مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

من أدب الاصطياف.. في شعر ونثر الغزاوي

من هو أحمد بن إبراهيم الغزاوي الذي نتحدث عنه؟
شاعر سعودي مخضرم. ولد بمكة المكرمة عام 1318هـ/ 1900م. وتوفي سنة 1401هـ/ 1981م. شاعر حوليات موسمية شهير أيام الحج، وكان يلقب بـ(حسان الملك عبدالعزيز).
إلى جانب شاعريته الفذة التي شهرته وبوأته مكانة علية، كان الغزاوي ناثراً أدبياً من الطراز الأول، فله قصائد حولية كثيرة، وله مقطوعات أكثر، إلى جانب مقالات عديدة، وشذرات بلغت 1935 شذرة أدبية فريدة من نوعها.
الغزاوي والاصطياف
كان الغزاوي -يرحمه الله- واحداً من عشرات ومئات الأدباء والشعراء سعوديين وعرباً، الذين عكست شاعرياتهم وأدبياتهم، تأثرهم بالأجواء البديعة، والأمكنة الجميلة، التي كانوا يقصدونها للانتجاع والاصطياف هرباً من الأجواء الحارة في مدنهم التي يعيشون فيها، وأقرب مثال لنا على هذه الحالة التي نحن بصدد الكلام عنها، أدباء وشعراء مكة المكرمة وجُدة، وأقرب مصيف ومنتجع لهم هو الطائف.
كانت الطائف منتجعاً ومصيفاً في الجزيرة العربية منذ عصرها الجاهلي، يوم كان للسادة والمقتدرين من أهل مكة، حياض ورياض بها، يختلفون إليها صائفة كل عام، فقد ولد فيها دهاة العرب كما يقولون: (معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وزياد بن أبيه، والمغيرة بن شعبة الثقفي)، فكان لوالد معاوية صخر، ولجده حرب من قبله، ضاحية الوهط من أعلى المثناة، وباعها قبل خلافته لعمرو بن العاص، وأراد استردادها منه بعد الخلافة بحيلة الدهاة، ولكن هيهات.. فهذا داهية وهذا أدهى منه! ولهذا الموقف قصة مبسوطة في مراجع كثيرة. ومعاوية هو الذي قال ذات يوم، وكأنه يتحسر على أيامه الخوالي بالطائف: (أغبط الناس عيشاً عبدي -أو قال مولاي سعد، وكان يلي أمواله بالحجاز- يتربّع بجدّة، ويتقيّظ بالطائف، ويشتو بمكة)، ولذلك وصف محمد بن عبدالله النّميري زينب بنت يوسف أخت الحجاج، بالنعمة والرفاهية، لأنها كانت تتنقل بين الطائف ومكة فقال:
تشتو بمكة نَعمة
ومصيفها بالطائف
إن أجمل أوقات الأدباء وأحلى أماسيهم صيفاً، تلك التي تمت لهم في نواحي الطائف المأنوس، في جنبات بساتينه الغناء، وبين أزهاره ورياحينه الفواحة، ومع صحبة من أرباب الشعر والأدب والفن والموسيقى الشجية. من مثل: (حمزة شحاتة، وحسين عرب، وعبدالله بالخير، وطاهر زمخشري، وحسين سراج، ومحمود عارف، وحسن قرشي، وأحمد قنديل.. والقائمة تطول). وهذا ما نجده ونلمسه فيما نشر من أدبيات كثيرة لهم نثرية وشعرية، ومن أبرزها وأشهرها، تلك التي ظهرت ونشرت للشاعر الأديب (أحمد بن إبراهيم الغزاوي) رحمه الله.
