مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

التصوير في الصحراء.. تقنيات وتأثيرات جمالية ودرامية

تعددت الأفلام العالمية التي تناولت مكان الصحراء من خلال موضوعات تخص هذا المكان أو تخص الشخصيات المتعلقة به، والجدير بالذكر أن الصحراء مكان ذو طبيعة خاصة من حيث الشكل المرئي لهذا المسطح الأصفر المائل أحياناً للون الذهبي وظروفه المناخية المتغيرة خلال العام والتي تؤثر على الشكل العام لصورة الصحراء.
كما أن للصحراء كمكان طبيعة خاصة من عادات وتقاليد تكمن في شكل الملابس والبيوت والألوان التي يستخدمها سكان هذه المناطق، وبما أن السينما هي صورة للمجتمع فنجد في العديد من الأفلام في السينما العالمية الرؤى المختلفة لصانعي تلك الأفلام في تناولهم للموضوعات المتعلقة بهذا المكان.
ولا شك أن التصوير في الصحراء له ظروف واستعدادات خاصة يجب التحضير لها جيداً من قبل مدير التصوير، لأن للصحراء طبيعة جغرافية ومناخية مختلفة عن التصوير في شوارع المدينة، ففي فصل الصيف نجد أن نصوع الشمس العالي يؤدي إلى انعكاس اللون الأصفر على الشخصيات وعلى الصورة ككل، كما أنه يجب استخدام مرشحات الاستقطاب لمنع الانعكاسات غير المرغوب فيها، ويظهر اللون بشكل داكن نوعاً ما، فهناك العديد من المشكلات التي تواجه مدير التصوير أثناء التصوير في هذا المكان.
التصوير في الصحراء نهاراً
إن التصوير في الصحراء نهاراً له العديد من المشكلات التقنية التي تواجه مدير التصوير وعلى النقيض فإن المحصلة الفنية تكون لوحات سينمائية ذات مستوى عال من الإبداع إذا تمكن مدير التصوير من التحكم في تلك المشكلات، فتعتمد الإضاءة في النهار بشكل عام على ثلاثة عناصر أساسية:
-1 ضوء الشمس المباشر Direct Sunlight
-2 الضوء الناعم من قبة السماء Diffused Sky Light
-3 الضوء المنعكس من الأسطح المجاورة Reflected Light
فخلال النهار تتغير زوايا سقوط ضوء الشمس من الشروق وحتى الغروب، وبالتالي تتغير زوايا آلة التصوير طبقاً لحركة الشمس، والجدير بالذكر أن الحصول على تلك التأثيرات الجمالية والدرامية في شكل موسيقى مرئية يتطلب فهم الظروف الجوية والجغرافية التي تمر بها الصحراء خلال النهار.
فترات الشمس التي تمر على الصحراء كمصدر للضوء الرئيس:
منذ شروق الشمس وحتى الغروب يتغير ضوء الشمس في كل من الشكل الكمي والشكل الكيفي، بمعنى أنه تتغير الكثافة وتتغير درجة اللون وبالتالي يؤثر على التعريض الضوئي والاتزان اللوني للصورة، ويتم تقسيم اليوم إلى ثلاث فترات مختلفة كالتالي:
-1 فترة الإضاءة ذات النظام الخاص Magic Hour:
وسميت بذلك لكونها ذات شكل معين في الصورة، وهي تكون في فترة الشروق وفي فترة الغروب، وكما تتميز هذه الفترة بالشكل الخاص للصورة إلا أنه يصعب عمل مشهد مونتاجي نظراً لسرعة حركة الشمس سواء بالصعود أثناء الشروق أو بالهبوط أثناء الغروب مما يتغير لون الشمس وشدة استضاءتها فيختلف المشهد من لقطة إلى أخرى.
(ففي فترة الشروق تكون زاوية ارتفاع الشمس من -7 حتى يكون ارتفاعها من 13 إلى 15 درجة فوق الأفق، وتكون درجة الحرارة اللونية من 6000 إلى 8000 كلفن ويكون التباين ضعيفاً).
(د. محمد إبراهيم عادل، 1975م، ص10)
فكما نشاهد في شكل (1) أم لون الصورة مائل للون الزرق في فترة الشروق، أما في فترة الغروب نجد أن الصورة تميل إلى الاحمرار فتكون حوالي 4000 كلفن، وعلى الرغم من أن فترة الغروب تكون الشمس في نفس زاوية الارتفاع إلا أنها تكون قد حملت معها الغبار والأتربة ولذلك تكون شديدة الاحمرار، فكما هو موضح في شكل (2) تصل إلى 2000 كلفن تقريباً.
