جيل الوسط Middle Generation يتوسط بحكم التعريف جيلين: الأول الشباب، والثاني الكبار، ويعبر عن المرحلة العمرية الممتدة لعقد من العمر من الأربعينات إلى الخمسينات. ويفترض في أبناء جيل الوسط أن تكون لديهم الخبرة والتجربة والنضج اللازم بفعل سنوات الحياة العملية، وفي الوقت ذاته تنتعش بداخلهم جذوة العمل التي لم تنطفئ، وبعض من شجاعة أحلام الشباب في تغيير الواقع.
ولكن هذا الجيل يواجه تساؤلات صعبة، تجعله دائماً في حالة غير مستقرة، فهو الأقرب إلى الشباب لكنه لا ينتمى إليهم، وهو على أعتاب الجيل الأكبر، لكنه لم يلج إليه بعد. هذه المرحلة الوسيطة القلقة، وهي التي اكتسب جيل الوسط تعريفه منها؛ تضعه في موضع فيه: تحدٍّ، وآمال، وتنافس، وأعباء. وهو أيضاً الجيل الذي استطاع أن يتوسط تطورات الحياة الجديدة، ليس شاباً متقداً في عالم تكنولوجيا الاتصالات، لكنه يتواصل بها، ويستخدمها أفضل من الجيل الأكبر، وهو يمتلك النظرة الفاحصة التي تؤهله لاعتلاء موقع الناقد في المجتمع، ينتقد اندفاع الشباب، وقلة خبرتهم، وينتقد تشبث الشيوخ، ورغبتهم في الهيمنة، ويقف بين الاثنين غير قادر على بلورة هوية خاصة به.
سؤال الأعباء.. جيل السندوتش
سكَّ أحد العاملين في المجال الاجتماعي بالولايات المتحدة (دورثي ميلر) Dorothy Miller عام 1981 مصطلح (جيل السندوتش) Sandwich Generation، وقد أضاف قاموس (أكسفورد) المصطلح في عام 2006م، وهو يعني أن جيل الوسط يقبع بين جيلين يضغطان عليه من أسفل ومن أعلى. المستوى الأول هو الجيل الأكبر، القريب منه، الذي يحتاج إلى مزاملته ورعايته، سواء كان في صورة والدين متقاعدين، أو أستاذ جامعي يحتكر المعرفة العلمية، أو قيادات سياسية يتبعها. أما المستوى الثاني فهو الأطفال والشباب، الذين يحتاجون دائماً إلى دعمه ورعايته سواء في صورة أبناء في مراحل التعليم، أو عاملين في مستويات إدارية أقل، أو طلاب في الجامعة أو المدرسة.. إلخ. جملة من الأعباء المادية والنفسية والاجتماعية ملقاة على عاتق جيل الوسط، بحكم تموضعه في منتصف سلم الحياة. ومن الطبيعي أن تلازم جملة من الخصائص النفسية أبناء جيل (السندوتش) -كما يطلق عليه- تتمثل في الضغط النفسي، وتزايد الأعباء المادية، خصوصاً مع تقدم الأبناء في العمر، وارتفاع تكلفة التعليم، والشعور بالإحباط أحياناً نتيجة التفاوتات الاجتماعية بالنسبة له.
سؤال الدور العام.. تحرش الأجيال
في أحد النقاشات التي دارت في ندوة عقدت عن (جيل الوسط) في إحدى المؤسسات الثقافية في مصر أواخر عام 2010م، بينما كان المجتمع يموج بصيحات التغيير؛ تساءل أحد المشاركين: متى يأخذ أبناء جيل الوسط فرصتهم؟ منوهاً إلى أن هناك قادة عالميين -مثل توني بلير وباراك أوباما وغيرهما- تولوا مقاليد الأمور في دولهم، وهم في منتصف العمر، فابتسم المتحدث على المنصة، وهو مثقف بارز، قائلاً: عندما يحصل الجيل الأكبر على فرصته! وأضاف ضاحكاً: لا ينبغي أن ندعو إلى تحرش بين الأجيال. يعني ذلك باختصار أن هناك جيلاً تجاوز الخمسين والستين والسبعين من العمر ولا يزال يبحث عن مستقبله في الحياة العامة، ليس على صعيد الفكر أو الإنتاج الأدبي أو الفني فحسب، ولكن أيضاً على صعيد تولي مواقع اتخاذ القرار، أياً كانت التصورات أو الشرعية التي ينطلق منها. هذه الحالة التي تسود العالم العربي، تعرضت للاهتزاز في السنوات الماضية، لكنها لا تزال باقية بصورة أو بأخرى، وهي تشكل انقطاعاً عن التيار العالمي الذي يرى أن جيل الوسط هو المؤهل لشغل المستويات العليا من مواقع العمل التنفيذي، والدليل على ذلك أن هناك رؤساء دول وحكومات شغلوا مواقعهم بينما هم في الأربعينات من العمر. في هذا السياق لا ينبغي أن نغفل أن المشكلة التي كثيراً ما تؤرق أبناء جيل الوسط هي شعورهم بأن قطار الحياة يمضي دون أن يحققوا الإنجازات التي يتطلعون إليها، فمن ناحية هناك كثير من الأصوات الرسمية وغير الرسمية في العالم العربي تدعو إلى تمكين الشباب، ولا تتحدث عن جيل الوسط، في الوقت الذي لا يزال الجيل الأكبر يتولى مواقع اتخاذ القرار، ويبحث عن مشاركة من الشباب إلى جوارهم، أياً كانت حجمها أو مضمونها أو الهدف المرجو منها، والمحصلة النهائية هي تجاوز جيل الوسط، والقفز عليه.