أدب الاصطياف في شعر الغزاوي
كان الشاعر أحمد بن إبراهيم الغزاوي، من شعراء المعجم المكثرين شعراً في الطائف وللطائف، أولئك الذين بلغ عددهم نحو 160 شاعراً وشاعرة من العصر الجاهلي حتى زمن صدور المعجم 1420هـ. كتب الغزاوي 14 قصيدة تذكر الطائف مكاناً وإنساناً وزماناً، وفي كل قصيدة من هذه، نلمس أدبيات اصطياف صريحة كلمة ومعنى، فهو يذكر أمكنة انتجاعه من: جبال وأودية ووديان وغدران وحدائق وخلافها، وينثر إعجابه بما في البيئة الاصطيافية هذه من زهور وورود ورياحين وأشجار باسقة، وما تنتجه أرض الطائف من فواكه شتى، فيها أعناب ورمان وتين إلى غير ذلك. ويذكر الأمكنة التاريخية والأثرية، مثل سوق عكاظ والقصور التاريخية، والدروب والآبار، ويعكس ما عاشه من أجواء خلابة فيها سحب وأمطار وضباب وغيوم وسيول ونحو ذلك، كما أنه لا ينسى الإشادة بدور الإنسان في البناء والتعمير على مر تاريخ هذا المصيف، ويصف حياة الناس وجهود الدولة في توفير الأمن والرخاء لهم.
(1)
نبدأ معه من قصيدة: (بساط الريح 10 أبيات) فهو يصف فيها مشاهدته ذات صائفة لطائرة أقلت (الأمير فيصل بن عبدالعزيز) -الملك- من جُدة إلى الطائف، فعبرت الهدا وجبل الغُمير فيقول:
حتى أطلت بك الهيفاء مائسة
على الغُمير تهادى في تثنيها
(2)
ويأتي في قصيدة: (منارة الطائف 12 بيتاً)، يصف تنزهه مع صحبه في حي قروة ووادي وجّ والعقيق وليّة وقرن والوهط والشفا. وأمكنة كثيرة في 12 بيتاً مفعمة بالحبور والفرح في أجواء اصطياف بديعة. فمما قال في هذه القصيدة:
ألا يا حبذا أيامنا حول قروة
إذْ الناس في حظ من البِشر دائب
وإذْ نحن لا نألو الشباب حقوقه
ونمرح في نُعمى الأماني الجواذب
وتهفو بنا النسمات حين هبوبها
إلى فُرَض اللذات تحت الكواكب
(3)
ونقف معه مرة أخرى عند قصيدته: (في طريق المثناة 21 بيتاً)، وهي التي كانت موئلاً للمغنين والمغنيات، ومقصداً للأدباء والشعراء، وهدفاً للمتنزهين والمصطافين، الذين يتنعمون ببساتينها الغناء، وأجوائها الصيفية الجميلة، في العصاري والأماسي طيلة أشهر الصيف. يقول من بين 21 بيتاً راقصاً:
بينما كنا أصيلاً
في طريق المثنّاة
نمتطي سيارة
ولعت بالوثبات
لاح سرب يتهادى
عن يمين الأثلات
في غرور وحبور
وحليٍّ وشيات
خاله البعض ظباءً
من كِناس نافرات
فتمطى مستطيلاً
ثم أهوى بالعظات
قال: رفقاً بالغواني
ورويداً بالمشاة
خففوا السير قليلاً
وافسحوا للسيدات!