وفي هذه الفترة يتطلب الكثير من الدقة أثناء التصوير في التعريض وضبط درجة الاتزان اللوني في الصورة نظراً للتغير السريع للون والكثافة في هذه الفترة، كما أن الصورة في هذه الفترة تتميز بالتباين المنخفض Low Contrast للضوء، ولذلك فإن الشكل السلويت كما هو موضح أيضاً في شكل (2) هو أحد الأشكال المرئية التي تتميز بها هذه الفترة حيث وجود الشمس نفسها في عمق الصورة وبالتالي تظهر الأجسام مظللة في مقدمة الصورة.
-2 فترة الإضاءة القياسية:
وهي الفترة المثالية للتصوير في النهار الخارجي للأعمال الفنية بشكل عام، فتكون درجة النصوع عالية ودرجة حرارة اللون ثابتة نوعاً ما.
(فتكون زاوية ارتفاع الشمس أكبر من 13 إلى 15 درجة فوق خط الأفق حتى 55 إلى 60 درجة، وتكون درجة حرارة اللون من 5600/6500 كلفن، ويكون التباين عالياً High Contrast في الإضاءة).
(د. محمد إبراهيم عادل، 1975م، ص10)
وتكون هذه الفترة إما بعد الشروق وقبل وصول الشمس في قبة السماء وقت الظهيرة، وأيضاً بعد مرور فترة الظهيرة وحتى قبل فترة الغروب، فتكون الشمس مائلة نوعاً ما وتكون ثابتة لفترة كبيرة في درجتي الكثافة واللون، فيتم عمل مشاهد مونتاجية متعددة اللقطات بسهولة.
تساعد الشمس في هذه الفترة في وجود التباين العالي بين مناطق الإضاءة ومناطق الظلال، وهذا يتطلب إضاءة مناطق الظلال بشكل عال بحيث يظهر بها تفاصيل حيث يتم التعريض الصحيح طبقاً لمنطقة الإضاءة، وتوفر المحسسات الرقمية Digital Sensors في آلات التصوير السينمائي الرقمي المدى الحيوي العالي الذي يوفر التفاصيل في منطقة الظلال بشكل جيد، فكما هو موضح في شكل (3) في مشهد من فيلم Queen of the desert من إنتاج عام 2015 وإخراج Werner Herzog نجد وجود تفاصيل في كل من مناطق الإضاءة من ضوء الشمس المباشر وبين مناطق الظلال.
(فإن المدى الحيوي هو مدى رؤية التفاصيل بين أعلى نقطة كثافة وأقل نقطة كثافة تسجلها الشريحة الرقمية الحساسة في آلة التصوير الرقمي، والتي وصلت لمدى عال جداً تصل لحد 14 وقفة بؤرية في التصوير الرقمي الحديث). (David Stump، 2014، p.293)
ففي التصوير الرقمي يتم استخدام إكسسوارات الإضاءة مثل العواكس الفضية والبيضاء لملء أماكن الظلال بالضوء أكثر من استخدام لمبات الإضاءة وهذا نظراً للمدى الحيوي الواسع الذي يحتوي عليه المحسس الرقمي، رغماً أنه أحياناً يستلزم استخدام لمبات الإضاءة لملء الظلال بالضوء.
(فهناك العديد من العواكس، العواكس الفضية وهي الأكثر انتشاراً حيث إنها تعكس مدى كبيراً من الضوء دون أي تغيير لوني ولكنها قد تسبب بقعة ضوء حاد على الوجوه، على عكس العواكس البيضاء التي تنعم الضوء على الوجه خصوصاً في اللقطات القريبة، أما العواكس الذهبية فتستخدم أكثر في فترة الإضاءة ذات النظام الخاص Magic Hour حيث إنها تؤكد اللون الذهبي خصوصاً عند عمل الخطوط الضوئية كضوء خلفي Back Light حول الجسم والشعر). (John Jackman، 2010، p.174)
فكما هو موضح في شكل (4) في مشهد من فيلم (Queen of the desert 2015) نجد أن في فترة الإضاءة القياسية عند التصوير بزاوية سقوط الضوء بشكل جانبي مائل للخلفي فهذا يتيح تجسيم عناصر الصورة والخلفية من خلال الضوء والظلال مما يحافظ على جماليات التكوين والبعد عن تسطح الأشياء والأجسام مما يعمل على زيادة الإحساس بالبعد الثالث.
