مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

حسين محمد سهيل يبحر بعيداً عن فرسان

 

فقدت الساحة الأدبية في المملكة العربية السعودية، خلال الأيام الماضية؛ قامة شعرية، كان لها حضور فاعل في المشهد الثقافي المحلي. اتسمت تجربته الشعرية والنثرية بالعمق والإبداع، وشكلت قصائده حالة من التوازن، فهو يكتب القصيدة الفارهة الحديثة البناء والتشكيل. فقد غيّب الموت الشاعر والأديب حسين محمد سهيل، ابن الجزيرة الشاعرة الملهمة للإبداع.
ولد الشاعر حسين محمد أحمد سهيل في  محافظة جزر فرسان في 1/7 عام 1380هـ، وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط بها، لينتقل إلى مدينة جازان مع مجموعة من زملائه، للدارسة بمعهد إعداد المعلمين، حتى تخرج منه عام 1399هـ، ليعين معلماً في مدرسة صير، إحدى قرى محافظة فرسان. واصل شاعرنا رحلته العملية متنقلاً بين مدارس فرسان، وكانت محطته الثانية جزيرة قماح التي تبعد عن فرسان قرابة خمسة كيلومترات بحراً، وتقع جنوب فرسان؛ ليواصل العمل بين الإدارة والتدريس في مدارس: فرسان الابتدائية والمتوسطة والسقيد وذات الصواري وتحفيظ القرآن الكريم والرفاعية والمسيلة، كما حصل على دبلوم الكلية المتوسطة في تخصص اللغة العربية عام 1406هـ.
يتسم الأديب الشاعر حسين سهيل، منذ أن كان فتى يافعاً؛ بأنه متعدد المواهب: فهو رسام وخطاط بارع، ومبدع في كتابة النص النثري والشعري معاً، إلى جانب أنه يكتب المفردة الشعبية، ويهتم كثيراً بصياغة الألحان. كان شديد التأثر بأستاذه ومعلمه الأديب المؤرخ إبراهيم عبدالله مفتاح، حتى أنه أفرد كتاباً مخطوطاً (أي حسين)، يتحدث عن سيرة أستاذه وأعماله الإبداعية، سيرى النور قريباً - بمشيئة الله.
يعد الأستاذ الشاعر حسين سهيل ناشطاً قوياً في المشهد الأدبي السعودي، وله العديد من العضويات، إذ عمل عضواً في مجلس إدارة نادي جازان الأدبي، وذكر اسمه في معجم البابطين، وهو عضو في مجلس إدارة نادي الصواري، وفي مجلس شرفه، ومشرفاً على النشاط الثقافي بالنادي، ومشرفاً على المركز الثقافي بفرسان، إلى جانب دوره الفاعل في مهرجان الحريد السنوي.
شارك في إحياء كثير من الأمسيات الشعرية، في معظم الأندية الأدبية بالمملكة، وألقى قصائد في عدد من المحافل الرسمية، كما نشر بعض نتاجه الشعري وكتاباته النثرية في مختلف الصحف المحلية والخليجية، وبعض المواقع الأدبية على الشبكة العنكبوتية. نشرت أول قصيدة له في مجلة (اقرأ)، عام 1400هـ. وسجلت له العديد من النصوص الشعرية للإذاعة والتلفزيون.
كتب عنه العديد من الكتاب والنقاد والأدباء، منهم: الدكتور محمود إسماعيل عمار في كتابه الحجر الفلسطيني في الشعر السعودي، كما كتب عنه الناقد الدكتور محمود شاكر، والأديب الباحث حجاب بن يحيى الحازمي في كتابه شعراء منطقة جازان، إلى جانب ما تناولته عن شعره الدكتورة سميحة الحسيني في رسالتها لنيل درجة الماجستير عن شعراء الفصحى في جزيرة فرسان، كما كتب عنه الدكتور عبدالله الحيدري، والناقد الباحث حسين بافقيه، والأديب الناقد عمر طاهر زيلع، والأديب المؤرخ إبراهيم مفتاح.. وغيرهم من النقاد.
