والتكاثر في ربوع الأحساء حتى شملت معظم أرجاء المنطقة، وقد عرف من يقوم بهذا النوع من التعليم بلقب (المطوع) أو (الملا) للرجال، و(المطوعة) لمن تقوم بالتعليم من النساء، وهو لقب عثماني درج على ألسن الناس وذاع بينهم.
المواد الدراسية
أما المواد التي يتم تدريسها في الكتّاب فإنها تتركز في ثلاث مواد أساسيه تدرس على ثلاث مراحل متسلسلة وهي:
- المادة الأولى: قراءة القرآن الكريم حفظاً وتجويداً.
- المادة الثانية: تعليم القراءة والكتابة.
- المادة الثالثة: أوليات في الحساب.
رسوم ومكان التعليم في الكتاتيب
الرسم هو عبارة عن المبلغ الرمزي الذي يدفعه والد الابن أو الابنة عند دخول أطفالهم الكتّاب، وهو عادة يتراوح بين نصف الريال والريال، وقد يسمح بدخول من كانت حالته المادية ضعيفة دون أي رسوم يعطيها للمعلم.
وكان المقر المخصص للتدريس عادة هو منزل المطوع أو المطوعة الذي يفرد غرفة لهذا الغرض، وأحياناً إن رأى المعلم شدة الإقبال عليه فإنه يقوم باستئجار منزل خاص للتعليم فقط، حيث يصل عدد الطلاب في كتّاب واحد إلى أكثر من خمسين طالباً.
هذا مع ملاحظة أن الالتحاق بالمطوع لم يكن متاحاً لجميع الأشخاص، وإنما هو مقتصر على الميسورين مادياً، ومن لم يكن آباؤهم في حاجة إليهم، وذلك على أن تتراوح أعمارهم بين سن الخامسة والخامسة عشرة غالباً.
الوقت
ليس للدراسة في الكتاتيب أيام معينة، فهي تمتد طوال أيام الأسبوع، وقد يتوقف البعض عصر الخميس ويوم الجمعة، وهي مستمرة على مدار السنة ماعدا أيام الأعياد والمناسبات الدينية فإنه يعطى الطلاب إجازة لمدة ثلاثة أيام.
أما وقت الدوام فهو على فترتين:
الأولى: الفترة الصباحية: وتبدأ من بزوغ الشمس إلى ما قبل صلاة الظهر بقليل.
الثانية: الفترة المسائية: والبدء فيها من بعد صلاة العصر إلى حين الغروب قبل صلاة المغرب.
ويضيف بعضهم فترة ثالثة: وهي الفترة المخصصة لكبار السن من الشباب أو الكهول ممن لهم رغبة في التعليم على غرار محو الأمية الموجودة اليوم لمن فاتهم قطار التعليم في طفولتهم، حيث تبدأ دراستهم بعد صلاة العشاء وتستمر لمدة ساعة أو ساعتين، وكان من أبرز معلمي هذه الفترة السيد ياسين الموسوي في مدينة المبرز.
الموارد المالية للمطوع والمطوعة
يعتبر المطوع شخصاً متفرغاً لمهنته، ليس له موارد مالية أخرى، لما يتطلبه عمله من توجه تام ومتابعة مستمرة، لذا ليس من حرج في أخذ المساعدات المالية من أولياء الأمور في مناسبات مختلفة بعضها يأخذ صفة إلزامية والبعض الآخر لا يأخذ الصفة الإلزامية، وإنما يعتمد على ولي أمر الطالب نفسه، وهي تحمل مسميات عديدة، مع ملاحظة أنه ليس بالضرورة أن ما يعطى في كتّاب قد يعطى في كتّاب آخر، إذ قد تختلف المناسبات من كتّاب لغيره، كما أنها تعتمد على المستوى المادي لأولياء أمور الطلاب:
1 - القعودة: وهو الرسم الذي يدفعه الطالب لدخول الكتّاب، وتتراوح بين النصف والريال الواحد.