(4)
ثم في قصيدة أخرى، يصف منظر ائتلاق الكهرباء فوق مئذنة مسجد الحَبْر عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- والسحب تحف بها.. قصيدة: (بين الفجر والسحر 7 أبيات). أحاسيس مرهفة، تعكس تأثر الشاعر بأجواء المصيف الخلابة، وإحاطته بما يستجد في حياتها، ويسعد به الناس. فممّا قال في هذه القصيدة:
أهوَ الفجر بالغزالة أعرس
أم هو الصبح في هواها تنفس؟
أفق كالدمقس شفّ أديماً
وحواشيه كالخمائل تعكس
إلى أن يقول:
وكأن الأنوار فيها تراءى
شفق شيب بالضحى وتغلس
وبأعلى منارة الحَبْر عقد
شع كالماس أو هو الماس يقبس
(5)
وهذه وقفة اصطياف وانتجاع له ولصحبه بوادي ليّة من جنوبي الطائف. قال من أبيات بعنوان: (في وادي ليّة 6 أبيات):
بأبي من رأيتها فاستراحت
نظرتي نحوها فقالت: علامك؟
قلت: صبٌّ أصيب بالعين قالت:
روع الله من على الحب لامك
أنت من ليّة بدار عوفٍ
حيث فرط العفاف يذكي غرامك
إن فيها من الظباء نحوراً
يتناجين في المروج مرامك
(6)
والشاعر لا يترك مكاناً داخل مدينة الطائف أو ضواحيها إلا ويقف عليه، فاصطاف وانتجع وتنزه، وعبّر عن شعوره، وأوضح عن مشاعره شعراً عذباً. هذه المرة يقصد جَبْرة من أسفل وادي وجّ في قصيدة: (بين الخمائل والزهور 15 بيتاً) فيقول منها:
في كل منبت غرسة من جبرة
أنّى أصخت لها لسانٌ ناطق
يتلو عليك إذا استمعت بيانه
سنن البقاء لكل من هو حاذق
فالزهر فيها كالعقود موشح
والغرس فيها كالدمى متناسق
مهما يداعبها النسيم تخالها
آرام وجرة بالصَّبا تتعانق
ويضيف:
وكأن ألوان الزهور خلالها
استبرق تزهو به ونمارق
والماء في جنباتها متدفق
يجري كما اخترق المجرة بارق
(7)
وفي واحدة من مطولاته في شعره الطائفي الغزير، نأتي معه إلى متنزه آخر جاذب من متنزهات الطائف -وما أكثرها في شعره- ففي قصيدته: (فاجنح إلى الروض وارمح في خمائله 41 بيتاً)، ومن بينها يذكر الغدير والزهر، والهضاب والرباب، ومواقع كثيرة.. يقول:
فاجنح إلى الروض وامرح في خمائله
وقد تفتق فيه الزهر والورق
إلى الغدير- وقد رقّت أصائله
وراق فيه الشذى والمنظر الأبق
إلى الهضاب إلى ماء السحاب إلى
صوت الرباب تهادى وهو متسق
إلى البطاح إلى الأدواح باسقة
كأنها بعد طول الهجر تعتنق
إلى المروج غداة الطل باكرها
كما يكلل خد الغادة العرق
يغشى النسيم عليها في ملاطفة
خطو اللصوص تحدى نقلها الفَرق.
(8)
أما في قصيدته: (عكاظ مكة ومربد البصرة 33 بيتاً)، فهو يصور أجواء أدب وشعر سوق عكاظ، طارحاً قضية الخلاف الذي نشب في زمنه حول مكان السوق قبل حسمه بعد وفاته. فمن ضمن ما قال:
ألف عام خلت وبعض قرون
وعكاظ يلوي به التعريف
جهلوه وما دروا عنه حتى
زاد فيه الخلاف والتكييف
هو في السيل تارة ثم يوماً
هو في العرج أو هو التحريف
هل سها عنه أهله وهو منهم
منهل سلسل وظل وريف..؟
(9)
