في بدايات أكتوبر من هذا العام (2016م) رحلت واحدة من القمم الفكرية والأدبية النسائية التي برزت على ساحة الفكر والأدب خلال القرن العشرين، وهي الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، إذ تعد من أبرز المهتمين بالتراث العربي والإسلامي وقضايا الفكر والأدب والثقافة.
فهي الكاتبة المغوارة صاحبة المواقف المشهورة للحفاظ على التراث، والتي قدمت أكثر من ثلاثين مؤلفاً في شتى فروع الفكر والأدب والمعرفة، وهي صاحبة عطاء حضاري كبير ومواقف نبيلة جعلت جمعية لسان العرب تقلدها درع (أم العرب) بالإجماع خلال المؤتمر السنوي السادس للجمعية الذي عقد بجامعة الدول العربية بالقاهرة في نوفمبر 1999م، وحضره أكثر من 500 شخصية من الجامعات والمؤسسات العربية والإسلامية، لأنها تحمل هموم الأمة وآمالها، ورشحها المؤتمر لتكون شخصية عام 2000م، لما قدمته من فكر ودعوة ومقترحات من أجل العناية باللغة العربية.
النشأة الأدبية
ولدت نعمات أحمد فؤاد عام 1927م في مغاغة بالمنيا، وشجعها والدها على حفظ القرآن وهي في سن صغيرة، وتخرجت في كلية الآداب جامعة القاهرة، وبدأت رحلتها في البحث العلمي، فأعدت رسالتها في الماجستير عن أدب المازني، وكانت أول رسالة تقدم للجامعة في الأدب الحديث. ثم حصلت على الدكتوراه من جامعة القاهرة في الأدب أيضاً، وموضوعها (النيل في الأدب العربي) عام 1952.
رحلة الشرق والغرب
وكانت نعمات أحمد فؤاد من الأدباء والمفكرين المصريين الذين رحلوا إلى العديد من البلدان، واهتموا بأدب الرحلات وأدلوا فيه بدلوهم، وسجلوا تفاصيل رحلاتهم ومشاهداتهم في كتب ومؤلفات، خلدت هذه الرحلات وحملتها إلى الأجيال، ومن أشهر مؤلفاتها (رحلة الشرق والغرب) الذي تضمن مجموعة كبيرة من الرحلات التي قامت بها إلى مختلف دول العالم، وشملت أوروبا وأمريكا وتركيا وقبرص وفرنسا وإنجلترا والمغرب والسودان وتونس وليبيا.
أدب الرحلات
فهي ترى أن أدب الرحلات لون شائق من ألوان الأدب، ومرغوب فيه ومهم ونافع، فالحضارة رحلة كبيرة من العصر الحجري إلى العصر الحديث، والأديان رحلة من الأرض إلى السماء، والإنسان في أثناء رحلته الكبيرة عرف ألواناً أخرى من الرحلة لأغراض شتى.. فمارس الرحلة للتجارة وللعلم ولتوثيق النص وللتمهيد للغزو.
ورحلة الدكتورة نعمات فؤاد حول العالم -كما وصفتها- كانت رحلة بيضاء.. سياحة في داخل النفس وخارجها.. في المكان والزمان، لتكون الرحلة نبضاً إنسانياً خلاقاً ودافئاً بمشاعر الأمل والألم والإشادة والنقد، والتطلع والاستطلاع والإضافة والطموح.
معارك فكرية
وقد خاضت هذه المفكرة والأديبة الكثير من المعارك الفكرية والقضائية لحماية التراث والآثار، منها منع دفن النفايات الذرية للنمسا في مصر، ومنع المساس بماء النيل ومنح قطرة منه لإسرائيل، وسفر الآثار واستباحتها بالنهب والإهداء، والدفاع عن الآثار الإسلامية، والتعديات الداخلية على النيل.
وقد أعدت قائمة بالآثار التي أخذتها إسرائيل من سيناء وقدمتها إلى اللجنة الدائمة للآثار بوزارة الخارجية المصرية قبل التفاوض على استرجاع الآثار، وغيرها من القضايا المصرية المهمة.
مؤلفات ثرية
وللدكتورة نعمات فؤاد أكثر من ثلاثين كتاباً مطبوعاً في مجالات شتى، مثل الأدب والنقد والسياسة والدين والفن، منها: (دراسة في أدب الرافعي) 1954م، (أدب المازني) 1954م، (الأخطل الصغير) 1954م، (ناجي الشاعر) 1954م، (إلى ابنتي) 1956م، (في بلادي الجميلة) 1962م، (النيل في الأدب المصري) 1962م، (قمم أدبية) 1963م، (شخصية مصر) 1968م، (خصائص الشعر الحديث) 1971م، (النيل في الأدب الفني) 1973م، (أعيدوا كتابة التاريخ) 1974م، (من عبقرية الإسلام) 1983م، وغيرها الكثير، بالإضافة إلى المقالات الصحفية ومشاركاتها الفعالة في البرامج الإذاعية والتليفزيونية في مصر والعالم العربي.