مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

تاريخ التغير المناخي بالمنطقة العربية

لكي نفهم الوضع الجغرافي للمنطقة العربية على كوكب الأرض، لا بد أن نتحقق من صفات البيئة التي تحيط بنا، علينا أولاً أن نعلم أننا نعيش في أكثر مناطق الأرض جفافاً، وذلك بسبب الوضع الجغرافي، نتيجة حركة كتل القشرة الأرضية في تاريخ الأرض الجيولوجي القديم، إذ نتج عن هذه الحركة تزحزح قارة أفريقيا بأكملها في اتجاه الشمال ومعها شبه الجزيرة العربية، واستمرت هذه الحركة حتى أوقفها أو على الأقل قللها الاصطدام مع كتلة قارة أوروبا.

كانت هذه الحركة الدائمة في اتجاه الشمال سبباً في بعد شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية عن خط الاستواء حتى قلت الأمطار رويداً رويداً. أهم ما نتج عن هذا التاريخ، وبخاصة من ناحية الغلاف الجوي؛ هو أن مناخ منطقتنا قد تغير جذرياً رويداً رويداً، وبطريقة طبيعية لذلك نجد اليوم أن منطقتنا العربية هي أكثر مناطق العالم جفافاً (كما يمثل شكل 1).
على سبيل المثال فإن الأراضي في غرب النيل وشرق ليبيا يفوق جفافها أي صحراء بالعالم أجمع، (كما يوضح شكل 1). إن مقياس الجفاف في المنطقة بأكملها يساوي 200، والمقارنة مع أي صحراء أخرى يذهل المرء، على سبيل المثال نفس مقياس الجفاف في صحراء غرب أمريكا في مكان سموه (وادي الموت) لشدة جفافه يساوي رقم 7. وبالمقياس نفسه كان المناخ في بيئة (سافانا) التي تزخر بأمطار أهّلت نمو الأشجار والحشائش. هذا المناخ المناسب أهّل للإنسان والحيوان المعيشة والحركة بسهولة من مكان إلى آخر، وأثبت ذلك وجود كثير من آثار الإنسان والحيوان في وسط الصحراء، (شكل 2). استمر هذا الوضع المناسب للحياة في أراضي شبه الجزيرة العربية وشمال قارة أفريقيا من 11000 إلى 6000 سنة قبل الوقت الحاضر.
منذ أن قلّت الأمطار في هذه المنطقة من الأرض التي تشمل العالم العربي؛ اختفت النباتات وهاجر الإنسان وما تمكن من الحيوانات أيضاً إلى بيئة تسمح بالمعيشة. كانت هذه الهجرة إلى أماكن يمكن أن تؤهل الحياة لوجود الماء الدائم مثل وادي النيل والواحات المتباعدة في كل من شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية. لذلك فنحن العرب أول من يفهم أهمية تغيير المناخ وأثره على حياة الإنسان.
لهذه الأسباب الطبيعية والتاريخية؛ فإن الحديث عن البيئة وآثارها على الإنسان يجب أن يجد أذناً صاغية في كل أنحاء العالم العربي. لذلك علينا أن نعلن هذا الموقف جهوراً أمام العالم أجمع. على سبيل المثال كانت مصر من أول الدول التي أنشأت وزارة للبيئة، كذلك كانت الجامعة العربية من أول التجمعات العالمية للحفاظ على البيئة، واليوم يجتمع العرب جميعاً على دعم الأبحاث العلمية التي تؤهل الفهم الأفضل للبيئة وسبل الحفاظ عليها.
وأنتهز الفرصة هنا للدعوة لقيام جمعية علمية عربية متخصصة تحت اسم: (الجمعية العربية للحفاظ على البيئة) (Arab society for environmental conservation)؛ فلقد حان الوقت أن يتعرف العالم أجمع على تاريخ وفلسفة الحفاظ على البيئة بالعالم العربي، منذ قديم الزمن. قلة من الناس تعلم أنه منذ عهد قدماء المصريين كان الاهتمام بالبيئة من أهم واجبات المجتمع، لقد قنن قدماء مصر على كل مصري ومصرية الإجهار: (أنا لم ألوث النهر)، وإلا فلا مكان في الجنة للإنسان الذي لا يستطيع أن يجهر بهذه الكلمات.
لهذا السبب فإنني أهنئ القائمين على العمل الحالي لنشر الوعي البيئي في العالم العربي، وأحيي كل من شارك بفكر وكلمات تساعدنا جميعاً للحفاظ على البيئة لصالح أجيال المستقبل.


* الرئيس المتقاعد لمركز أبحاث الفضاء
جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية

ذو صلة