وهذه قصيدته: (نُقبِّل في يمناك يمناه غبطة 22 بيتاً)، يحيي فيها (الملك سعود) -يرحمه الله- عندما كان ولياً للعهد وقدم للطائف صائفة أحد الأعوام، وفي القصيدة يذكر حشداً من أسماء الأمكنة في الطائف. مما قال:
نعمّا بك الإصباح وهو سفور
ويا حبذا الإمساء وهو سرور
ومرحى بشبرا أو العقيق وجبرة
ضحاك وأزهار الربيع شذور
إليك اشرأب الشعب ظمآن صادياً
إلى الكوثر الفياض وهو نمير
إلى أن يقول:
ومن كان من عبدالعزيز اقتباسه
فآصاله رغم العشي بكور
وهل أنت إلا سره وصفيه
وصارمه البتار وهو طرير
(10)
ثم في قصيدته: (بل أنت أزهى عندنا 55 بيتاً)، يتناول جبل كرا الشهير وقد ذُلل بمشروع عالمي رائد، فقد انتهز مناسبة زيارة (الملك سعود) -يرحمه الله- لتفقد مشروع شق الجبل عام 1379هـ، ليسرد الكثير من أسماء الأمكنة المحيطة بكرا والهدا والطائف، مصوراً عظمة المنجز الحلم. مما قال:
حلم تزاور في الكرى
أم سيف عزمك في كرى
ما كان في خلد القرو
ن ولا حديثاً يمترى
ثم يقول:
إن الهدا وشعاره
وصلت به أم القرى
أبصر يمينك تقترب
منك الرفارف من حرا
إلى أن يقول:
بشراك وجّ وليفض
فيك السحاب مسخرا
وسقاك منبجس الحيا
غيثاً ملثاً ممطرا
(11)
أما قصيدته: (مدينة تبكي وأسرة تنكب 35 بيتاً)، فهي تؤرخ لفاجعة حريق بيت آل عرب بالطائف، وفيها تصوير دقيق لحالة المصيف وأهلها في هذه الحالة. مما قال فيها:
سمرن ظباءً واستحرن صياما
وأصبحن صرعى واعتشين ركاما
فجيعة بيت بات يمرح أهله
نعيماً وأمسى في الرغام حطاما
حتى يصل إلى قوله:
تساقطن من أعلى النوافذ بعدما
جبهن اللظى واحتاطهن خطاما
فما كدن يبلغن الثرى وطباقه
من الأرض حتى خلتهن عظاما
(12)
وهذه قصيدته: (ورد الهدا 9 أبيات)، يرد بها على قصيدة للشاعر عبيد مدني بذات القافية، ويستخدم فيها ورد الهدا الشهير، فيبدؤها بقوله:
طفر الخيال مواثباً
قمم السراة مع الظفير
ثم يقول:
واقبل رسالة شاعر
كادت بأجنحة تطير
كالورد يعبق في الهدا
في طلعة اليوم المطير
(13)
أما في نص شعري له في بيتين عنوانه: (كرا..)، وكرا.. هو اسم جبل كرا ذلك الطود العظيم، فهو هنا يُذكر شعراً بحاله قبل تذليله بالمشروع الجبار فيقول:
كان كرا.. في عتو سنامه
على هامه الأفلاك تجري وتلهث
كأن رواسي الأرض نيطت جميعها
إلى سفحه وهو الإباء المورث
(14)
ونصل هنا إلى آخر شعر له في الطائف وللطائف، فهذه أبيات أربعة له بعنوان: (الشيبي)، إشارة إلى عبدالقادر الشيبي، كبير سدنة البيت الحرام، وداره بحي السلامة بالطائف، حيث السهرات والقيلات. يقول الغزاوي:
يقولون لي نبغي جواب سؤالنا
ويسألني عن ذاك صحبي وجلاسي
لماذا نرى الشيبي عندك أولاً
وتؤثره في كل شيء على الناس؟
فقلت: أرى الشيبي يندر مثله
ببر وإكرام ولطف وإيناس
أدب الاصطياف في نثر الغزاوي
