بعد المفاجأة التي أثارها تتويج الموسيقي الأمريكي بوب ديلان Bob Dylan بجائزة نوبل للآداب لسنة 2016 تكريماً له على إبداعاته الشعرية، وما خلفه ذلك من ضجة واستغراب بل واستهجان أحياناً من قبل بعض النقاد والمهتمين، وتباين الآراء حول هذا الاستحقاق بين مؤيد ومعارض، خصوصاً بعد أن كسرت لجنة نوبل القوالب التقليدية بمنحها هذه الجائزة التي انزاحت عن دائرة الأدب. غير أن استحقاق سنة 2017 ستعرف عودة هذه الجائزة إلى مسارها الأدبي الطبيعي، وإلى أحضان الروائيين والشعراء، فقد أعلنت الأكاديمية السويدية يوم الخامس من شهر أكتوبر 2017 منح جائزة نوبل للآداب للروائي البريطاني ذي الأصل الياباني كازو إيشيغورو Kazuo Ishiguro. وذلك تكريماً (لرواياته ذات القوة العاطفية الشديدة)، وعمله الذي (يعرّي الهاوية التي وصل إليها تضامننا المزعوم مع العالم).
وقد قال إيشيغورو عقب هذا التتويج إن الجائزة تمثل (إطراءً مذهلاً). وأضاف أنه (شرف عظيم، لأن الجائزة تعني في الأساس أني أسير على خطى المؤلفين الكبار، فهذا ثناء رائع). مشدداً على أنه (مذهول) بنيله لهذه الجائزة الرفيعة. ويضيف قائلاً: (سأتأثر كثيراً إن تمكنت من المساهمة بطريقة ما، خلال السنة الحالية في إضفاء جو إيجابي في هذا الزمن المتقلب). وقد وصفت سارا دانيوس Danuis Sara الكاتبة الدائمة للأكاديمية كتابه الأشهر (بقايا النهار) (The Remains of the Day) (1989) بأنه (رائعة أدبية). وقد نالت هذه الرواية في العام نفسه جائزة بوكر التي تكافئ الأعمال الرائدة المكتوبة باللغة الإنجليزية. وقد وقع اختيار لجنة التحكيم -المؤلفة من كتاب ومؤرخين وباحثين في الأدب وعلوم اللغة- على إيشيغورو من بين خمسة مرشحين.
وقبل هذا التتويج المستحق بجائزة نوبل للآداب حصل كازو إيشيغورو على عدة جوائز أدبية رفيعة في بريطانيا، بينها جائزة البوكر سنة 1989. وفي سنة 1995 منح إيشيغورو نوط (OBE) في بريطانيا لما قدمه من خدمات في الأدب. وفي سنة 2008، صنفته صحيفة التايمز في المرتبة 32 في قائمتها لأعظم 50 مؤلفاً بريطانياً منذ سنة 1945.
الجدير بالذكر أن كازو إيشيغورو ولد في نكازاكي باليابان في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1954، وانتقل بعد ست سنوات مع عائلته للعيش في بريطانيا وحصل درجة الليسانس من جامعة (كنت) سنة 1978، ثم نال بعد ذلك شهادة الماجستير من جامعة (إيست أنغليا) في الكتابة الإبداعية سنة 1980. وشكل حصوله على الجنسية البريطانية سنة 1982 دافعاً قوياً للكتابة الأدبية باللغة الإنجليزية، وانخراطاً فاعلاً في المجتمع الثقافي.
كتب إيشيغورو ثماني روايات، ترجمت إلى أربعين لغة. وألف عدداً من الكتب في الدراما والرواية التاريخية والخيال العلمي والسرد بصفة عامة. وكتب سيناريوهات أفلام ومسلسلات تلفزيونية. ومن بين أشهر روايات هذا الكاتب (منظر شاحب من التلال) (A Pale View of Hills 1982)، و(فنان من العالم الطافي) (An Artist of the Floating World) (1986)، (بقايا النهار) (The Remains of the Day (1989)، والتي فاز عنها بجائزة (Man Booker). وكذلك (من لا عزاء لهم) (The Unconsoled) (1995)، و(عندما كنا يتامى) (When We Were Orphans) (2000)، ورواية (لا تدعني أرحل أبداً) (Never Let Me Go) (2005). وصدرت آخر أعماله سنة (2015) وهو بعنوان (العملاق المدفون) (The Buried Giant).
وقد تحولت بعض رواياته إلى أعمال سينمائية نالت نجاحاً كبيراً وإقبالاً جماهيرياً، وهي أعمال تعكس غنى ثقافته المزدوجة (اليابانية- البريطانية) كما هو الحال في روايته (فنان من العالم الطافي) التي تدور أحداثها في ناكازاكي بعد سنوات قليلة على الحرب العالمية الثانية. أما في روايته (بقايا النهار) فإنها تتسم بأساليب مطبوعة التعبير ترصد الأحداث المختلفة الدائرة حوله، وقد حولت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي من بطولة أنطوني هوبكينز Anthony Hopkins الذي يقوم بدور كبير خدم مهووس بالخدمة. وفي رواية (العملاق المدفون)، فإن المؤلف يبحث من خلالها العلاقات بين الذاكرة والنسيان، التاريخ والحاضر، الخيال والواقع. وفي رواية (لا تدعني أذهب) يقدّم الكاتب صراعاً وتنافساً في الحب بين ثلاثة أصدقاء يعيشون في عزلة اصطناعية عن العالم، اثنان منهم يحاولان خداع الموت.
يجمع إيشيغورو في كتاباته بين أسلوب الروائية الإنجليزية جين أوستن Jane Austen، والكاتب التشيكي فرانز كافكا Franz Kafka، وقليل من روح الروائي الفرنسي مارسيل بروست Marcel Proust. وتعد اللغة الإنجليزية بالنسبة له لغة أعمق تسعفه في التعبير عن فنه بكل دقة وسلاسة، وتكشف تيمات رواياته عن خبايا النفس البشرية، وما تعانيه من صراع وتأزم، وهي أعمال في مجملها مشحونة بعواطف قوية، غالباً ما ترتبط بالذاكرة والزمن والتوهم الذاتي. وهذا ما أثار اهتمام النقاد وإعجابهم، ومكنه من تخليد اسمه في اللائحة الذهبية للمتوجين بأرقى الجوائز العالمية.