(على الرغم من صفة الثبات في كل من اللوحة التشكيلية والصورة الفوتوغرافية والسينما لكنهم يعطيان الإحساس بالبعد الثالث من خلال المنظور ونسبة الأشياء والإضاءة، حيث يتجسد هذا البعد من خلال التدرج بالإضاءة داخل ذلك العمق سواء كان في الديكور أو الطبيعة لتحقيق ذلك الوهم على شاشة السينما المسطحة). (د. مصطفى يحيى، 1991م، ص80)
-3 فترة الإضاءة القببية:
وهي الفترة التي تتواجد فيها الشمس في قبة السماء في وقت الظهيرة، وباعتبار أن الشمس هي المصدر الرئيس للضوء فيكون شكل الضوء عبارة عن Top Light مما ينتج ظلالاً تؤدي إلى تشوه الوجوه في اللقطات القريبة، أما في اللقطات الواسعة نجد تبايناً عالياً جداً بين المسطحات الأفقية التي تكون شديدة الإضاءة والمسطحات الرأسية التي تكون مظللة.
في شكل (5) نجد الإضاءة القببية Top Light ينتج عنها إضاءة المسطحات الأفقية وتكون مسطحة خالية من الظلال أما الكتل الرأسية المتمثلة في التلال أو الأشخاص فتكون مظللة، وهذا غير مرغوب في التصوير الخارجي نهاراً، أما بالنسبة لدرجة حرارة اللون فهي تتراوح بين 5600 إلى 6500 كلفن مثل فترة الإضاءة القياسية فلا يوجد تغير سريع للون مثل فترة الإضاءة ذات النظام الخاص.
ففي هذا الوقت من اليوم غير مستحب التصوير فيه خاصة في فصل الصيف حيث تتعامد الشمس مع سطح الأرض، ففي فصل الشتاء يكون هناك بعض السحب التي تغطي الشمس فتكون الإضاءة ناعمة ومنخفضة التباين.
ولقد تعددت إكسسوارات الإضاءة التي تساعد في التصوير، مما يساعد على التغلب على مشكلات الإضاءة القببية مثل استخدام إطار معدني يتوفر منه عدة مقاسات (3×3 متر – 4×4 متر – 6×6 متر) كما هو موضح في شكل (6) وذلك لكي تعمل على تخفيف حدة الضلال على الوجه فيكون الضوء ناعماً ثم يتم استخدام العواكس الفضية لرسم ضوء الوجه من زاوية جانبية أو أمامية وأيضاً لعمل الضوء الخلفي Back light لفصل الجسم عن الخلفية.
وبهذا فإذا تم التغلب على مشكلات تلك الفترة من الإضاءة النهارية فلا مانع من التصوير فيها، وفي بعض المواقف الدرامية تستلزم التصوير في تلك الفترة مع ترك الظلال الناتجة كما هي دون تدخل في إزالتها.
الجدير بالذكر أن تطور التكنولوجيا الرقمية ساعد على التغلب على بعض مشكلات التصوير إذا تم التصوير في هذه الفترة، فقديماً إذا تم استخدام الإطارات الحديدية بالقماش الأبيض الموضح في شكل (8) فهذا يعمل على تقليل كمية الضوء عن الخلفية التي تبدو متوهجة من أشعة الشمس المباشرة بالإضافة إلى اللون الأصفر الفاتح الذي يجعلها تتوهج أكثر، وبالتالي كان على مدير التصوير أن يقوم بزيادة كثافة الضوء على الشخصيات الواقفة تحت القماش الأبيض لكي يعادل الكثافة بين الشخصيات والخلفية.
ولكن التطور التكنولوجي في صناعة آلات التصوير الرقمي الحديث قدمت ما يسمى بـHDR وهو اختصار لكلمة High Dynamic Range الذي قد تحدثنا عنه من قبل يسمح بقراءة كثافات ضوئية مختلفة في نفس الصورة دون فقد في أي تفاصيل، وينتج عن ذلك أنه حين يتم ضبط التعريض الضوئي الصحيح على الشخصيات الواقفة تحت إطار القماش الأبيض، نجد أن آلات التصوير الرقمي تقوم بتسجيل التفاصيل في مناطق الإضاءة العالية التي تتمثل في خلفية الصحراء.