ومثلما مر بنا في شعر الغزاوي الذي كتبه في الطائف وللطائف، وضمنه أدبيات تاريخية وجغرافية وإنسانية كثيرة جداً، مما رأى وشاهد وعاش في البيئة الطائفية ومجتمعها المنفتح على الثقافات المختلفة، وفنونها وآدابها، وعادات أهلها وصنائعهم الزراعية والرعوية والتجارية والمهنية المختلفة، ها نحن نلتقي معه- يرحمه الله- في نثره الذي كتبه في الطائف وللطائف أيضاً، ونشرته له مجلة: (المنهل) الشهيرة لصاحبها الأستاذ (عبدالقدوس الأنصاري)-يرحمه الله- فمن بين 1935 شذرة أدبية كتبها الغزاوي، ونشرتها له مجلة المنهل على مدى 21 عاماً، كان هناك 91 شذرة تخص الطائف، كتبها صاحبها الغزاوي وهو يصيف بالطائف، فتعرض لأدبيات مختلفة، مما تعكسه حياة الغزاوي بين المجتمع الطائفي، طيلة أشهر الاصطياف، فقد تعود التنزه في وديانها، وشم نسائم عطورها، ومجالسة أقرانه من أدباء الطائف ومكة وغيرهم، في قيلاتهم وسمراتهم، وسماعه من فنانيها، والأكل من أكلاتها الشعبية، وسماع مفردات لم يسمعها من قبل، حتى أنه ينقل في شذراته، البعض مما يدور في هذه المجالس من طروحات تاريخية ولغوية وشعرية، ويعكس ما يعيشه الناس حوله من أفراح وأتراح في المصيف الوريف.
(1)
ومما جاء على ذكره من المعالم الجغرافية الشهيرة بالطائف وضواحيه، والتي وقف عليها الغزاوي وحقق حولها وقارن: (أم النجوم- أم الحمض- جبل شُعار حيث قمة كرا- عكاظ المكان والمكانة- قاضي عكاظ- المضيق- وجّ الوادي واسم الطائف الأقدم- البغال وطريق الطائف قبل السيارات- حداة الإبل بين الطائف ومكة- المَعْسِل وسط طريق جبل كرا ومائه الحلو الزلال- الشِّفا والشَّفا والشِّفاء- الفرع وجبل قرنيت في الشفا- أم القرى الطائف.. مما كان يطلق عليها، والوهط حيث مزارع عمرو بن العاص- ربوة دمشق ومنظر المثناة.. تشبيه- المثناة والمسناة- سد السملقي في بلاد ثمالة- بئر عجلان في حي قروة- اليمامة وثبير وكراء- كراء الجبل والوادي- كراء.. السهل الذي صار جبلاً- الهدا ضاحية بالطائف- الأخاشب والجباجب- وادي العرج- العرج عرجان- الأبيضان.. جبلان بالطائف ومكة- الطائف الثاني باليمن- الدهناء الحجازية- غزوان أم عروان- وادي العقيق- الطائف المدينة- الأزقة والشوارع- قصر غيلان- جبل بَرَد- هضاب الزَّوَر- جبل الغمير- الدار البيضاء).
(2)
ثم يتناول الغزاوي في أدبياته التي كان ينثرها من مصيفه بالطائف، شأناً آخر يتعلق بالمكونات الاجتماعية، والعادات والتقاليد، وأساليب التعليم، وبعض من اللهجات الدارجة، والروايات الشعبية. ومن ذلك: (أهل بخارى- ذكاء والدة الشريف سرور أمير مكة- شكوى إلى أمير الطائف من مكي في المثناة- السليق الطائفي- من أين تؤكل الكتف؟ - القرص والحنانة- العسل الطائفي- الكنائف والقطائف- أيام القرص والحنانة- فريقة لا فريك- عقل الحنطة- النيمرشت والكشي- الغيم- الكتاتيب- الغدفة والقفة- تشتو بمكة نعمة- اللعط- أنا أنا- باين في وجهك- بهمك سرح- العود في خشمك- ما ذقت اللعط- اللاذ هو اللاس- التزهيد والتسحير- الشملة- التصييف والمصيف- حامض يا عنب- قرود كرا- عود الكبريت ولحية أبيه- أعواد الدوم والعرعر والجريد- القرش يا أولاد القحرة- خداع البراقع- برد الطائف- الومد والسموم).
