يمثل الأطفال في المملكة تقريباً ثلث عدد السكان، هذه الكائنات اللطيفة التي تملأ حياتنا بالشغب والحركة والضحك والبكاء.. يكبرون معنا وما هي إلا سنوات معدودة إلا ونتفاجأ بهم وقد أصبحوا أكبر مما نتوقع على الرغم من أعمارهم الصغيرة، أصبحنا نتوقف أمام جيل لم يعد يكتفي بساعة من برامج أفلام الكرتون، ولا يكتفي بالخروج في نزهة عائلية لاستراحة أو مدينة ألعاب، جيل نهم أصبح يحتال ليصل إلى المعرفة وإلى المعلومة ولا يكتفي بأن تقدمها له بأساليب مستهلكة لم تعد تتناسب ومتغيرات العصر.
يرى البعض أن الفضاءات الآن مفتوحة وكل ما يريده الأطفال يحصلون عليه بجهاز محمول باليد، يتسارع الأهالي بتوفيره دون تفكير حتى بعواقب الأمور، ولكن لمن هم يحملون هم الطفولة كل هذه الأمور تبدو دون جدوى فهي لا تخلق الوعي، ولا يمكن أن تجعل الأطفال يكبرون وهم أسوياء دائماً، فأجسادهم الصغيرة لها متطلبات لا يتسع لها حوش البيت إن وجد، ولا ملعب المدرسة، وبناء العقول يحتاج إلى جهد أكبر من بناء الجسد، من حقهم الحصول في مراحل معينة من نموهم على أماكن للحركة واللعب، نمو عظامهم يحتاج إلى أن يتعرضوا للشمس وأن يتغذوا بشكل سليم، وأن يحافظوا على ما أنعم الله به عليهم من صحة، ولكن ما أصبح مؤلماً أن نرى أطفالنا وقد أصاب معظمهم مرض السكري، وهشاشة العظام وأكثر الأسباب قلة الحركة والتغذية السيئة، والألعاب الإلكترونية التي عودتهم على التراخي والكسل، وجعلت العديد منهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم إلا من خلال العدوانية التي يتعلمونها من الألعاب الإلكترونية التي تقوم أغلبها على فكرة الضرب والقتال والدمار.. كل ذلك يجعلنا أمام أزمة كبيرة تستحق منا أن نتوقف ونراجع أنفسنا، فأطفالنا أصبحوا غير قادرين على التعبير لفظياً وكتابياً، غير قادرين على القراءة والإلقاء السليم، تنقصهم الثقة بالنفس والمحاولة والنجاح من خلال الخطأ والمخالطة واحترام القانون والكبير ومساعدة الصغير، لأنهم لم يتعودوا التعامل مع البشر وكل ما لديهم هو التعامل مع الأجهزة المحمولة.. تكبر أخطاؤهم معهم كما تكبر معهم أخطاؤهم الإملائية.. لأنهم لم يجدوا من يصححها معهم ويمنحهم الوقت والمساحة والثقة بذواتهم، وربما آن الأوان لمؤسسات الدولة أن تقوم بشراكات حقيقية من أجل تحسين أوضاعهم وتحقيق حقوقهم الإنسانية قبل فوات الأوان، وأول الآمال المعقودة الآن هي من هيئة الثقافة العامة التي أتمنى أن تخصص جزءاً كبيراً من مهامها لتثقيف وتوعية الطفل من خلال برامج محكمة يقوم عليها خبراء التربية والصحة والثقافة، يحتاجون إلى أكثر من مهرجان سنوي للطفل، يحتاجون إلى مسرح متخصص للطفل، وجمعية للهواة من الأطفال في مجالات الرسم والتصوير، يحتاجون لإقامة ماراثون للجري، وماراثون للكتابة والقراءة ومسابقات داخل الأحياء وتصفيات بين المدن، يحتاجون لمعرفة شواطئ بلادهم وجبالها ومقدساتها، يتعرفون على نظامها الأساسي للحكم، يتعلمون حقوقهم وحق الوطن عليهم، هؤلاء الأطفال حين نشتغل عليهم الآن، لن نحتاج إلى برامج ضخمة لإعادة صياغتهم وتدريبهم في المستقبل سيكبرون وهم جاهزون لقيادة الوطن نحو التفوق.