استخدام المرشحات الضوئية
تعد المرشحات الضوئية من أهم أدوات مدير التصوير في الحصول على تأثيرات ضوئية معينة تعمل على إثراء الصورة درامياً وجمالياً، إلا أنه في الوقت الحالي بعد تطور التصوير الرقمي فإن معظم التأثيرات البصرية يتم إنجازها في مرحلة تصحيح الألوان Color Grading فيما عدا نوعين من المرشحات الأكثر استخداماً ولا غنى عنهم في التصوير الخارجي نهاراً، وهم مرشحات الكثافة المحايدة التي تعمل على تقليل الكثافة الضوئية حتى يستطيع مدير التصوير استخدام فتحة ديافراجم متوسطة لتعطي عمق ميدان قليل Shallow Depth of Field وقد يحتاجه مدير التصوير في الصحراء نظراً لشدة نصوع ضوء الشمس في مقابل الحساسية العالية التي تتمتع بها آلات التصوير الرقمي الحديث، والتي قد تصل إلى حساسية 1250 ISO و800 ISO في العديد من آلات التصوير.
والنوع الآخر من المرشحات هو مرشح الاستقطاب Polarizing Filter والذي يعمل على منع الانعكاسات من الأسطح، فكما هو موضح في شكل (7) منع الانعكاسات يؤدي إلى احتفاظ اللون بدكانته سواء كان في السماء الزرقاء أو الرمال الصفراء.
فنجد على يمين الصورة دون استخدام مرشح الاستقطاب، أما على اليسار فتم استخدام المرشح وبالتالي احتفظت الألوان بدكانتها.
التصوير في الصحراء ليلاً
(تعد إضاءة المشاعل المائلة للون الأصفر هي المصدر الذي يعبر عن المصداقية في إضاءة الأماكن التي لا تتوافر بها الكهرباء ويتم استخدام ضوء القمر المائل للأزرق في خلفية المشهد لأن عين المتلقي بعد مشاهدة اللقطة ببعض الدقائق سوف تترجم ضوء المشاعل المائل للأصفر كونه لون أبيض، ولذلك فيتم استخدام الضوء الأزرق ليتأكد لون المشاعل الأصفر من خلال التباين). (Blain Brown، 2008، p.59)
فنجد في مشاهد الليل في الصحراء فهناك نوعان من التباين، أولاً التباين الضوئي وهو الذي يعتمد على عنصري الإضاءة والظلال حيث إن مصادر الضوء المستخدمة في الصحراء ليلاً مثل مشاعل النار بكافة أنواعها تلزم مدير التصوير باستخدام طبقة الإضاءة المنخفضة Low Key والتي تتميز بتباين ضوئي عال High Contrast وبالتالي التباين بين مساحات الإضاءة ومساحات الظلال يعمل على الحفاظ على العمق الفراغي في الصورة.
(حيث تكون زاوية سقوط الضوء جانبية أو جانبية خلفية لتحقيق طبقة الإضاءة المنخفضة، ويجب أن يكون في الصورة منطقة صغيرة مضاءة وتشمل الموضوع الأساسي المطلوب التركيز عليه، كما أن معظم الألوان تبدو قاتمة تميل نحو اللون الأسود في سلم التدرج اللوني). (د. ماهر راضي، 2004م، ص64)
والتباين بين الأصفر والأزرق، فالليل معتم ويعتمد على المصادر الصناعية، وبما أن الصحراء في الأفلام هي مواقع بعيدة عن المصادر الكهربية، فيتم استخدام مشاعل النار، ويتم استخدام لمبات الإضاءة لعمل تمثيل ضوئي لضوء المشاعل بوضع جيلاتين أصفر على لمبات الإضاءة، أما في الخلفية فيتم إضاءة التلال الرملية بضوء أزرق كأنه منبعث من ضوء القمر لخلق جو من التباين بين الشخصيات والخلفية، فكما هو موضح في شكل (8) في مشهد من فيلم (Queen of the desert 2015) نجد إضاءة المصدر المتمثلة في مصباح النار والضوء الأزرق الذي يحاكي ضوء القمر يسقط بعض الشيء على الخلفية ويحدد حول الشعر لوناً أزرق يفصل الشخصية عن الخلفية.

ذو صلة