(3)
ونجد في ثنايا الشذرات التي قدمت الطائف بأدبيات فيها نَفَس الأديب والشاعر الغزاوي- يرحمه الله- نجد وصفاً لما يتم من لقاءات أدبية وفنية، ومساجلات في رحلات ونزهات في البساتين والمنتجعات. يتناول الغزاوي الكتابة عن أهل الفن في الطائف، ويذكر أسماءهم وأسماء زملاء لهم من مكة يشاركونهم الليالي الملاح في المصيف، كما يتحدث عن أسماء من لهم مجالس أدبية، مثل الشيخ عبدالقادر الشيبي، وأمير البيان شكيب أرسلان، ويتحدث عن شاعر وادي العرج أبي عثمان العرجي، وعن ذي الإصبع العدواني ووصيته الشهيرة، ثم إنه لا ينسى مشاهير شعراء الطائف من أبنائه ومن محبيه، وشخصيات أخرى لها مكانتها الأدبية والتاريخية والاجتماعية.
طرائف من أدبيات الاصطياف عند الغزاوي
وأدبيات الاصطياف في الطائف المأنوس عند الغزاوي، لا تتوقف عند بيت شعر، أو وصف مكان، وتقديم إنسان. ولا حتى ربط لغوي بحياة الناس في مجتمعاتهم القروية والمدينية بالطائف، ولكن الغزاوي يسبغ على شعرياته ونثرياته، الكثير من المُلح والطرائف والعجائب، الناتجة عن مواقف وقعت له في أنحاء المصيف. نقتطف بعضاً مما نشره في هذه الجزئية شعراً أو نثراً:
(1)
أشار الغزاوي، إلى سليق الطائف المشهور (رز مع اللحم) وقال إن له صنواً آخر حلواً ذكره صاحب المنجد قال: ما تحات وسقط من ورق، وما يبنيه النحل من العسل في الخلية! ثم أضاف: السليقان لا يتوفران معاً إلا في المصيف الجميل (الطائف)، أو (الهدا)، أو (الشفا)، فعليكم بهما قبل أن يلتهب الجو الجوزاء، ويتغلب القيظ بأواره على الأفعال والأسماء. وهو يرمز هنا، إلى الوقت المفضل لأكل السليق والعسل الطائفي أيام البرد، لأنه ينشر الدفء في الجسم.
(2)
ويتطرق إلى موقف طريف ظريف، وقع لقروي هذلي، اقترف ذنباً استوجب إيقافه من قبل أمير الطائف حينذاك الشريف زيد بن فواز، الذي أمر بطرحه أرضاً وجلده مئة جلدة، فما كاد الهذلي يسمع المئة، حتى وقف صارخاً وصاح: ما هذا؟ وأيش تقول يا شريف؟ مئة! والله إما إنك ما ذقت (اللّعْط).. يعني الضرب، أو إنك ما تلهم العدد! لا حول ولا قوة إلا بالله. وأخذ يكرر، حتى ضحك منه الشريف ومن بالمجلس، وعفا عنه.
(3)
ثم إنه يذكر هنا موقفاً طريفاً وقع له يوم استأجر منه الشاعر الكبير فؤاد شاكر داراً بالطائف في أحد الأعوام. قال: وقفت على باب الدار، وأنشدت أسمعه صوتي:
أبا عزة إني على الباب واقف
فهل أنا مأذون وهل أنت آذن؟
فأجابه فؤاد شاكر قائلاً:
بلى.. إنها الدار التي أنت ربها
وما أنا إلا دونها لك سادن
(4)
ومن طرائفه ولطائفه كذلك قوله: كنت في رحلة مع بعض الإخوان إلى أعالي جبل الشفا، وعندما بلغنا القمة منه وتسمى (الفَرع)، أبرقت السماء وأرعدت، واضطررنا إلى الدخول في إحدى القاعات، وشهدت غلاماً لم يتجاوز الثامنة في أحد الأركان قابعاً، وسمعت شيخاً من أهل الديرة يصيح به في حنق: يا ورع.. (بهمك سرح)، فإذا بالصبي يلم ثوبه حول ركبتيه وساقيه ويعتدل، ويتطلع في أسف وخجل، كأنما شعر بالضعة أن يظهر منه للضيوف ما ينبغي عليه ستره! وتبين أن الشيخ يعني بكلمته، نفس ما يقال في الحواضر عندنا: (العود في خشمك)!