كتب لوحات غنائية في أوبريت مهرجان جازان (الفل مشتى الكل)، في نسخته الثانية بعنوان: (جازان الأرض الإنسان)، وذلك في سبع لوحات غنائية، إلى جانب ما كتبه من أعمال لمهرجان صيد سمك الحريد.
صدر له العديد من الأعمال المطبوعة، وكانت باكورة إنتاجه ديوانه الشعري الأول (أشرعة الصمت) الذي صدر عن نادي جازان الأدبي عام 1411هـ، وفيه جمع الشاعر بداياته مع القصيدة، فأنشد للبحر والساحل وغنى للحب وأرسل آهاته وشجنه للشعر نفسه:
يجيء كالطيف كالإيحاء كالمدد
يمر في أدمعي يطفي لهيب يدي
وكالضياء أتاني.. مثلما انسكبت
أحلى الأماني، وفي الغيمات لون غدي
ولم يتوقف عند هذا الحد؛ بل خاطب المتلقين:
من أين يأتي نهار الشعر ساداتي
من ومضة الحلم، أم ركض السحابات؟
أم من مساء على شرفات أسئلتي
والصبح باك على عرش العشيات؟
ثم انبرى هذا الأديب الفذ - يرحمه الله - في التفاتة رائعة، قبل أن يصدر ديوانه الثاني؛ ليجمع بعض ما سطره أبناء جزيرته من أبيات شعرية شعبية من اللون الشعبي المعروف بلون (الكسرة)، في محاولة منه لتوثيق هذا الفن الشعري الأصيل، فأصدر الشاعر ديوانه الثاني (وللأقمار باب)، مبحراً بين البحر والأرض والجمال والحياه، مفتوناً بجزيرته ومراتع الصبا فيها:
يا آية الليل في الشطآن للجزر
ماذا تقول السماء في الليل للقمر
عن أرضنا البكر عن أشواق مربعنا
عن الهوى والمنى عن تربها العطر
عن المغاني التي ما زلت أحضنها
أشمها في يدي من ميعة الصغر
وقبيل رحيله -رحمه الله- وصل ديوانه الثالث (ذاكرة الشفق)، دون أن يراه، مفتتحاً الديوان بهذا النص الفاتن (الصرخة الأولى) الذي يقول في أوله:
جاءت بقلب العاشقين قصيدتي
شفافةً.. ترنو بعين براءةِ
خضراءَ.. مفعمةَ الحقولِ.. وعشقها
يعلو.. فتسمو عن دنوّ جهالةِ
وبريقُ عينيها التماعُ تساؤلٍ
كيما تعيد فصولَ كل حكايتي
وتودّ لو أني أجبت سؤالها
حين التلاقي واشتعال بدايتي
أما آخر نص كتبه قبل أن يدخل العناية الفائقة ببضعة أيام، كما يروي ابنه الشاعر الجميل رياض سهيل: أن أخاه محمداً قد أرسل صورة ابنته (رسيل) إلى أبيه، محتفياً بها وهي تصعد الدرج في أول يوم تذهب فيه إلى الروضة، فخاطب حسين حفيدته:
رسيل تصعد الدرج
تلقي نظرة خاطفة
 وتصعد الدرج..
هذه أول خطوة إلى الصعود يا رسيل..
دعيني يا رسيل ابتهج..
دعيني ابتهج..
لا تنظري إلى الوراء
واصعدي الدرج..
هكذا هي الروح الشاعرة للراحل حسين سهيل الذي رحل وترك إرثاً من الأعمال الأدبية، وله عدد من الأعمال المخطوطة، منها: الأمثال الشعبية في فرسان، وكذلك الألفاظ الشعبية في فرسان، إضافة إلى كتاب -كما أسلفنا-عن الأديب والمؤرخ إبراهيم مفتاح.

 

ذو صلة