2 - الفتح: وهي هديه يقدمها التلميذ للمطوع عندما يختم الطالب كل من سورة الفجر أو جزء عم أو تبارك أو الرحمن أو يس أو الإسراء أو المائدة أو البقرة، ومقدارها ريال واحدـ إضافة إلى هديه عينيه ككيلو من السكر أو الشاي أو الرز وغيره.
3 - فتح النصف: وهي لمن بلغ في قراءته منتصف القرآن الكريم، عند آية (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) (الكهف : 62). ورسمها أن يحضر الطالب للمطوع في اليوم التالي طعام الغداء.
4 - النافلة: عبارة عن هديه تدفع للمطوع في المناسبات الدينية، كذكرى الإسراء والمعراج ويوم النصف من شعبان والنصف من شهر رمضان، وهي غير محددة.
5 - العيدية: وتعطى للمطوع في الأيام الأولى من عيد الفطر وعيد الأضحى، وهي غير محددة أيضاً كل حسب إمكاناته واستطاعته المادية.
6 - الإكرامية: وتختص في مواسم الرطب والتمر، حيث يرسل والد الطالب إلى المطوع شيئاً منهما.
7 - الخميسية (الحطوطة): وهي عبارة عن إحضار الصبية كل خميس هديه قد تكون نقداً أو تمراً أو رزاً أو حليباً أو خبزاً.
8 - الختمة: وذلك رسم من ختم القرآن، وهي غير محددة بمقدار معين من المال، وإنما يدفع كل على حسب استطاعته، أما البنت فإن كانت ميسورة الحال فهي كالصبي وإلا ينتظر إلى حين زواجها فيؤخذ جزء من مهرها ويسمى (قطوعة).
حفل الختمة
يعد حفل الختمة من أعظم المناسبات الاجتماعية التي يبتهج فيها الأطفال من الجنسين، وموعدها عادة بعد أن يختم التلميذ القرآن، ويتأكد المطوع أو المطوعة من حفظه وإتقانه له. وتبدأ مراسم الحفل بأن يأخذ لوح من الألواح التي يدرس عليها وتلف بقماش حرير أخضر ويثبت في وسطه (بنجر) وهو عبارة عن سوار من الذهب، وينطلقوا من بيت المطوع بعد أن يرتدي الطلاب الملابس الجديدة، ويصحبهم شخص يجيد حفظ التحميدة فيدار بالصبي أو الفتاه إلى منازل أسرته وبيوت زملائه من الطلاب ومن يمت إليه بصلة، فإذا بلغوا بيت أهله وضعوا اللوح على رأس الخاتم، ويبدأ المنشد في إنشاد التحميدة والأطفال يهتفون بعد كل مقطع من القصيدة بكلمة (آمين)، وبدورهم يقوم أصحاب المنزل بوضع شيء من النقود داخل البنجر، وهناك أكثر من صيغة متعارفة للتحميدة لدى أهل الأحساء تختلف في الشكل وتتشابه في المضمون، نذكر ثلاثة نماذج منها:
الحمد لله الذي هدانا
للدين والإسلام واجتبانا
سبحانه من خالق سبحانه
بفضله علمنا القرآنا
نحمده وحقه أن يحمدا
ما ظهر الدهر وما طاح الندى
ثم الصلاة كلما الحادي حدا
على النبي الهاشمي محمدا
***
هذا غلام قد قرأ وقد كتب
وقد تعلم الرسائل والخطب
ولا تقصر يا بن أشراف العرب
واطرح على اللوح دراهم وذهب
ولا يكن طرفك هم وغضب
فالله يعطي ثم يمنح ويهب
***
علمني معلم ما قصرا
رددني في درسه وكررا
ابن تعلمت كتاباً أكبرا
حتى قرأت مثله كما قرا
جزاك الله يا والدي الجنانا
وشيد الله لك البنيانا
الجد والجدة لا تنساهما
فعند ربي وحده جزاهما
في جنة الخلد مع الولدان