(5)
وهنا يشير الغزاوي إلى أحد شعراء الطائف المشهورين وهو: (يزيد بن ضبة الثقفي)، الذي عاصر الوليد بن يزيد وهشام بن عبدالملك، وله معهما قصص معروفة وردت عند صاحب الأغاني. من هذه القصص العجيبة، أن يزيد بن ضبة قال ألف قصيدة، فاقتسمتها العرب، وانتحلتها، فدخلت في أشعارها. ثم يقول الغزاوي: إن الطائف كانت في ذلك الوقت، عامرة بالمشايخ والعلماء، وإن شاعراً واحداً من أهلها، كانت له ألف قصيدة، وإن السطو الأدبي كان قديماً إلى هذه الدرجة.
(6)
ومن فضائل الاصطياف في الطائف المأنوس، اكتشاف العديد من طبائع الناس وعاداتهم ولغاتهم، وحتى تاريخهم القديم والجديد، ومن ذلك ما عاد إليه الغزاوي عندما ذكر حنطة الطائف وشهرتها، فأورد قصة وفد ثقيف مع كسرى يوم دخل عليه سلمة بن غيلان الثقفي على رأس الوفد، فطرح لهم كسرى مخاد عليها صورته، فوضعوها تحتهم إلا سلمة بن غيلان فإنه وضعها على رأسه. فقال له كسرى: ما صنعت؟ قال: ليس حق ما عليه صورة الملك أن تبتذل، وما أجد في جسدي عضواً أكرم ولا أرفع من رأسي، فجعلتها فوقه. فقال له: ما أكلك؟ فقال: الحنطة. فقال كسرى: هذا عقل الحنطة. وتروى القصة بصيغ أخرى عند أكثر من مؤرخ. بعد ذكر القصة، يورد الغزاوي ما عرفه عن خبز الحنطة في الطائف فيذكر (حب النقرة) الفاخر، وقال: إن القرص الواحد ربما يبلغ من كبره وضخامته، أن لا ينقل إلا بالخطاطيف، ويفرغ عليه السمن البري والعسل المصفى.
(7)
ونختم هذه الجزئية مع الغزاوي في طرائف وعجائب أدبياته الاصطيافية، بوقفة لغوية تتناول (التصييف والمصيف). يقول هنا: أما إذا كان في زمن القيظ واشتداد حرارة الصيف، فلا محل لاستشكاله، وإذا صعد أهل تهامة إلى الطائف أو الهدا أو الشفا أو السراة، فإنهم مصيفون، وهي (المصايف). غير أن كلمة متداولة سمعتها مراراً ويستعملها إخواننا في نجد وهي: (فلان مصيّف)، ولو في زمن الشتاء، إذا أخلد إلى الهدوء أو الراحة، أو استغرق في النوم، وهي عادة إنما تكون بين أداء صلاة الفجر وبزوغ الشمس، أو الضحى، وكنت لا أدري سرها من حيث الاصطياف أو التصييف، وقرأت أبياتاً لأبي بكر بن دريد جاء فيها:
أريكن هبّ نسيماً
لا يغرنك استماحي
ربما انقاد جموح
فله يوم هيوف
فتماديه عنيف
تارة ثم (يُصيف)
وصاف هنا- كما وقف عليها الغزاوي- تعني عدل. يقال صاف السهم عن الهدف، فيكون القصد من (المصيف) هو من عدل عن الشغل إلى الفراغ.

ذو صلة