مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

جسر بين الثقافات واللغات

يحتفل الاتحاد الدولي للمترجمين باليوم الدولي للترجمة منذ عام 1991، (بشأن دور المهنيين اللغويين في إقامة روابط بين الأمم وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية، وأعلن يوم 30 سبتمبر اليوم الدولي للترجمة) (منظمة الأمم المتحدة، 2019). في هذا السياق ما هي أو ما ينبغي أن تكون أهمية هؤلاء المهنيين في العلاقات الدولية؟ بشكل عام، عند التحدث إلى الزملاء الذين يكرسون أنفسهم لهذه المهنة، هناك تصور بأن عملهم يتم التقليل من شأنه.

من المهم أن نبدأ من التفكير في العلاقة الموجودة بين اللغة والثقافة لأنهما عنصران أساسيان لعملية الاتصال الأساسية لأن الفعل التواصلي يحدث في سياق اجتماعي ثقافي، حيث يوجد قدر معين، حيث يتبادل المشاركون الأنماط والسلوكيات والافتراضات الثقافية. لذلك فإن الترجمة هي عمل من أعمال التواصل بين الثقافات يكون للمترجم فيه دور نشط لا يمكن الاستغناء عنه لأنه يبني روابط بين الثقافات المختلفة، فهو مشارك نشط مسؤول عن تكييف نص ثقافة المصدر مع نص ثقافة المصدر. فإن المترجم هو أحد المهنيين اللغويين القلائل المدربين على نقل رسالة من نظام إلى آخر، يؤدي مهمة اتصال يكون فيها قارئاً، في المرحلة الأولى وكاتباً في مرحلة ثانية.
من الناحية المهنية، فإن الترجمة التحريرية والشفهية هي مهنة، يتم دراستها على المستوى الجامعي، هي وظائف مستقلة عن اللغات أو تدريس اللغة. هناك زملاء متخصصون في تركيبة اللغة (لغتان فقط) أو جوانب تقنية أكثر (الطب والبتروكيماويات والقانون والأدب.. إلخ). في الواقع، يجب أن يمتلك المترجم لغة أخرى، ولكن يجب أن يتعلم أيضاً تقنيات وإجراءات الترجمة التي تسهل عملهم، وتحليل المشكلات المختلفة التي قد يواجهونها أثناء العمل ومعرفة سوق العمل الذي هم جزء منه.
يعرف المترجم أكثر من لغتين، ويعرف ثقافات وعوالم مختلفة من منظور مختلف. وهو محترف يكتسب المعرفة ويطبق الإستراتيجيات ويتعلم الموارد ليتمكن من المشاركة بكفاءة في التواصل بين الثقافات. ومع ذلك هناك حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام تتعلق بعمل المترجمين وهي دخلهم المتدني مقارنة بالمهن الأخرى في الوطن العربي، ومقارنة مع الزملاء في الدول المتقدمة، إلا أن هناك تصوراً سائداً أن خدماتهم باهظة الثمن. إن طريقة العمل في الترجمة في العالم العربي وأجزاء أخرى من العالم تتناقض بشكل كبير وذلك عند مقارنة أهمية ودور الترجمة في التقدير المادي والمعنوي التي يحصل عليها المترجم. من تجربتي كطالب ومترجم في أوروبا وفي حالة زملائي الأوروبيين، عادةً ما يترجمون من 3 أو 4 لغات دائماً إلى لغتهم الأم وبأجور معقولة، ولكن في واقعنا في الوطن العربي، وفقاً لتجربتي، يختلف الأمر، لأن معظم الترجمات مطلوبة إلى الإنجليزية وليس العربية، لغتنا الأم. لذا إذا كنت ترغب في العمل من أجل اللغة العربية فقط، فلن تحصل على عمل أو وظيفة.
بالعودة إلى القيمة المجردة ومن النقطة الأكثر قيمة لدينا، والتي تقودنا اليوم لكتابة هذه السطور، فإن علوم أي ثقافة تنتقل عبر اللغة، لذلك يجب على المترجمين تجاوز حدود أنظمتهم الثقافية الخاصة ودخول عوالم الآخرين والتغلب على ما يسمى بالحاجز الثقافي. بهذه الطريقة، سيتعين على المترجم النظر في سياقات مختلفة: الظروف التي أثرت في إعداد الوثيقة، والخلفية الثقافية لمحررها، والأشخاص الذين يمولون الترجمة، والجمهور الذي سيقرأها، والمعرفة والخبرة ومستوى للغة المترجم وعملية الترجمة.. إلخ.
من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن سبباً آخر يجعلنا نعتبر هذا التفكير وثيق الصلة يرجع إلى الأخطاء التي تحدث بالترجمة من قبل وزارات السياحة في الوطن العربي، والتي ظهرت فيها أخطاء واضحة جداً في الأسماء الصحيحة للدول والمدن الرمزية في الوطن العربي. لفتت هذه الحقيقة انتباهنا لأنها سمحت لنا بتعزيز تصورنا للاستخفاف الموجود فيما يتعلق بعمل المترجم، أن هذه الحالة يمكن أن تعود لعدة عوامل، منها تخفيض الميزانية، والتوفير في الترجمة، ويقودنا إلى التفكير في كيفية تنفيذ هذا العمل في بيئة العمل، هل هو مترجم محترف أم مترجم آلي؟
في الختام اليوم هناك نمو كبير في قطاعات الترجمة بفضل العولمة وتوطين وتسويق المنتجات المختلفة في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن إضفاء الطابع الديمقراطي على الإنترنت وتقنيات المعلومات الجديدة في العالم يتطلب اتصالاً أكبر ليس فقط من الناحية التكنولوجية، ولكن أيضاً من الناحية اللغوية، لذلك لا يزال عمل المترجمين المحترفين والبشريين ضرورياً في أي مجال مهني يطمح إلى أن يكون له تأثير دولي، سيتطلب بالتأكيد عمل مترجمين، وهذا يعني أنه إذا قرأ شخص ما هذا التفكير، فهم يعتقدون لماذا أحتاج إلى ترجمة؟ إذا كان ما تحتاجه هو خدمة احترافية، فعليك أن توليها الأهمية التي تستحقها وأن تقدر الجهد وتجزيه الأجر الذي يستحق كمترجم محترف.
النقاط الأخرى التي ستبقى معلقة هي المظاهر المتعددة للترجمة، مثل التحدي المتمثل في ترجمة وتفسير أي لغة وتفسير لغة الإشارة العربية أو الترجمة السمعية البصرية وللصم أو ضعاف البصر وكذلك أنواع الترجمة المختلفة المعروفة بأنها الخدمات الأكثر تقنية وعلمية وتجارية ونأمل في زيادة الوعي من خلال مخاوفنا حول هذا الموضوع ويمكن أن تكون جزءاً من الحوارات التي يجب أن نسعى ونعمل عليها بصفتنا كدوليين. نرجو من المسؤولين العرب إنصاف المترجمين وتقدير جهودهم مادياً ومعنوياً حتى يسهموا بشكل أفضل في تحقيق التقدم والازدهار.

ذو صلة