سؤال الرفاهية الاجتماعية.. ارتفاع التكلفة
الجيل الوسط، جيل السندوتش، يقبع بين نقيضين كليهما مكلف مالياً بالنسبة له: أعباء الأبناء، وأعباء الكبار، بينما لا يجد مساحة يلبي فيها احتياجاته. فقد باتت أسباب الرفاهية الاجتماعية في المجتمع مكلفة. وبينما يظن كثيرون أن منتصف العمر فرصة للاستقرار المعيشي؛ يجدون أنفسهم غير قادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهم، أو ممن فرضت الظروف عليهم إعالتهم في الحياة، وفي الوقت نفسه تضيق الفرص الاقتصادية من حولهم. قد تكون هذه إحدى الإشكاليات التي تواجه جيل الوسط من أبناء الطبقة الوسطى، حتى في شرائحها العليا، مهنيين أو مثقفين أو كبار موظفين أو فنيين؛ لم تعد دخولهم الثابتة قادرة على توفير مساحة الرفاهية الاجتماعية التي يتطلعون إليها، في الوقت الذي يعانون فيه من ارتفاع تكلفة فاتورة الحياة تجاه من يتولون رعايتهم سواء من الصغار أو كبار السن. هناك روايات اجتماعية مهمة صادرة من أبناء جيل الوسط تجسد المعاناة التي فرضتها عليهم التحولات الاقتصادية في مجتمعاتهم، تلك التي نجمت عن ارتفاع الأسعار، وتصاعد تكلفة الخدمات، بينما يعتري الرواتب ثبات، أو جمود، أو عدم قدرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة. ومما يزيد من ضغط الحياة الاجتماعية على أبناء جيل الوسط الأزمة النفسية التي يعاني منها الكثير منهم، والتي تعرف بأزمة منتصف العمر، حيث تثور بداخلهم تساؤلات وهواجس وأحلام مرتبكة عن فرص ضاعت وأخرى غائمة، مما يرفع من مستوى الضغط النفسي الذي يداهمهم.
تساؤلات الحياة المقلقة
جيل الوسط في قلب التساؤلات المضطربة في الحياة: الأعباء الإنسانية، الدور العام، الرفاهية الاجتماعية، الكل متداخل، ومتشابك، يصعب الفصل بين حلقاته، وكلما ازداد السلم الاجتماعي اضطراباً وتعقيداً، انعكس ذلك بالسلب عليه، ويبدو أن معاناته سوف تستمر، سواء بفعل تأخر سن الزواج مما يجعل الأعباء الأسرية تزداد بالنسبة للشخص في جيل الوسط عندما تكثر مطالب الأبناء عندما يبلغون مرحلة المراهقة أو الشباب، خصوصاً في ضوء ثورة التطلعات التي خلقها العالم الإلكتروني الذي تعيش فيه الأجيال الأصغر، وارتفاع تكلفة التعليم في الوقت الذي تزداد فيه وتيرة الصراع الاجتماعي، وتتسع مساحة الشرائح الشابة في البنية السكانية في المجتمع، ويصبح جيل الوسط في وضع يلهث فيه لتلبية الاحتياجات الملقاة على عاتقه، وفي الوقت ذاته يواجه الأجيال الأكبر التي لا تزال في مواقع الهيمنة الاجتماعية والسياسية والثقافية.